الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن تحول الدولة من دولة حارسة تؤمن بالاقتصاد الحر وعدم التدخل فيه، إلى دولة تعنى بتحقيق الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، نتج عنه تعاظم في دور الدولة حيث أصبحت غير قادرة على مواكبة الارتفاع المتزايد على طلب تقديم الخدمات العامة بسبب النمو السكاني المتسارع. لذا كان أحد الحلول لذلك هو إشراك القطاع الخاص في تنفيذ هذه المشاريع أو إتاحة بعض الأصول له ليتولى إدارتها، وبذلك يكون دور الدولة تشاركي/ تكاملي مع القطاع الخاص في تقديم الخدمات العامة بحيث تتولى الدولة المهام التشريعية والاشرافية في حين يتولى القطاع الخاص مهمة التنفيذ وتقديم الخدمات العامة.
للشراكة والتخصيص عدة أهداف من ذلك: المساهمة في رفع مستوى جودة الخدمات المقدمة للمواطنين وتحسين مستوى إدارتها حتى تلبي الاحتياج المتزايد للخدمات العامة، وترشيد الإنفاق العام وتخفيف العبء على كاهل الأجهزة الحكومية بحيث تركز الدولة جهودها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية وممارسة دورها التشريعي التنظيمي. وقد انتهجت المملكة هذا الأسلوب في مشاريع البنية التحتية منذ الثمانينات من القرن العشرين، حيث تم التعاقد مع إحدى الشركات لتشغيل وإدارة الهاتف الآلي وإنشاء شركة سابك وشركة الكهرباء السعودية ثم شركة الاتصالات السعودية، وتحويل مؤسسة الخطوط الجوية السعودية إلى مؤسسة تجارية مستقلة وذلك بحسب ما ورد في خطة التنمية الاولى للمملكة الصادرة في عام 1970م.
تلك الخطة التي هدفت إلى تعزيز مشاركة عناصر المجتمع المختلفة في عملية التنمية، ومع ازدياد الحاجة لتوضيح الأهداف الاستراتيجية للتخصيص والأطر النظامية والجهة المعنية ببرامج التخصيص أصدر في عام ١٩٩٧م (١٤١٨ه) قرار مجلس الوزراء رقم (60) حيث قضى بتوسيع مساهمة القطاع الخاص وتمكينه من القيام بدوره في التنمية.
إذ حدد ثمانية أهداف للتخصيص وهي: رفع كفاءة الاقتصاد الوطني وزيادة قدرته التنافسية، رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي، توسيع نطاق مشاركة المواطنين في الأصول المنتجة، تشجيع رأس المال الوطني والأجنبي للاستثمار، زيادة فرص العمل والتشغيل الأمثل للقوى العاملة، توفير الخدمات للمواطنين والمستثمرين بالتكلفة والوقت المناسبين، ترشيد الإنفاق العام والتخفيف عن كاهل ميزانية الدولة، زيادة إيرادات الدولة عن طريق عائد المساهمة في النشاط المراد تخصيصه.
فيما حدد لاحقًا قرار مجلس الوزراء المؤرخ ١١/١١/١٤٢١ه ورقم (٢٥٧)القاضي بتحديد الجهة التي تتولى الإشراف على برامج التخصيص ومتابعة تنفيذه، بالمجلس الاقتصادي الأعلى، وفي عام ٢٠٠٣ تم إطلاق استراتيجية التخصيص والتي وضعت الأطر العامة والسياسات اللازمة لتحقيق الأهداف الثمانية المذكورة آنفًا.
وأضحت الحاجة ملحة لتبني برامج التخصيص والشراكة بشكل أكبر مع إطلاق رؤية 2030والتي ترتكز على المحاور التالية: مجتمع حيوي ، اقتصاد مزدهر، ووطن طموح؛ حيث تعد برامج التخصيص ممكّنًا فاعلاً ومساندًا لدور الدولة في تقديم الخدمات العامة بجودة عالية للارتقاء باحترافية هذه الخدمات، ورافدًا اقتصاديًا يسهم في رفع الناتج المحلي مما يقود إلى مزيد من النمو والازدهار في الاقتصاد وذلك في حال تم تبني إدارة التغيير بحيث يتم ترجمة الخطط إلى واقع ملموس وفق الأهداف التي تم وضعها في هذه الخطط بسلاسة ودون مقاومة.
في السنة التي تلت إطلاق الرؤية تم تأسيس المركز الوطني للتخصيص بهدف الإسهام في تحقيق الأهداف التنموية للقطاعات المستهدفة بالتخصيص، وتنسيق الجهود والكفاية والفعالية في عملية التخصيص. وفي عام 2018تم إطلاق برنامج التخصيص كأحد برامج رؤية 2030بهدف تحديد الأصول والخدمات الحكومية القابلة للتخصيص في عدد من القطاعات وتعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات وإتاحة الأصول الحكومية أمامه.
ويستهدف البرنامج (١٧) سبعة عشر قطاعًا وهي: الصحة، البيئة والمياه والزراعة، البلديات، الإسكان، الطاقة، الصناعة والثروة المعدنية، النقل العام، الداخلية، الاتصالات، التعليم، الحج والعمرة، الموارد البشرية، النقل، الرياضة، الإعلام، المالية، وهيئة عقارات الدولة.
اشتمل برنامج التخصيص على ثلاثة ركائز وهي: إرساء الأسس القانونية/ التنظيمية، إرساء الأسس المؤسساتية، توجيه مبادرات البرنامج من خلال المشاركة في اللجان الاشرافية ومراجعة الاستراتيجيات لكل قطاع. على إثر ذلك تم تبني ما يقارب (30) ثلاثين مبادرة منبثقة من الركائز الثلاثة المشار إليها آنفًا وتعد أساسًا لتحقيق تطلعات رؤية 2030من ذلك:
– إصدار نظام التخصيص بموجب المرسوم الملكي رقم (م/٦٣) وتاريخ ٥/٨/١٤٤٢ه والذي يعد الإطار التنظيمي لبرامج التخصيص لدعم تنفيذ تلك المشاريع ضمن بيئة تنظيمية واستثمارية جاذبة ومحفزة للاستثمار على المدى القصير والطويل، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد.
– تحويل الموانئ إلى شركات
– تحويل مستشفى الملك فيصل إلى مؤسسة مستقلة غير هادفة للربح
– تخصيص خدمات البريد وقطاع مطاحن الدقيق
– تأسيس شركة الصحة القابضة لتتولى مهام بناء وتشغيل وإدارة المستشفيات وتقديم جميع الخدمات الصحية والخدمات المساندة.
– مبادرة تحسين منظومة النقل من خلال توقيع أول عقود مشروع خدمات النقل العام بالحافلات بين المدن في المملكة
– مبادرة تفعيل اللجان الاشرافية للتخصيص من خلال إقرار قواعد عمل اللجان الاشرافية للقطاعات المستهدفة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (٥٥) وتاريخ ٢٠/١/١٤٤٢ه والذي يهدف إلى تفعيل نموذج الحوكمة والنموذج التشغيلي.
– تم نشر سلسلة مشاريع التخصيص المكونة من 200 مشروع قبل فترة كافية من طرحها رسمياً للسوق لغرض إتاحة الفرصة للمستثمرين المحليين والدوليين للتعرف على مشاريع التخصيص بالمملكة وطبيعتها، مما يعزز من قدرات المستثمرين في الاستعداد المسبق والتحضير الجيد، ويضمن كفاءة الطرح للمشاريع ومخرجاتها.
في ضوء ماتم استعراضه من التسلسل التاريخي للشراكة والتخصيص في المملكة والواقع التطبيقي لها وأبرز المستجدات والنتائج لهذه البرامج، فإن تجربة المملكة في برامج التخصيص والشراكة تعد تجربة ليست جديدة فقد انتهجت المملكة هذا الأسلوب منذ السبعينات ومرت بتطورات كثيرة بدءًا من التعاقد مع القطاع الخاص في تقديم الخدمات العامة ثم خصخصة بعض الجهات إلى التوجه الحالي بخصخصة القطاعات السبعة عشر.
لذا من الصعب تقييم تجربة المملكة في هذا المجال والحكم على مدى نجاح او فشل هذه التجربة حيث مازالت المملكة في طور التنفيذ، ولكن يمكن القول بأن هنالك تجارب تعثرت في التنفيذ كمشروع مترو الرياض، حيث استغرق وقت اكثر من الوقت المخطط له، أو لم ترتقي جودة المخرجات إلى الجودة المطلوبة واتضح ذلك عند أول حدث لاختبار الجودة كحادثة سيول جدة. قد يعزى السبب في ذلك إلى أحد المعوقات والتحديات التي واجهت تحقيق خطط التخصيص لأهدافها من ذلك الآتي:
– ضعف قدرات وإمكانيات القطاع الخاص لتقديم الخدمات العامة، لذا يتم اللجوء لإنشاء الشركات الحكومية بغرض التغلب على القيود البيروقراطية في ظل استمرار تمويل معظمها من الميزانية العامة الأمر الذي يقف عائقًا أمام تبني الشركات الحكومية لمفهوم التخصيص بمعناه الشامل حيث أن أهم مستهدفاته ترشيد كفاءة الإنفاق.
– ضعف البنية التحتية من ناحية غياب المعلومات والبيانات حول خطة التخصيص ضمن إطار زمني محدد (الافتقار للشفافية) وهذا يعارض الفكر التكاملي في الأدوار بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
– عدد القطاعات المستهدفة يعد ضخم في حال تم تخصيصها جميعًا في فترة وجيزة، مما قد يؤثر على جودة الخدمات العامة المقدمة.
– وجود فجوة بين الواقع المأمول من التخصيص والواقع الفعلي؛ حيث ما زالت الدولة تقدم الخدمات العامة من قبل المؤسسات العامة أو الشركات التي تمتلكها الحكومة.
– ومن ثم الانتقال إلى ذكر الحلول المقترحة المناسبة لها:
– من المناسب أن يتم إنشاء هذه الشركات من قبل الحكومة ولكن يتم النص في قرار إنشائها أن ملكية الدولة يكون في المرحلة التأسيسية لها فقط ومن ثم يتم طرح أسهم هذه الشركة في سوق الاوراق المالية.
– لابد من تبني مفهوم الحوكمة في عمليات التخصيص وتحقيق الهدف منه وهو تحقيق التكامل في الادوار بين القطاع العام والقطاع الخاص في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بحيث يكون دور القطاع العام كمنظم وموجه، ودور القطاع الخاص كمنفذ ومقدم للخدمة.
– ضرورة دراسة جدوى مشاريع القطاعات المستهدفة بتأني من خلال فرق عمل تتمتع بمستوى عالي من الكفاءة والخبرة والمؤهلات اللازمة ؛ حيث أن مشاريع بهذا الحجم يتطلب التأني والتريث في الأسلوب الذي تمارس فيه عملها واختصاصها المخول لها.
– لا بد من الوقوف على كل تجربة بوضع معايير توضح مدى نجاح عملية التخصيص بحيث يكون أبرزها جودة الخدمة، السعر، ومقارنة الوضع الراهن بالوضع السابق للوصول إلى مكامن القوة والضعف للاستفادة منها في التجارب القادمة.
تناول هذا التقرير واقع التخصيص والشراكة وخلصت الدراسة إلى أن تبني هذ التوجه في تقديم الخدمات العامة أو إدارة المرافق العامة يساعد في تقديم أفضل الخدمات بمستوى جودة عالي ويخفف العبء على كاهل الأجهزة الحكومية ويزيد من مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، كما يحفز من التنوع الاقتصادي وتعزيز التنمية الاقتصادية وزيادة القدرة التنافسية لمواجهة التحديات والمنافسة الإقليمية والدولية. ونقترح أن يتم تدريب وتأهيل العاملين في التخصيص ونقل المعرفة، أن يتم تجزئة القطاعات المستهدفة بالتخصيص (17) السبعة عشر على مراحل حسب الأولوية كحد أدنى بحيث يتم تخصيص كل قطاع على حدة ومن ثم تقييم التجربة ومعرفة مواطن القوة للاستفادة منها في المرحلة التي تليها ومواطن الضعف ليتم تفاديها، وبعدها يتم الانتقال إلى القطاع المستهدف الذي يليه.
المراجع:
– الموقع الرسمي للمركز الوطني للمحفوظات والوثائق: ncar.gov.sa/Home/Index
– الموقع الرسمي لهيئة الخبراء: www.boe.gov.sa/ar/Pages/default.aspx
– الموقع الرسمي لرؤية المملكة 2030: //www.vision2030.gov.sa/ar/
– الموقع الرسمي للمركز الوطني للتخصيص: https://www.ncp.gov.sa/ar/Pages/Home.aspx
– الموقع الرسمي لوزارة الاقتصاد والتخطيط: mep.gov.sa
– نظام التخصيص الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/63) وتاريخ ٥/٨/١٤٤٢ه
– الشريف، د/ فيصل. العمر، ابتسام. (2022) الحاجة إلى مشاركة القطاع الخاص للقطاع العام في توفير المشاريع في المملكة العربية السعودية. المجلة العربية للإدارة
– سفيان، حلوفي. (2022) الشراكة بين القطاعين العام والخاص معر الإشارة إلى تجربة المملكة العربية السعودية، مجلة اقتصاد المال والأعمال
– وثيقة التخصيص (خطة التنفيذ 2020)
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال