الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كانت جميع الأسواق حول العالم في حالة ترقب لقرار الفيدرالي الأمريكي يوم الأربعاء الماضي، والذي قام بتثبيت أسعار الفائدة كما هو متوقع بعد عشر رفعات متتالية، عند 5.25%. وهي مستويات لم يشهدها العالم منذ العام 2007. بدأ الفيدرالي الأمريكي رحلته في رفع أسعار الفائدة في مارس 2022 كوسيلة لإحكام قبضته على مستويات عالية من التضخم لم تشهدها الولايات المتحدة منذ أربعة عقود. وقد صل التضخم قمَته في يونيو العام الماضي عند 9.1%، وبدأ بعدها بالتراجع حتى وصل لأدنى مستوياته منذ عامين في شهر مايو الماضي عند 4%. وبالرغم من ذلك، لازال معدل التضخم أعلى من مستهدف الفيدرالي البالغ 2%.
لكن يأتي تساؤل، هل رفع أسعار الفائدة هي الوسيلة الوحيدة لمعالجة ارتفاعات معدلات التضخم؟ أم أنه يوجد أسباب أدَت إلى مثل هذه الارتفاعات وقد يكون من الأجدى معالجتها أو محاولة التعامل معها؟ فخلال فترة كوفيد على سبيل المثال، ضخَت الحكومة الأمريكية في اقتصادها ما مجموعه 5 تريليون دولار على هيئة معونات لقطاعات مختلفة وبعضها مباشرة للأفراد. ثم يأتي أثر أزمة كوفيد أيضًا على الاقتصاد الصيني، وهي الدولة التي يمتد أثر أداءها الاقتصادي على العالم أجمع. فقد أدت الإغلاقات المتكررة للاقتصاد الصيني بسبب محاولات الحكومة محاربة انتشار الفيروس إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية. ولم يتسنَّ للعالم أن يتعافى من اضطرابات كوفيد حتى أتى الصراع الروسي الأوكراني جالبًا معه تحديات إمدادات الغاز الروسي لبعض الدول الأوروبية ومؤثرًا على الأسعار عالميًا، وامتد أثر الصراع أيضًا إلى معروض القمح العالمي حيث تعد أوكرانيا رابع أكبر دولة في العالم مصدرة لهذه السلعة الأساسية.
من السرد المذكور أعلاه، نجد زيادة في الطلب مدفوع بزيادة المعروض النقدي، وهذه الصورة تقابلها اضطرابات في جانب العرض. وهذا ما يخلق حالة حرجة من ارتفاع معدلات التضخم قد تجعل من الصعب على البنوك المركزية مجابهتها باستخدام أسعار الفائدة فقط.
فلدينا في المملكة على سبيل المثال قامت الحكومة بوضع حد أعلى لأسعار الوقود، والذي ساعد على تحييد هذا العامل الذي أثَر بشكل كبير على معدلات التضخم في عدَة دول متخطيًا حاجز الـ 10% على أساس سنوي كما رأينا في المملكة المتحدة على سبيل المثال، بينما لم يتعدَى لدينا الـ 3.4%.
وأود أن أستذكر هنا شيء من التاريخ، حين ذكر الدكتور صالح العمير في معرض حديثه عن سيرته العملية كنائب بوزارة المالية مع المؤرخ محمد السيف*، كيف تعاملت الحكومة مع التضخم في السبعينيات. حيث قامت بالحد من الأنفاق، ولكن ما شد انتباهي أيضًا هو العمل على تطوير الموانئ البحرية للتقليل من الوقت المستغرق لتفريغ حمولة الشحنات من ثلاثة أو أربعة أسابيع إلى عدَة أيام كأحد الوسائل المستخدمة لمجابهة التضخم. حيث كانت العديد من الناقلات ترفض الشحن إلى المملكة في ذلك الوقت أو تلجأ لموانئ بعيدة، مما يفاقم من تكاليف الشحن ويغذِي التضخم. ومعالجة هذا الأمر هي وسيلة للمحافظة على سلاسة سلاسل الإمداد وحماية جانب العرض من التقلبات، والذي من شأنه في النهاية مجابهة التضخم.
لكن، في نهاية الأمر، يظل استخدام أسعار الفائدة كوسيلة لمجابهة التضخم واقع يجب على الشركات التعايش معه. فمنذ بدأ الفيدرالي رحلته في رفع الفائدة في مارس من العام الماضي، ارتفعت المعدلات لدينا في المملكة تباعًا. فالسايبور لثلاث أشهر، على سبيل المثال، ارتفع بنسبة 500% خلال هذه الفترة نظرا لحاجة المملكة لربط السياسة النقدية بنظيرتها الأمريكية. ولذلك يجب أن تعمل الشركات على صياغة استراتيجية وسياسة للتحوط من هذه التحركات، هذا كله يجب أن يكون مبني على منهجية لإدارة المخاطر تخلو من توجهات مضاربية أومحاولات استشراف التحركات المستقبلية. بالتالي يكون الهدف منها حماية المصاريف التمويلية من التذبذبات التي قد تؤثر في نهاية الأمر على معدلات الربحية.
————–
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال