الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في مطلع الشهر الجاري صدر تقرير مركز التنافسية العالمي، التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية في سويسرا، مؤكداً صعود المملكة (7) مراتب لتحقق المركز (17) الأكثر تنافسية عالمياً والمرتبة الثالثة بين دول مجموعة العشرين. وهذا يدل على نجاح الرؤية السعودية الهادفة لرفع مرتبة تنافسيتها إقليمياً وعالمياً إلى أحد المراكز الـعشرة الأوائل بحلول عام 2030.
تهدف التنافسية العالمية، التي تعتبر مصطلحاً حديثاً في علم الإدارة والاقتصاد، إلى تحديد أسس ومبادئ ومعايير الكفاءة والتميز والتطور الذي وصلت إليه دول العالم في (4) محاور رئيسية، تضم المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، إلى جانب (20) محوراً قطاعياً، و(330) مؤشراً فرعياً.
لذا أسست المملكة المركز الوطني للتنافسية ليقوم بحصر وتحليل أهم المؤشرات والتقارير التخصصية في مختلف المجالات، وإحالتها للجهات الحكومية المعنية، واقتراح التوصيات المناسبة لتنفيذها، بالإضافة إلى مراقبة أداء المملكة ومقارنته بأداء الدول الرائدة في مؤشرات التقارير العالمية. وهذا ما جعل النتائج الإيجابية، التي حققتها المملكة في التقارير العالمية، انعكاساً لجهود المركز السعودي وتكريس نجاحاته المميزة في ترسيخ نتائج التحول الاقتصادي الذي تتبناه المملكة، وقدرتها على تكييف سياساتها حسب المتغيرات العالمية.
ونتيجة لهذه الجهود المميزة، تقدم ترتيب المملكة في المحاور القطاعية من المرتبة (31) إلى المرتبة (6) في كفاءة الأداء الاقتصادي، ومن المرتبة (19) إلى المرتبة (11) في كفاءة الأداء الحكومي، ومن المرتبة (16) إلى المرتبة (13) في كفاءة الأعمال.
وفي المؤشرات الفرعية المرتبطة بالمعرفة، قفزت المملكة (13) مرتبة عالمياً نتيجة توفير مقومات الدعم للتعليم في سبيل التحوّل إلى اقتصاد المعرفة. كما صعدت المملكة (10) مراتب في مؤشر التعليم والتدريب ومؤشر المهارات الرقمية والتقنية، و(9) مراتب في مؤشر تحصيل التعليم العالي، و(5) مراتب في مؤشر الإطار التنظيمي، و(4) مراتب في مؤشر وفرة الموهبة، و(6) مراتب في مؤشر التركيز العلمي، إضافةً لتقدم مركز المملكة (6) مراتب في مؤشر منح براءات الاختراع عالية التقنية.
ونتيجة لنجاح تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية واصلت المملكة صعودها للمراتب الثلاث الأولى عالمياً في (23) مؤشراً، منها المرتبة الأولى في مؤشرات الكفاءة المالية العامة، وتفهم الحاجة للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وتمويل التطور التقني، إضافةً لمؤشر دعم شراكات القطاع العام والخاص للتطور التقني.
وفي مؤشرات معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي حققت المملكة المرتبة الثانية عالمياً في نمو توطين الوظائف، وقدرة الحكومة على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية، والتماسك الاجتماعي، وتشريعات تخفيف حدة البطالة، والأمن السيبراني، ودعم البيئة القانونية لتطوير وتطبيق التقنية. كما جاءت المملكة في المرتبة الثالثة عالمياً في مؤشرات قدرة الاقتصاد على الصمود أمام التحديات العالمية، ومنها تخفيض معدلات التضخم لأسعار المستهلك، والتحول الرقمي في الشركات، والرسملة السوقية لسوق الأسهم، وتوفر رأس المال الجريء.
ونظراً لأن المملكة تعيش اليوم أكثر الفترات ديناميكية وأشدها منافسة في تاريخنا الحديث، جاء تحرير التجارة الدولية وشيوع مفاهيم العولمة وتنامي ثورة المعلومات والاتصالات والامتداد الدولي للتمويل، لتؤدي جميعها إلى ترابط الأسواق العالمية ودفع أسواقنا الداخلية لاتخاذ خطوات نوعية جريئة وبوتيرة متسارعة لتطوير سياساتها الاقتصادية ورفع قدراتنا التنافسية.
وحيث أن التنافسية العالمية تعتمد على معايير الاستغلال الأمثل لموارد الدولة لتحقيق الرفاهية لمواطنيها والتنمية المستدامة لاقتصادها، اتبعت المملكة أفضل أساليب الإدارة لرفع مستوى الكفاءة والتميز والتطور في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياحية، والثقافية. وتتنوع هذه المعايير حسب أساليب القياس التي تتبعها المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، والمؤسسة الدولية للتطوير الإداري بسويسرا، التي تقوم بنشر تقاريرها بشكل سنوي، وتحتوي على قائمة ترتيب الدول حسب المعايير المحددة.
ولا شك أن مكانة المملكة الفريدة كأكبر مصدِّر للنفط وثاني أكبر منتج له في العالم، أَمْلَتْ علينا أن نتحمل مسؤولياتنا بجدارة تجاه الاقتصاد العالمي. ولكونها من أكبر الدول المساهمة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أصبحت المملكة جزءاً مهماً من منظومة الأسواق العالمية، وعضواً فعّالاً في المؤسسات والمنظمات الدولية. ولأن اقتصادنا الوطني يعتبر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، أصبحت قطاعاتنا الخدمية تنعم بالنشاط والحيوية وباتت تجارتنا المتكاملة والمندمجة تتصدر المراتب المتقدمة على صعيد التجارة العالمية.
في خضم هذه المزايا والمعطيات، حددت المملكة هدفاً طموحاً واضحاً لكي تتمكن من التكيف مع المتغيرات العالمية بنجاح. فخلال السنوات السبع الماضية عكفنا على تنفيذ برنامج إصلاح إقتصادي متكامل وهيكلة إدارية شاملة، تتمتع باستراتيجيات تنموية مرنة لكي تكتسب صفة الاستدامة. وكان لتعديل النهج التقليدي في الإدارة، من خلال تسريع عملية اتخاذ القرار وتنفيذ أحكامه بما يتفق مع الوتيرة المتسارعة للأحداث العالمية، الباع الأطول في صعود مراتبنا على مؤشرات التنافسية العالمية.
كما قامت المملكة بدعم هذه الخطوات من خلال تنفيذ أكثر من (13) برنامجاً تنموياً وإنجاز (555) إصلاحاً لتحتل المرتبة الأولى عالمياً في إصلاحات بيئة الأعمال. وكان من أهم هذه الخطوات إزالة العوائق الفنية أمام الواردات الأجنبية، وتطبيق اتفاقية التثمين الجمركي، وإصدار تراخيص الاستيراد، وتنفيذ معايير التدابير الصحية والصحة النباتية، وتحديد الجهة المختصة بمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والحماية الوقائية، ومراقبة شركات التأمين التعاوني، وإنشاء المختبرات الخاصة المعتمدة، وحماية حقوق الملكية الفكرية، مما أهَّل اقتصادنا الوطني لاستحقاق التقـدير الســيادي المميز من الهيئات الدولية المستقلة. وبالتالي تجاوز الاقتصاد السعودي تقديرات المنظمات الدولية محققاً في عام 2022م أعلى نمو بين دول مجموعة العشرين بنسبة 8.7%.
وكان لتنويــع وتوسيع قاعــدتنا الاقتصاديـــة، من خلال تشجيع النمو الحقيقي في الصناعات والخدمات، التي تتمتع بالقدرة التنافسية والقيمة المضافة العالية، الهدف الأساس لتنمية صادراتنا غير النفطية التي تضاعفت خلال السنوات الخمس الماضية لتحقق نمواً صافياً بنسبة 22% في العام الماضي بعد تصديرها لأسواق (170) دولة، واقتربت من الاستحواذ على 15% من حصة السوق العالمي في البتروكيماويات. هذا بالإضافة إلى تفوقها في نسبة توطين الوظائف القيادية والفنية لتفوق نسبة 88%.
ولتعزيز دور القطــاع الخــاص، من خلال تشجيعه على الاستثمار والمشاركة في إدارة وتنفيذ كافة الأنشطة الاقتصادية، جاءت القرارات الاستراتيجية المتخذة بتخصيص المنشآت الحكومية الرئيسية لتحقق أهدافها في تطوير قطاعات الاتصالات والبريد والموانئ والطيران المحلي والتعليم، إضافة لتوليد وتوزيع الطاقة الكهربائية ومعالجة مياه الصرف الصحي وتحلية المياه والسكك الحديدية. ولتحقيق الهدف الأمثل من هذا التخصيص، فتحت المملكة (211) قطاعاً فرعياً أمام تدفق الاستثمارات، ودعمتها بالسياسات التجارية الواضحة والأنظمة واللوائح التنفيذية الشفافة لتحقيق مصالح المستهلكين وتعزيز المنافسة العادلة.
وتلبية لإيجـاد مناخ استثماري مـواتٍ، تم تحويل الهيئة العامة للاستثمار إلى وزارة سيادية، تهدف لتنظيم استقطاب المستثمرين وتوطين التقنية والاستفادة من الخبرات وتعزيز فرص التبادل التجاري وتوليد الوظائف. فبادرت الوزارة باختصار “القائمة السلبية” للاستثمار وإزالة العوائق التي كانت تعترض سبل النفاذ للأسواق وإصدار استراتيجية محدثة للاستثمار، مما أدى الى تحسين كفاءة أدائنا والقفز بتصنيف بيئتنا الاستثمارية من المرتبة (67) إلى المركز (11) بين دول العالم.
ولاسـتقبال النمو الجوهري المتوقع في تدفق الاستثمار، عكفت الدولة على إجراء توسعة طموحة في المدن الصناعية بالجبيل وينبع ورأس الخير، وبادرت بإنشاء أربعة مـدن اقتصاديــة خاصة في كل من مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، ورأس الخير، وجازان، والمنطقة الاقتصادية الخاصة للحوسبة السحابية والمعلوماتية. وتتمتع هذه المدن بالبيئة التنظيمية الداعمة والتنافسية، والموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يعزز مكانة المملكة بوصفها مركزاً حيوياً لسلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية، والبنية التحتية الرقمية المتطورة والقادرة على دعم شركات تقنية المعلومات والاتصالات ومنظومة الحوسبة السحابية العالمية.
واليوم تتصّدر تجارة المملكة من سلع وخدمات قائمة أكبر دول العالم في حجم التجارة الخارجية التي فاقت نسبتها 70% من ناتجنا المحلي، لنحقق المركز (26) في الصادرات والمرتبة (32) في الواردات بين دول المعمورة.
وإذ نعتز اليوم بقوة اقتصادنا، الذي قفز للمرتبة (18) بين أكبر اقتصاديات دول العالم ومجموعة العشرين، فإننا سنواصل تصّدرنا المرتبة الأولى بين الدول العربية ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونستفيد من تقدمنا للمركز الخامس بين (135) دولة في أسرع دول العالم بمقياس “التنمية البشرية”، لنستحق بجدارة ما حققناه من إنجازات مُشرّفة على معظم مؤشرات التنافسية العالمية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال