الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
زرت مدينة أنتويرب في بلجيكا الشهر الماضي في رحلة عمل. على الرغم من أنها مدينة الألماس وعاصمته على مستوى العالم، إلا أن أكثر ما لفت انتباهي هو الميناء. بلجيكا دولة أوروبية صغيرة، مساحتها نحو 30 ألف كيلو متر مربع، أي أنها أكبر من نيوم بنحو 4 آلاف كيلو متر مربع. نظرا لصغر بلجيكا ومحدودية مواردها، فقد تخصصت في صناعات وقطاعات اقتصادية دقيقة ذات قيمة مضافة عالية. ميناء آنتريوب هو سابع أعلى ميناء في العالم من ناحية كمية الأطنان التي تمر على أرصفته الخاصة. فهناك أرصفة خاصة بالبتروكيماويات وخمسة مصافي نفطية وغيرها من الصناعات الدقيقة.
الأرصفة الخاصة والممرات المائية ذكرتني بمنطقة اكساچون في نيوم. استوعبت وقتها أهمية أن تكون خطوط الشحن البحري قريبة من المناطق الصناعية المتخصصة، وكذلك أهمية استخدام أدوات وآليات مصممة خصيصا لكل صناعة. فتفريغ المواد الخام وتعبئتها يحتاج إلى آليات مختلفة عن تنظيم حاويات الشحن.
الربط باكساچون هو مجرد محاولة بسيطة لفهم المغزى من مشروع نيوم – مدينة المستقبل – والتي يصعب تحديد عوائدها وفوائدها الاقتصادية اليوم، لأنها مشروع يتمحور حول رؤية مستقبلية واضحة الهدف – بأن تكون مدينة المستقبل – ولكن الطريق إلى الهدف مجهول تماما. فلماذا نحن بحاجة إلى مشروع هائل من هذا النوع؟
في 25 مايو عام 1961 خطب الرئيس الأمريكي جون كيندي في الكونجرس قائلا: ” يجب على الولايات المتحدة أن تلتزم، قبل انتهاء هذا العقد، بتحقيق هدف إنزال رجل على سطح القمر وإعادته بأمان إلى الأرض.” هذا الخطاب كان لشحن الروح المعنوية الأمريكية بعدما سبقهم السوفييت إلى الفضاء وظهور القمر الصناعي سبوتنيك في سماء أمريكا. احتاجت أمريكا وقتها لرؤية وحلم صعب المنال لاستعادة زمام الابتكارية والتقدم العلمي والصناعي في مختلف المجالات.
ولذلك قال كيندي أيضا: ” لقد اخترنا الذهاب إلى القمر في هذا العقد، ليس لأن الأمر سهل، وإنما لأنه أمر صعب. لأن الهدف هو اختبار وتنظيم طاقاتنا ومهاراتنا، ولأننا لا نرغب في تأجيل هذا الأمر وننوي الفوز به”.
النتيجة المباشرة لوصول أول إنسان وأمريكي إلى القمر في 1969 اقتصاديا لم تكن ملموسة على المدى القصير. ولكن على المدى الطويل، فإن كل التقنيات التي نستخدمها الآن في حياتنا اليومية لها جذور تعود إلى تحدي إيصال الإنسان إلى القمر وإعادته إلى الأرض؛ مثل: الحليب المجفف والعدسات والألياف البصرية للإنترنت.
كل هذه الابتكارات لم يكن من الممكن تخيلها في بداية ستينيات القرن الماضي. ولم تكن لتبتكر لولا التحدي الذي تحدى به الأمريكيون أنفسهم. وبنفس الطريقة، فإن مشروع رؤية المملكة 2030، وعلى كل ما فيه من تحديات، فإنه بحاجة إلى تحدٍ يفوق خيالنا اليوم. فنيوم هي المشروع السعودي للوصول إلى القمر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال