الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
“لكي تُحقق السلام الداخلي يجب عليك تغيير تفكيرك لتتغير حياتك وتنعم بالسلام ” هكذا عبّر الكاتب مايك جورج عن أهمية شعور السلام النفسي وتاثيره على جودة الحياة، فالشخص وداخله وأفكاره ومحيطه جميعها تُشكّل أحداث حياته .
تعتبر السلامة النفسية أحد العوامل الأساسية التي تؤثر على رفاهية وإنتاجية البشر لاسيما الموظفين. السلامة النفسية في العمل تشير إلى الحفاظ على صحة الموظفين العقلية والعاطفية والتي تؤدي إلى استقرارهم وتمكنهم من أداء العمل بالشكل المطلوب. حيث يتعلق الأمر بتوفير بيئة عمل صحية تساهم في دعم الموظفين وحمايتهم من التعرض للضغوط النفسية أو الانفصال عن المشاركة المهنية المطلوبة. وتشير الدراسة التي نشرتها مجلة Business & Psychology عام 2020 إلى أن وجود الأمان النفسي يرتبط بزيادة مستويات الرضا الوظيفي والولاء للمنظمة، ويساهم في تعزيز الابتكار والتفاعل الإيجابي بين أعضاء الفريق.
والناظر عن قرب على طبيعتنا كمجتمع عربي عموماً وخليجي بالأخص سيلاحظ وجود مشكلة الخوف من الفشل لدينا مما يجعل غالبية الناس تتفادى المبادرات وخوض التجارب الجريئة وطرح المقترحات لكي لا يقتربوا من الفشل، لذا تجد أكثر من لا يشعرون بالأمان الداخلي هم بالضرورة من أولئك الذين يخشون أن تتوجه لهم أصابع الاتهام وينسب لهم أسباب عدم النجاح في أمر ما، حتى وصل الحد إلى أن ترى أحدهم يخشى أن يُبدي رأيه في أمرٍ ما مخافة أن لا ينال استحسان الآخرين ويفشل في كسب رضاهم. السلامة النفسية في العمل تتطلب توازناً كبيراً بين الحماية والتحفيز، فإن تم توفير بيئة آمنة لحرية التعبير داخل المنظمة فقد تحقق ذلك التوازن. من هذا المنطلق، نجد أنه تقع على عاتق المدير المباشر للموظف مسؤولية تهيئة الأسباب للأمان النفسي.
من خلال سنوات مسيرتي المهنية عملت مع مدير كان مهووساً بتكبير المواضيع والمبالغة في ردود الأفعال والتهويل والإفراط في اللوم لكل حدث مهما صغر أو كبر، مما جعلني وكل فريق العمل نحتفظ بكل مقترحاتنا ومرئياتنا لتطوير العمل طوال فترة عملنا معه. ومن الناحية النقيضة، عملت مع مدير آخر كان أكثر نضجاً في تعاطيه مع الأفكار الجديدة حيث يتبنى مسؤولية أي خطأ يصدر عن فريق عمله ودائما ينظر للموضوع بنظرة شمولية واعية مما جعل جميع أفراد الفريق جريئين في الطرح والانتقاد وتقديم الاقتراحات والحلول.
أثناء بحثي وإعدادي لهذا المقال، وجدت طرحاً علمياً رائعاً لأحد الفلاسفة الذين تحدثوا عن الأمان النفسي بشكل مباشر وهو إيرفينغ يالوم، الذي كان يهتم بمجال علم النفس والتحليل النفسي. حيث قدم يالوم مفهوماً مهماً يُعرف باسم “أمان الذات”، والذي يشير إلى الثقة والأمان النفسي الذي يشعر به الفرد في علاقته مع الآخرين، فيقول: “يمكن أن يؤدي الأمان النفسي المفقود إلى الشعور بالعجز والتشاؤم، و تقييد قدرات الفرد وفرص التطور الشخصي بينما يؤدي الاستثمار في تعزيز الأمان النفسي في مجتمع العمل إلى زيادة الرضا والإنتاجية والابتكار، مما يعود بالفائدة على المنظمة بأكملها.”
إنَ إحدى السمات الرئيسية للأمان النفسي في مكان العمل هي الثقة. يشعر الموظف بالثقة عندما يعرف أنه قادر على التعبير عن آرائه دون تأثير سلبي، وأن لديه الدعم والمساندة من قبل الإدارة وزملائه. ولتعزيز الثقة، يجب أن تتبنى المنظمة سياسات وممارسات مفتوحة وشفافة تشجع على التواصل الصادق والمباشر. ينبغي أيضاً تشجيع الفريق على تقديم الملاحظات والاستماع إلى آراء الآخرين بعقلية أكثر تفتحاً ومرونةً وتفهماً.
يقول ستيفن كوفي: “الثقة والاحترام ركيزتان أساسيتان لبناء بيئة عمل تعزز الأمان النفسي.” ختاماً أقول: الأمان النفسي ليس مجرد ميزة تقدمها المنظمة للموظف كباقي المزايا بل هو متطلبٌ جوهري وأداةٌ أساسية لنجاح المنظمات وتحقيق أهدافها ودفع عجلة تنميتها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال