الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خرج علم الاقتصاد على العالم في عصر التنوير في القرن الثامن عشر ميلادي، كفكر قائم على النفعية البحتة، وليقابله حراك فكري مضاد، خلاّق وقائم على الإحساس وعُرف بالشاعرية (الرومانسية)، وهنا ظهر أحد أعظم الاقتصاديين في القرن العشرين، “جوزيف شومبيتر”، ليقدم الاقتصاد بشكل فيه الكثير من الشاعرية، خاصة فيما يتعلق بشخصية رائد الأعمال، مما أوقع منظومة ريادة الأعمال اليوم في مأزق بسبب تأثرها بالاقتصاد ذو المذهب النفعي دون مضادة الشاعري المُهمل.
الحركة الشاعرية (الرومانسية) التي ولدت في ألمانيا كمناهضة للكلاسيكية التنويرية التي ولدت في نفس الفترة والتي بدأت من فرنسا، تنتقد ادعاء الفكر التنويري في أن العقل وحده يمكنه التفكير في العالم وتفسيره، لذلك يعتقد المذهب الاقتصادي الشاعري – حسب تقديم “شومبيتر” في كتابه ذائع الصيت “تاريخ التحليل الاقتصادي” – منافس لمفهوم التنوير في النظر للاقتصاد، لاعتبار الإحساس والفردية مصدرا الإبداع لرائد الأعمال ودور خياله البشري ودوافعه العفوية في مشروعه وليس فقط لجدوى الأرقام والخطط، فريادي الأعمال هو إنسان في المقام الأول، ولا بد من اعتبار الحدس مقابل التحليل.
لذلك، فإن اعتبار تواجد وتأثير الروح الإنسانية التي تتضاد مع العقل في مواقف عديدة مسألة مهمة، وإن كان لا يتماشى مع منطق النفعية، ولكن الأهمية هنا تكمن في أن رائد الأعمال سوف ينظر إلى الحياة التجارية والصناعية ومشاكلهما بروح غير برجوازية، وسيأخذ بوجهات نظر مختلفة تمامًا عن تلك “البنثامية” (الليبرالية النفعية حسب تعريف جيرمي بنثام)، نتيجة اشمئزازه من النزعة النفعية المطلقة التي تقدم متعة المكاسب غير المبررة على حساب مستقبل المجتمع.
مازالت منظومة ريادة الأعمال (في العموم وليس المطلق) تقف عائقا أمام رائد الأعمال إذا ما أخذ هذا التوجه، لأنها لا تؤمن إلا بالأرقام والنفعية “البرجماتية”، ولكن باعتبار المذهب الشاعري – بجانب المذهب النفعي – سيعطي الفرصة لاقتصاديين المنظومة النظر في أمور النمو والتنمية بصيغة نفعية وعقلانية وأيضا بشكل أكثر ثراءً للفرد، فالبعد “الرومانسي” له علاقة بالتطور الاقتصادي، بل ويساهم هذا البعد في إثراء التحليل الاقتصادي بسبب اعتبار سيكولوجية الدوافع البشرية أكثر مما يسمح به الاقتصاد النفعي الذي لا يعتبر أي دور للخيال والعاطفة، مما ينعكس على طريقة التفكير في ديناميكيات ريادة الأعمال الرأسمالية، بسبب اعتبار البعد الاجتماعي الكلي من خلال نقد العقلنة النفعية الجافة للرأسمالية، والتي تقوض الإمكانيات الإبداعية لأصحاب المشاريع، مع مراعاة البعد الاجتماعي الجزئي التي تقيم رائد الأعمال كعامل اقتصادي إبداعي ومتجاوزًا للصورة النمطية للإنسان الرأسمالي النفعي فقط.
تقويض الإمكانيات الإبداعية لرائد الأعمال المبتكر سيعطل دوره في النظام الرأسمالي والذي لابد أن يعكس مفهومًا رومانسيًا لازدهار الاقتصاد والمجتمع، وهنا لا بد من التشديد على أهمية أن يعطى حدس وخيال رائد الأعمال دورا في القرار الاقتصادي، فشخصية رائد الأعمال الحقيقي تتسم بالفروسية ونظرته بالجمال وفكره بالخيال، وعدم اعتبار العامل الشاعري (الرومانسي) في عملية دعمه (تعليمياً ومالياً وتشريعياً) سيفقد الاقتصاد فرصاً كثيرة، وليقع ريادي الأعمال ضحية لمنظومة ريادة أعمال مُحرِقة له ومِهراقة للموارد دون مخرجات نوعية على المدى البعيد، بسبب عيشها مأزق الأخذ بالمذهب الاقتصادي النفعي فقط وإهمال المذهب الشاعري، بما لا يناسب متطلبات تطور القطاع الخاص والمجتمع، وبما لا يساهم في بناء فكرنا ونموذجنا الاقتصادي النفعي والخلوق – في آن واحد – الخاص بنا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال