الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا يخفى على أحد النمط المتصاعد للمخاطر التي تواجه مجال الأعمال، سواءً عوامل خارجية أو داخلية. فبعد عامين فقط من انتهاء جائحة كورونا والاغلاقات التي حدثت خلال هذه الأزمة، تفاجأ العالم بأزمة سلاسل الإمداد، ثم تلتها الحرب الروسية الأوكرانية التي عصفت بأسواق الطاقة والتي كان تأثيرها واضحًا وجلي. إن الاقتصادات العالمية تواجه تحديات ليست بالسهلة إطلاقًا فهناك التضخم من ناحية الذي وصل أعلى مستوياته التاريخية، وهناك تباطؤ حاد في النمو من ناحية اخرى, وهذه جلها من العوامل الخارجية. عطفًا على ذلك، فإن التحديات والمخاطر الداخلية التي تواجه الشركات آخذة بالارتفاع، فالعجز في إيجاد المهارات والموارد البشرية وندرتها, الذي يرافقه زيادة في معدل التدوير الوظيفي والتنافس الشديد على المواهب والمهارات المتخصصة, أيضًا نقص في السيولة وارتفاع في الفائدة الإقراضية, ولا ننسى التهديدات السيبرانية غير المتناهية.
إن الحالة التي تعيشها الشركات هذه الأيام يمكن وصفها بحالة الأزمة، ولا مبالغة هنا بهذا الوصف مع كل هذه التعرضات من مصاعب ومخاطر. قد يتبادر سؤال هنا عن كيفية مواجهة هذه المخاطر وكيفية القدرة على التكيف معها، الإجابة تكون بتمكين الدور الفعال لمدراء المخاطر والمراجعين والمدققين الداخليين، ولا ننسى كذلك وجوب وجود حوكمة صحيحة يرافقها التزام بكل جديد من تشريعات وأنظمة لمجابهة هذه التحديات. إن هذه التعرضات للمخاطر هي الطريقة التي أجبرت العديد من الشركات على استيعاب وفهم أهمية وجود إدارة معنية بإدارة المخاطر في هيكلة الشركة الإدارية، وربطها بلجان لها اتصالها المباشر بمجلس الإدارة, وبتعبير ثانٍ كان علاجاً بالصدمة. من جانب آخر هذه التعرضات أجبرت أيضا بعض إدارات المخاطر الحالية على ادراك أنه حان الوقت لتحديث سجلات المخاطر لديهم (Risk Register) ليتوافق مع التغييرات السريعة في ماهية المخاطر التي تتعرض لها شركاتهم، فكان الحل التخلص من سجلات المخاطر وإعادة بناء سجل مخاطر جديد.
لا يمكن النظر إلى تصنيفات المخاطر كما جرت العادة، فمدراء المخاطر اليوم مطالبين بالتنبؤ بالأزمات ذات التأثير الكبير مثل أزمة كورونا ووضع خطة استجابة مناسبة لها. في السابق كان يمكن النظر إلى بعض الأحداث على أنها أحداث بجعة سوداء؛ أي أحداث مفاجئة ومن الصعب التنبؤ بها، وفي قاموس البعض مثل هذه الأحداث لا حرج عند حدوثها لصعوبة التنبؤ بها. لكن مع ما يحدث من ارتفاع في وتيرة التعرضات للمخاطر يجب النظر إليها أنها شبكة مترابطة من الأحداث المستمرة، وليست حدثاً مفاجئاً عابراً. لا ننكر أن حالة عدم اليقين والمخاطر موجودة ودائمة، لكنها أصبحت شبكة معقدة متصلة من المخاطر التي تهدد تحقيق المنظمات لأهدافها، وهذا يعطي دافع بلا شك لمدراء المخاطر للتفكير والتنبؤ على نحو أفضل من ذي قبل، فلتحسين المرونة ومواكبة التنبؤ بالمخاطر الناشئة يجب التنبؤ بالمخاطر التي قد تنشأ خلال السنة كاملة وما بعد ذلك، ووضع خطة استجابة لها حال وقوع الخطر. فبعد سلسلة الارتفاعات الصاروخية في أسعار الفائدة خلال عام 2022 هل الشركات مستعدة لارتفاعات أكبر خلال عام 2023؟ أيضا هل تستطيع الشركات أن تنجو مع زيادة الهجمات السيبرانية عليها؟ هل الشركات قادرة على فهم موظفيها ومساعدتهم في مواجهة الضغوط والتوترات التي يواجهونها وعدم تسربهم لشركات اخرى؟ وقائمة الأسئلة تطول.
لنصل لإجابة كافية وشافية أضع بين أيديكم في هذه المقالة مراجعة للتقارير العالمية المنشورة من جهات موثوقة للمخاطر التي واجهت العالم خلال الأعوام القليلة السابقة وإعطاء ملخص لها، ثم مقارنتها بالتنبؤات بالمخاطر التي من الممكن أن تحدث على المدى القصير والمتوسط.
لمحة تاريخية:
عندما ننظر إلى الوراء لبضع سنين سيكون الموضوع الساخن هو جائحة كورونا وما سببته من هلع عالمي وإغلاقات وخسائر اقتصادية على الجميع بلا استثناء. فعند آخذ نظرة شمولية فإن كورونا غيرت من الوجه الذي عهدناه للعالم قبل الجائحة، حيث تبدلت موازين القوى العالمية، وتغيرت معها نظرتنا للأمور الجيوسياسية التي يعتمد عليها الكثير من الأمور. فسقوط قوى وظهور اخرى يرافقه الكثير من المخاطر التي يجب التصدي لها باستجابة مناسبة، قد يحاجج الكثير هنا أن هذه المخاطر قد تكون على مستوى الدول ولا تنحدر لمستوى الأعمال، وبما يسمى المخاطر المنتظمة (Systemic Risk)، لكني أعود لما ذكرت سابقا حول أنه يجب علينا أن نرى الأمور كشبكة مترابطة من الأحداث، أو إن صح التعبير كعاصفة هوجاء تأتي على الجميع. أن جائحة كورونا والإغلاقات المرافقة لها أدت إلى سلسلة من المخاطر التي قادت إلى خسائر فادحة، مثل هذه برأيي لا يمكن اعتبارها خطر محض واحد ووضع استجابة أحادية لها، فهي كانت كالسيل الذي يجرف ما أمامه. على أي حال لن أتطرق في هذه اللمحة التاريخية عن عام 2020، وسأبدأ بعام 2021 ثم 2022.
رغم أن التعافي الاقتصادي من كورونا لبعض الدول كان سريعًا ومفاجئً، لكن بقيت بعض الأثار في سجلات المخاطر. فلو نظرنا إلى تقرير المخاطر العالمية الإصدار السادس عشر الذي نشر من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي في 2021 كان تأثير الجائحة واضحاً وجلي في مخاوفهم من تأثير ما بعد الأزمة على تقدم البشرية في ملفات عدة، منها ملفات محاربة الفقر ومعدلات البطالة والمساواة، لكن التقرير صنف التغيير المناخي والأضرار البيئية من فعل الإنسان من المخاطر الأكثر احتمال (likelihood) خلال العشر سنوات المقبلة، رافقها مخاطر من فشل في الأمن السيبراني. من جانب آخر كانت المخاطر الأكثر تأثير (impact) هي مخاطر الأمراض المعدية والمخاطر البيئية وازمات الديون.
التقرير يتعمق كثيرا، ويفصل في توقعات المخاطر حسب تأثيرها واحتمالية حدوثها خلال أطر زمنية مختلفة, سنتين وخمس وعشر سنوات، وهذا ما يجب عمله من مدراء المخاطر، لكننا نركز هنا فقط على عام 2021 لنستطيع المقارنة والمقاربة مع عام 2022 ثم 2023، وكذلك إتاحة المساحة لتقارير اخرى لمحاولة الوصول إلى حياد في الرأي.
على أية حال، فإن مختصر تقرير المخاطر العالمية الإصدار السادس عشر لعام 2021 رتب المخاطر من حيث احتمالية الحدوث (likelihood) كالتالي:
أما من حيث التأثير (impact) كان ترتيبها كالتالي:
ونرى هنا أن المخاطر أغلبها مخاطر بيئية (Environmental)؛ وهذا يعود إلى أن وجهة نظر التقرير أن أثار جائحة كورونا أدت إلى تفاقم التفتت الجيوسياسي والهشاشة الاقتصادية العالمية التي قادت إلى ضعف وتجاهل الملفات المناخية مما أدى إلى مخاوف من مخاطر بيئية، هذا الترابط في التأثير من العوامل المختلفة هو ما قصدت به سابقا أنه يجب أن نحلل ونستشرف المخاطر كشبكة من الأحداث تقود في الأخير إلى مخاطر متعددة. إن مثل هذه التقارير العالمية لها اعتبارها فقد رأينا في العام نفسه في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في غلاسكو 2021 الاتفاق على الاعتراف بحالة الطوارئ لملف المناخ ووجوب تسريع العمل فيه، ومحليًا فقد كانت الانطلاقة للمبادرة الضخمة التي قادتها المملكة العربية السعودية في أكتوبر 2021، وهي مبادرة السعودية الخضراء، التي تعني بحماية البيئة وتحويل الطاقة وبرامج الاستدامة في المملكة لتحقيق أهدافها الشاملة في تعويض وتقليل الانبعاثات الكربونية، وزيادة استخدام الطاقة النظيفة، ومكافحة تغير المناخ. وتلتها مبادرتان إقليمية أطلقتها السعودية في مؤتمر شرم الشيخ المنعقد في عام 2022، وهي النسخة الثانية من قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، والنسخة الثانية من منتدى مبادرة السعودية الخضراء.
على أي حال استمرت المخاطر المناخية في تقرير المخاطر العالمية الإصدار السابع عشر 2022 كأثر مخاطر تقلق العالم، لكن بعكس 2021 كان هناك مخاوف أخرى من مخاطر مثل عدم قدرة الأفراد على توفير احتياجاتهم اليومية، كذلك مخاطر اقتصادية بسبب ارتفاع الديون العالمية. فبعكس عام 2021 الذي كان فيه التعافي الاقتصادي سريعا بعد الجائحة وضعف ملفات المناخ، كان هناك انكماشا حادا في 2022 بسبب الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة.
من وجهة نظر أخرى فإن التقرير المنشور من قبل مبادرة إدارة المخاطر المؤسسية في جامعة ولاية نورث كارولاينا، بالشراكة مع المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين AICPA، إن المخاطر في 2022 وصلت إلى أعلى مستوياتها من حيث حجم التأثير والتعقيد منذ 13 سنة (اعتقد المقصد هنا منذ الأزمة المالية عام 2008). ذكر التقرير أن المخاطر الاقتصادية، والمخاطر الجيوسياسية، ومخاطر سلاسل الإمداد، ومخاطر استقالة كبار القياديين في الشركات، كذلك مخاطر التهديدات السيبرانية، هي الهاجس الذي يقلق مجال الأعمال والشركات. هذا كله يقود القادة كانوا حكوميين أو في الشركات إلى تغيير حقيقي في كيفية إدارة مخاطر منظماتهم لاستمرارية الأعمال.
ملاحظة جانبية: انصح مدراء المخاطر والتنفيذيين في الشركات والمهتمين بوجه عام إلى قراءة التقرير السنوي لمبادرة إدارة المخاطر المؤسسية في جامعة ولاية نورث كارولاينا، فالتقرير أكثر موضوعية بحكم التخصص والتركيز على مجال الأعمال. كذلك التقرير يقدم مراجعات وتحليلات لجوانب عدة منها مدى نضج إدارات المخاطر، وأبرز الطرق في تحديد وتقويم المخاطر وجوانب أخرى تهم مدراء المخاطر.
وبما أننا ذكرنا الموضوعية والشمولية فيجب كذلك ذكر التقرير المنشور من قبل الاتحاد الأوروبي لمعهد المراجعة الداخلية ECIIA الذي كانت نتائجه أن الأمن السيبراني وأمن المعلومات في طليعة المخاطر، تليها مخاطر رأس المال البشري وإدارة المواهب، ثم مخاطر عدم اليقين بشأن الاقتصاد الكلي والجيوسياسي، والمخاطر من التغييرات في القوانين واللوائح، والمخاطر الناشئة من الذكاء الاصطناعي. كان التغير المناخي له نصيب من المخاطر لكنه لم يكن من ضمن الخمس المخاطر الأولى، وهذا بعكس تقرير المخاطر العالمية.
نرى من اللمحة التاريخية لمخاطر 2021 و2022 أن المخاطر قد تتفاوت في احتمالية حدوثها وحجم تأثيرها بحسب المعطيات والأحداث، وكذلك المعلومات التاريخية المتوفرة. رأينا أن جميع المخاطر تتركز في جانب المخاطر البيئية والاجتماعية والتقنية خلال السنتين، وهذا طبيعي فالمدة الزمنية ليست بالطويلة، كذلك كان عامل عدم اليقين الذي صاحب الحرب الأوكرانية سببًا رئيسيًا بجعل التصنيفات السابقة هي الأهم من وجهة نظر التقارير المنشورة.
بصيرة المخاطر للأعوام القليلة القادمة:
إن المهمة أصبحت أصعب على مدراء المخاطر، حيث يجب عليهم إكمال مهمة إقناع الآخرين بأهمية إدارة المخاطر وفي الوقت نفسه تقديم تقارير ذات موثوقية ونظرة احترافية لما قد يواجه العالم من مخاطر في 2023 وما بعدها خاصة بعد التقلبات الشديدة في الأحداث من بداية 2020 إلى يومنا هذا، هذه التقلبات تجعل من الصعب وضع تنبؤات لماهية المخاطر الأهم التي يجب علينا وضع خطط استجابة لها، إما كانت الاستجابة بتفادي الخطر، أو قبوله، أو تخفيفه، أو نقله، أو مشاركته (هذه الخمسة هي طرق الاستجابة للمخاطر قد تختلف بعض المصادر في أنها ثلاث طرق فقط). لذا أعيد ما سبق أن ذكرته أنه يجب على مدراء المخاطر النظر للمخاطر كشبكة مترابطة هذا يؤثر على ذاك، فالنظر للمخاطر كحالة فردية أو كسلسلة متتالية أصبحت غير مجدية أبدا. وهنا دعوني أفرق بين مقصدي بالشبكة والسلسلة، في الشبكة قد يؤثر شيء في مجموعة واسعة في اتجاهات مختلفة، أما السلسلة فالتأثير يكون متتاليا في اتجاه واحد فقط.
على أي حال، أن هذه التحديات هي التي تصقل من مهارات مدراء المخاطر وتعزز من موثوقية آرائهم وتقاريرهم. في تقرير المخاطر العالمية الإصدار الثامن عشر 2023 قدموا عدة تصنيفات للمخاطر، منها كان من حيث المدة هل التأثير قصير المدى أو طويل المدى، ومنها من حيث شدة الخطر، ومنها من حيث اهتمام أصحاب المصلحة إما كانوا حكومات أو في مجال الأعمال، كذلك قدموا تصنيفا للمخاطر لكل دولة. وهنا كي لا أطيل الحديث سوف أذكر فقط ترتيب المخاطر من حيث شدة تأثير المخاطر في مجال الأعمال على المدى القصير، وكذلك ترتيب مخاطر المملكة العربية السعودية. فحسب التقرير إن أزمة تكلفة المعيشة هي أشد خطر تأثير حال حدوثه، تلاه مخاطر الكوارث الطبيعية والطقس القاسي، ثم مخاطر من التنافس الجيواقتصادي، ومخاطر من انتشار الجرائم الإلكترونية وانعدام الأمن السيبراني، أما المخاطر من الأضرار البيئية واسعة النطاق كانت في الترتيب الخامس.
على أي حال، نرى المخاوف من مخاطر حدوث أزمة بسبب ارتفاع التكلفة المعيشية في قمة التصنيف من حيث الشدة، لو نظرنا لهذا الخطر من وجهة نظر أحادية فإن تأثيره سيكون على الفرد فقط، ولا يتعدى عتبة باب بيته، ولو نظرنا إليه على وجه تأثير سلسلة فإن النظرة ستكون صوب اتجاه واحد، ولن تجعل تأثير الخطر من ضمن أكثر 10 مخاطر تأثير، لكن بأخذ الاعتبار أن تأثير الخطر كشبكة تمتد لجوانب عدة تقودنا إلى تصنيفه على نحو صحيح. فعند النظر إلى مسبب ارتفاع تكلفة المعيشة ثم ما قد يسببه من آثار يعطي تحليل دقيق، فالأسباب الاقتصادية مثل التضخم مع الأسباب السياسة مثل الحروب والأسباب البيئية مثل حرائق الغابات والأسباب التكنولوجية مثل الأمن السيبراني كلها تقود إلى ارتفاع في تكلفة المعيشة للأفراد، وهذه التكلفة قد تحدث آثار في الجوانب نفسها السابقة؛ كحدوث انهيار اقتصادي أو زحف من المدن الرئيسة إلى الأرياف، ارتفاع في معدل الجرائم، وغيرها من التأثيرات، فتصنيف المخاطر يتغير بطريقة نظرتنا لتأثيرها.
كانت كذلك المخاوف من مخاطر حدوث أزمة بسبب ارتفاع التكلفة المعيشية هو أكثر خطر يقلق التنفيذيين في السعودية حسب استطلاع الرأي، يتلوه مخاطر من الصراع بين الدول، ثم مخاطر من تضخم سريع ومستدام، ثم مخاطر من ارتفاع في أسعار السلع الأساسية، ثم مخاطر انهيار البنية التحتية الحيوية، وثم مخاطر فشل تدابير الأمن السيبراني. يجب التنبيه أن حين وضع تنبؤ بمخاطر لا يعني واقعية حدوثها، أي بمعنى أن التنبؤات تكون من أجل وضع خطط استجابة مناسبة لها، وهذا ما لوحظ من اهتمام لا متناه من قيادتنا الرشيدة في جوانب عدة منها الأمن الغذائي واستدامته، كذلك إطلاق البرنامج الوطني للتوعية بالأمن السيبراني “آمن” التابع للهيئة الوطنية للأمن السيبراني.
على أي حال فإن مدراء المخاطر يجب ألا يعتمدوا على تقرير معين بحد ذاته في عملية تحديد المخاطر، فعند أخذ تقرير آخر مثل تقرير European Institutes of Internal Auditors فإن ترتيب المخاطر حسب استطلاع رأي من خبراء حول العالم أن مخاطر الأمن السيبراني هي أكثر المخاطر تأثيرا، ولها احتمالية حدوث عالية في 2023، تلاها مخاطر رأس المال البشري وصعوبات المحافظة على الخبرات المتميزة، ثم عدم اليقين بالمخاطر الجيوسياسية والاقتصاد الكلي، التالي المخاطر العشر الباقية:
1- الأمن السيبراني وأمن البيانات.
2- رأس المال البشري والتنوع وإدارة المواهب.
3- عدم اليقين بشأن الاقتصاد الكلي والجيوسياسي.
4- تغيرات وتعديلات في القوانين والأنظمة.
5- الاضطراب الرقمي والتقنية الجديدة والذكاء الاصطناعي.
6- تغير المناخ والاستدامة البيئية.
7- استمرارية الأعمال وإدارة الأزمات والاستجابة للكوارث.
8- سلسلة التوريد والاستعانة بمصادر خارجية، ومخاطر الطرف الثالث.
9- المخاطر المالية والسيولة والإفلاس.
10- الحوكمة التنظيمية وتقارير الشركات.
لو أخذنا نظرة أعمق للمخاطر أعلاه فإن التغير المناخي موجود في القائمة، لكنه لم يكن بالطليعة مثل التقارير للسنوات السابقة. فكما رأينا خلال 2022 المنافسة الشديدة والشرسة على الكفاءات والتدوير الوظيفي العالي، يجعل المسؤولين يضعون نصب عينهم في سجل المخاطر أو التنبؤات بمخاطر 2023 استجابة مناسبة لمثل هذه المخاطر. الجميل في هذا التقرير أنه أيضا يضع تنبؤ للمخاطر بعيدة المدى، حيث قدم تنبؤ بالمخاطر إلى سنة 2026. بنظرة لتقييمهم للمخاطر بعيدة المدى نرى نزولا في تصنيف بعض المخاطر مثل مخاطر سلاسل الإمداد، وأعتقد أن هذا الأمر يعود إلى أن مثل هذه المخاطر تكون ناشئة بسبب تأثيرات مثل الحروب أو حوادث في خطوط الشحن البحرية، مثل ما حصل في تعطل لقناة السويس وليست دائمة.
من جانب آخر فإن تقرير مبادرة إدارة المخاطر المؤسسية في جامعة ولاية نورث كارولاينا أيضا شمل جانبان، جانبا ذا نظرة قريبة المدى لمخاطر 2023، وجانب ذي نظرة بعيدة إلى 2032. برأيهم أن مخاطر عدم تحقيق الأهداف التشغيلية بسبب عدم القدرة على استقطاب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، وهذا يعطينا تصورا على ما أصبح عليه الحال من تنافس شديد، وندرة في الكفاءات في بعض الجوانب، يجادل الكثير أن مثل الذكاء الاصطناعي قد يمحي كثيرا من الوظائف، ولكن هذا لا يعني عدم حاجة الجهات والشركات إلى الكفاءات البشرية في أداء المهام اليومية التشغيلية. على أي حال يرى التقرير أن سنة 2023 قد تكون صعبة جدا في عملية النمو لدى الشركات، بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تعصف بالعالم، كذلك الزيادة في التكاليف العمالية التي من الممكن أن تؤثر في تحقيق الأهداف الربحية. هذا الإصدار من التقرير طرح جوانب من إدارة المخاطر بموضوعية جميلة، حيث يرى العديد من الخبراء في مجال الأعمال أن ثقافة إدارة المخاطر مهمة جدا وبدونها قد لا تستطيع المنظمات تحديد على نحو كاف مشكلات المخاطر وتصعيدها في الوقت المناسب، وهذا يقود إلى عدم المرونة لإدارة أزمة غير متوقعة مثل ما حدث في أزمة كورونا.
وفقا للمشاركين في الاستطلاع في التقرير نفسه فإن المخاوف من المخاطر بعيدة المدى كانت تتعلق أيضا بكيفية إدارة الكفاءات على نحو مناسب، حيث يرى الكثير منهم أن بحلول عام 2032 سيكون هناك تقنيات وابتكارات جديدة. هذا يجعل لديهم عدم يقين بما يخبئ لهم المستقبل. لكن لنأخذ الأمر من جانب آخر، جانب إيجابي، فبرأيي هي فرصة أن يكون لدى الشخص مرونة واطلاع دائم ومحدث على كل ما هو جديد من تقنيات تساعد وتسهم في تسهيل الأعمال والمهام، يجب ألا نرى التقنيات الجديدة كعثرة علينا أو أنها وجدت لكي تقضي على الوظائف الحالية، وإنما هي ابتكارات لتسهيل وتسريع إنجازنا للمهام، وطوبى لمن ظفر بسرعة تعلم أي تقنية جديدة، وقرنها بمهامه العملية واليومية في حياته. هنا أنا لم أحد عن موضوع المخاطر المتوقعة على المدى البعيد، ولكن فعلا كانت جميعها برأي المشاركين تتمحور حول تأثيرات الابتكارات التكنولوجية الجديدة.
إن التفاوت في نظرة كل تقرير لماهيته المخاطر المحتمل حدوثها لا يعني بالضرورة أن تنبائتهم خاطئة، لكن لو أمعنا النظر، وربطنا التنبؤات بعضها البعض كشبكة مترابطة سنجد أنهم جميعا يحومون حول نفس المخاوف. على مدراء المخاطر دائما الاطلاع على تقارير موثوقة مختلفة لربط الأمور ببعضها ومحاولة فهم أكثر المخاطر التي تقلق العالم، ولها تأثير في المنظمة التي يعمل بها. قد يكون التغير المناخي أو الحرب في دولة بعيدة ذات تأثير غير مباشر على كثير من الشركات، لكن كما ذكرت في مقدمة المقالة أن نظرتنا للمخاطر كتأثير آحادي غير مجدية، ويجب عند عملية تحديد المخاطر ربط الأمور بعضها البعض ووضع استجابة مناسبة.
المراجع:
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال