الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الأسبوع الماضي وافق مجلس الوزراء السعودي على قرار انضمام المملكة بصفة شريك الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون، التي تأسست في بكين عام 2001 كمنظمة سياسية واقتصادية وأمنية لآسيا الوسطى بمواجهة المؤسسات الغربية. وتضمّ المنظمة تسعة دول أعضاء هي الصين وروسيا والهند وباكستان وكازاخستان ودول أخرى من دول الاتحاد السوفياتي السابق في آسيا الوسطى. كما تضم المنظمة دولاً أخرى لها صفة مراقب أو شريك في الحوار مثل إيران ومصر وقطر. ويأتي قرار انضمام السعودية للمنظمة بعد أقل من ثلاثة أسابيع من الاتفاق الذي رعته الصين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران. وتسعى منظمة شنغهاي للتعاون بين الدول الأعضاء فيها للحصول على أماكن مميزة في النظام العالمي المستقبلي.
ونظراً لمكانة المملكة في العالم الإسلامي، ودورها المتنامي في العالم العربي، إضافةً لتزايد الاعتراف الدولي بحكمتها الجيوسياسية وثقلها الاقتصادي والاستراتيجي في تحقيق الاستقرار الإقليمي والعالمي، تسعى منظمة شنغهاي للتعاون، من خلال الصين، لتشجيع المملكة على الانضمام إلى عضوية مجموعة “بريكس”. ولا شك أن هذا السعي الحثيث يأتي أيضاً لمكانة المملكة كلاعب رئيسي في أسواق الطاقة العالمية، لكونها تمتلك 19% من الاحتياطي العالمي من النفط، و12% من الإنتاج العالمي له، وأكثر من 20% من مبيعات النفط في الأسواق العالمية، مع تمتعها باحتياطات النفط الثابتة بنحو 267 مليار برميل، إضافةً لامتلاكها طاقة تكرير تصل إلى أكثر من 5 ملايين برميل يومياً، داخلياً وخارجياً.
كما أن حجم احتياطات المملكة المالية الضخمة في الخارج، التي وصلت بناءً على احصائيات البنك المركزي السعودي إلى 693 مليار دولار في نهاية العام الماضي، جعلت من السعودية لاعباً مهماً في أسواق المال والاستثمارات العالمية. وهذا يجعل من أي تكتل دولي حريصاً على ضم المملكة لعضويته، لكون هذا الانضمام ينعكس إيجابياً على قوة هذا التكتل ونفوذه العالمي.
لذا جاء الحراك الصيني لتوسيع مجموعة “بريكس” وتشكيل ما يُسمى “بريكس بلس” عبر ضم مزيد من الدول والاقتصادات الصاعدة، من أهمها السعودية والأرجنتين ومصر والامارات، في مقابل اتجاه مجموعة دول السبع الصناعية إلى محاولة استقطاب دول أعضاء في مجموعة “بريكس” للتكتل الغربي، لاسيما الهند وجنوب أفريقيا.
وإذا كان انضمام المملكة إلى مجموعة “بريكس” سيفيد دول هذه المجموعة ويعزز قوتها، فإنه في حالة حدوثه سيخدم أيضاً المملكة من خلال الاستفادة من أسواق وقدرات وموارد دول المجموعة في دعم خطط التنمية السعودية وتوسيع الفرص التنموية أمام المملكة. فهذا التجمع، الذي يضم الاقتصادات الناشئة الرئيسية في العالم، يشمل نحو 41% من سكان العالم، ويمثل سوقاً اقتصادية ضخمة تستطيع أن تستوعب صادرات أي اقتصاد، ناهيك عن الفرص الاستثمارية الضخمة التي يتيحها هذا السوق. وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول نحو 24.2 تريليون دولار في العام الماضي، بما يمثل 25% من إجمالي الناتج العالمي، وتستحوذ الصين وحدها على ما يقرب من 70% من إجمالي ناتج مجموعة “بريكس”.
كما تمثل دول المجموعة، لا سيما الصين والهند، أسواقاً رئيسية للواردات النفطية من دول الخليج، وتعتبر هذه الدول من الشركاء التجاريين الرئيسيين للسعودية واقتصادات الخليج. وبالتالي فإن الانضمام لهذا التجمع سيفتح المجال واسعاً أمام زيادة وتعزيز حجم التعاون الاقتصادي بين المملكة ودول “بريكس”، وسيعزز من النمو الاقتصادي للسعودية في المستقبل.
وعلى الرغم من هذه المزايا التي يتيحها تكتل “بريكس” للسعودية، فإن الانضمام له ربما ينطوي على توتر العلاقات مع الغرب، وبصفة خاصة أمريكا. لذا فإن القرار السعودي يتطلب التأكد من إيجابيات وسلبيات الانضمام قبل اتخاذ القرار، آخذاً في الحسبان النواحي المهمة التالية:
أولاً: بعكس المفهوم الخاطئ، فإن مجموعة “بريكس” ليست منظمة اقتصادية، بل هي منظمة سياسية بحتة، تجمع رابطة من الدول غير الراضية على النظام العالمي أحادي القطب، وتسعى لاستبداله بنظام عالمي جديد، يكون للمجموعة فيه وزن أكبر. إلا أن هذا الهدف قد لا يتحقق لأن الدول الغربية لا زالت الشريك الرئيسي للمجموعة في مجال الاقتصاد والتقنية والتبادل التجاري، وبالتالي فإن المشروعات الاقتصادية والتكاملية لدول “بريكس” لا زالت قيد الخطط والبيانات فقط. لذلك من الممكن تجاهل فكرة العملة الموحدة للمجموعة، لأنها تحتاج إلى إنشاء مركز موحد لإصدار النقود المشتركة، والذي يتطلب التخلي عن جزء كبير من السيادة في المجال الاقتصادي. وبهذا تصبح عملة “بريكس” الموحدة مستحيلة من حيث المبدأ، لأنها تتعارض مع الهدف الرئيسي غير المعلن لهذه المجموعة، ولن تستطيع منافسة الاستخدام العالمي للدولار، الذي وصل خلال السنوات الماضية إلى نسبة 70%، وقد يستمر في هذا الوضع لنهاية العقد القادم.
ثانياً: بشكل عام، قد يمثل انضمام السعودية المحتمل إلى مجموعة “بريكس” فرصة مربحة للمملكة، لأنها قد تُسّرع من التنوع الاقتصادي والتنمية في السعودية وتقليل اعتمادها على الكتل الغربية. ولكن في المقابل يمثل هذا الانضمام مخاطر وتحديات محتملة، أهمها زيادة المنافسة الجيوسياسية بين الغرب وكتلة القوى الشرقية بقيادة مجموعة “بريكس”، مع تزايد انقسام الاقتصاد العالمي، الذي سيعود بشكل سلبي على المملكة، التي طالما تم احتسابها سياسياً على المعسكر الغربي. لذا يقترح تحرك المملكة بشكل مسبق لتأكيد عدم انحيازها سياسياً لأي طرف، وأنها تعمل على بناء شراكات تجارية متوازنة مع مختلف القوى الدولية، مع التأكيد على أن المملكة تسعى دائماً للتعاون الدولي في المجالات الاقتصادية وتبتعد عن الخوض في الصراعات السياسات.
ثالثاً: تطور حرب روسيا على أوكرانيا إلى حرب عالمية بدخول الغرب فيها من جهة، ودخول الصين من جهة أخرى، سيكون هناك حتما إعادة تصنيف الدول بحسب انتمائهم إلى المعسكرات الشرقية أو الغربية المختلفة، لعدم قدرتهم على البقاء على الحياد، لتصبح “بريكس” حينها بمثابة نوع من المظلة الشرقية، التي لن تترك الدول الصغيرة فرادى وجها لوجه أمام الضغط الغربي. وبهذا تأمل مجموعة “بريكس” إلى استبدال منظمة الأمم المتحدة، التي تخضع لسيطرة أمريكا، إلى منظمة دولية أخرى.
رابعاً: تشكل الصادرات السلعية لمجموعة السبع الصناعية في العام الماضي 6.3 تريليونات دولار، بما يمثل نسبة 28.1% من إجمالي الصادرات السلعية العالمية، فيما بلغت الواردات السلعية لنفس المجموعة نحو 7.6 تريليونات دولار، وبما يمثل نسبة 33.5% من إجمالي الواردات السلعية للعالم. أما مجموعة “بريكس” فأن حصيلة صادراتها السلعية بلغت في نفس التاريخ 4.6 تريليونات دولار، وهو ما يمثل 20.7% من إجمالي الصادرات السلعية للعالم، في حين بلغت وارداتها السلعية 3.9 تريليونات دولار، بما يمثل 17% من إجمالي الواردات السلعية للعالم. ومن هنا نلاحظ أن أداء مجموعة السبع الصناعية أكثر تأثيراً في حركة التجارة السلعية الدولية من حيث القيمة والنسبة، وهذا ما تطلع إليه المملكة في شراكاتها الاستراتيجية لرفع نسبة صادراتها العالمية من السلع غير النفطية لتشكل 50% في إجمالي قيمة الناتج المحلي غير النفطي. لذا فإن انضمام السعودية المحتمل إلى مجموعة “بريكس” سيكون فرصة مربحة لدول المجموعة، التي تسعى لزيادة وارداتها من الطاقة السعودية، مقابل زيادة فتح أسواق المملكة أمام الواردات الصينية وتقليل اعتمادها على واردات الكتل الغربية.
خامساً: بحسب تقارير التجارة العالمية، بلغت تجارة المملكة الخارجية خلال العام الماضي نحو 2.24 تريليون ريال، بنمو 40% مقارنة بـالعام 2021. واستناداً للبيانات الرسمية، فإن بوصلة التجارة الخارجية السعودية تركزت شرقاً، مع تصدر ثلاثة دول آسيوية كشركاء تجاريين للمملكة. وجاءت الصين في المرتبة الأولى بحجم تجارة بلغ 139.7 مليار ريال ما يشكل 19.1% من التجارة السعودية الخارجية، فيما حلت الهند في المرتبة الثانية بحجم تجارة بلغ 55.8 مليار ريال يشكل 7.6%، ثم اليابان بحجم تجارة 55.3 مليار ريال يعادل 7.55%. وسجلت السعودية فائضاً تجارياً كبيراً مع هذه الدول الثلاث، بلغ نحو 31 مليار ريال مع الصين، و26.4 مليار ريال مع الهند، و30.83 مليار ريال مع اليابان، ليشكل مجموع هذه الفوائض 52% من إجمالي الفائض التجاري الخارجي للسعودية.
أما أمريكا فإنها تأتي في المرتبة الخامسة ضمن قائمة أكبر عشرة شركاء تجاريين مع السعودية، وذلك بقيمة 151.4 مليار ريال. ومع ذلك تصنف أمريكا المملكة على أنها حليف استراتيجي في منطقة الخليج، حيث تعتبر أمريكا أكبر مُصدّر للسلاح إلى المملكة، وأكبر مستثمر أجنبي فيها، إذ تتجاوز استثماراتها 800 مليار دولار مقابل 100 مليار دولار فقط للصين. كما تعترف أمريكا أن المملكة تعتبر لاعباً رئيسياً في تجارة الطاقة بفضل مواردها القوية من النفط والغاز الطبيعي، بما يمكن السعودية من الهيمنة على الاستهلاك العالمي للنفط والغاز. لذا من المتوقع أن تسعى أمريكا، في ظل رغبة المملكة الانضمام لمجموعة “بريكس”، إلى رفع مستوى شراكتها الاستراتيجية مع المملكة. وبالتالي ستستفيد المملكة بذكاء خطواتها الاستراتيجية المستقبلية من الجانبين الشرقي بقيادة الصين والغربي بقيادة أمريكا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال