الذكاء الاصطناعي حول الحوكمة

نتطرق بداية المقال إلى مفهوم الذكاء الاصطناعي وذلك من خلال الاسترشاد بما جاء في موقع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، والذي أشار إلى صعوبة تحديد تعريف موحد لمصطلح الذكاء الاصطناعي بسبب صعوبة تعريف ماهية الذكاء البشري، إضافة إلى اختلاف المنظور الذي يمكن أن يصف الذكاء الاصطناعي.

حيث تدور كثير من التعريفات النظرية للذكاء الاصطناعي حول قدرة الآلة على التصرف مثل البشر أو القيام بأفعال تتطلب ذكاءً، ولكن بالنظر إلى أكثر التطبيقات الموجودة اليوم يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه: أنظمة تستخدم تقنيات قادرة على جمع البيانات واستخدامها للتنبؤ أو التوصية أو اتخاذ القرار بمستويات متفاوتة من التحكم الذاتي، واختيار أفضل إجراء لتحقيق أهداف محددة.

أما الشق الآخر هنا، سنتناول مفهوم الحوكمة حيث جاء تطبيق الحوكمة في الإسلام كما ورد في الحديث الشريف حينما استعمَل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رجلاً من بني أسد يُقال له: ابن اللُّتْبيَّة – قال عمرو وابن أبي عمر: على الصدقة – فلمَّا قَدِم، قال: هذا لكم، وهذا لي أُهْدِي لي، فقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على المنبر، فحَمِد الله وأثْنَى عليه، ثم قال: ((ما بال العامل نَبعثه فيأتي، فيقول: هذا لك وهذا لي، فهلاَّ جلَس في بيت أبيه وأُمِّه، فيَنظر أيُهْدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأتي بشيء إلاَّ جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رُغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة تَيْعَر))، ثم رفَع يديه؛ حتى رأَيْنا عُفْرتَى إبطَيه: ((ألا هل بلَّغْت؟!)) ثلاثًا.

يتبين هنا مشروعية محاسبة والتحقق مع العامل، ومنع العامل من قبول الهدية مقابل تنفيذ عمله، وتجنب كل وسيلة تحقق مصلحة شخصية للعامل، بل أوجه استلام وصرف الأموال والهدايا حين تحققها، وهذا من شأنه تفعيل مبادئ الحوكمة المتمثلة في المساءلة والمسؤولية والرقابة.

أما تعريف حوكمة الشركات: فهي قواعد لقيادة الشركة وتوجيهها تشتمل على آليات لتنظيم العلاقات المختلفة بين مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين والمساهمين وأصحاب المصالح، وذلك بوضع قواعد وإجراءات خاصة لتسهيل عملية اتخاذ القرارات وإضفاء طابع الشفافية والمصداقية عليها بغرض حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح وتحقيق العدالة والتنافسية والشفافية في السوق وبيئة الأعمال. (مصدر التعريف: لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن مجلس هيئة السوق المالية).

تهدف حوكمة الشركات إلى تنظيم العلاقة بين أصحاب المصلحة الداخلية وعلاقة الموظف بالمسؤول الأعلى المتمثل في مجلس الإدارة وبقية المستويات الوظيفية البينية، وبين أصحاب المصلحة الخارجيين مثل العملاء والمساهمين من خلال تعزيز الإفصاح والشفافية.

وطبعاً، ساهمت الثورة التقنية وما تحويها من أدوات رقمية وتقنيات فنية وذكاء اصطناعي في تطوير سبل تطبيق الحوكمة ، على سبيل المثال: عقد الاجتماعات الافتراضية Virtual Meeting  للجمعيات العمومية والتصويت الإلكتروني للمساهمين ونحوه.

وأشار بحث د.عبدالسلام رائد حول تطورات الاستخدام الاقتصادي للذكاء الاصطناعي والمنشور في العدد 77 بمجلة الحقوق لجامعة عين شمس لعام 2021م إلى أن قرابة 85% من تفاعل العملاء مع الشركات ستكون من خلال أدوات الذكاء الاصطناعي بدلاً من العنصر البشري.

كما تجدر الإشارة إلى أن الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي أطلقت مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي – الإصدار الأول – أغسطس 2022 –  في سبيل تعزيز جانب الحوكمة والامتثال للأخلاقيات أثناء تصميم وتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي.

مما يجعلنا ندرك أن الذكاء الاصطناعي سيكون له دور رئيسي في تحسين مجال تطبيق الحوكمة من نواحي عديدة مثل إدارة البيانات وتصنيفها، والبيانات المفتوحة، حماية الأصول المعلوماتية، الأتمتة وصلاحيات صنع القرار، تسهيل الإجراءات والاتصال مع الجهات التنظيمية والإفصاح عن القوائم المالية وفق القواعد المنظمة وغير ذلك.