الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن أعظم معضلة يمكن للإنسان أن يعيشها هي تحدي القوانين والنزعات الطبيعية؛ لأن مقاومتها ونكرانها لا يغير من تلك القوى ولا يجعل المقاوم لها متغلبا عليها، لكن العكس هو الصحيح حيث تصيبه تأثيراتها، ويظل هو يبحث عن تفاسير تتناسب مع مقدار معرفته.
وربما يعزو تلك الآثار السلبية عليه إلى الحكمة الإلهية، أو القدر المحتوم له في الحياة، ومن الظواهر التي يقاومها الكثير من المتداولين في سوق الأسهم الأمريكية هو ميل الأكثرية إلى تبني منهج المحافظ النشطة أكثر من الاستثمار في صناديق المؤشرات أو المحافظ الساكنة، رغم تحقيقها أداء أقل و جهد أعلى، حيث أن متوسط أداء المحافظ النشطة لمتوسط المتداولين هو 2.9% بينما متوسط أداء مؤشر S&P 500 لنفس الفترة المقاسة من 2001-2020 هو 7.5% حسب أحد تقارير J. P.Morgan. إن هذه النسبة من جهة أخرى تعتبر نتيجة لنزعات السلوكية الغالبة للمتداولين والتي تعكس الأخطاء النظامية في العقل اللاواعي والأخطاء المنطقية في العقل الواعي.
تعالوا معي في هذه الرحلة القصير، لنرى ماذا تقول الأرقام والإحصائيات والسلوك الذي ننتهجه نحن كزبائن لهذا السوق، وما هي توصيات من بنوا ثروات حقيقية ومعلنة للجميع، وليست بطولات مغردين!.
إذا علمت أن 66.6% يخرجون من السوق بنهاية السنة الخامسة حسب ما ذكره دانيال كانمان (حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد) في كتابه التفكير السريع والبطيء، وأن 66.6% من الاستحواذات والاندماجات التي نطرب لها غالبا تفشل بنهاية السنة العاشرة، حسب ما ذكره اسوث دمدران (أثرى المكتبة بكتبه ومقالاته ودروسه في التقييم).
وأن 95% من مرتادي سوق الأسهم هم من المغامرين، وهؤلاء إما أنهم حققوا خسائر أو أداء غير جيد في المجمل حسب ما ذكره ليلو في إحدى دوراته في Colombia Business School مع أستاذه Bruce Greenwald وليلو هو أحد الذين استثمر عنده شارلي منقر.
علما بأن 80-85% من المحافظ النشطة حققت أداء أقل من المؤشر لفترة مقاسة مقدارها 15 سنة و 99% منها حققت أداء أقل من المؤشر أيضا لفترة 30 سنة حسب ما ذكره جي ال كولنز صاحب كتاب The Simple Path to Wealth وأنه من سنة 2013 حتى الآن حقق مؤشر الـ S&P 500 نموا مقداره 10% على أساس سنوي، وأن 214 شركة حققت نمو أفضل من المؤشر وتمثل نسبة 42.8% ، و 46 شركة نموها أعلى من 20% سنويا وتمثل 9.2% ، و 10 شركات نموها أكثر من 30% وتمثل 1.2% ، وحققت شركتان أكثر من 40% وتمثل أقل من نصف في المائة ، وشركة واحدة حققت أكثر من 50% وتمثل أقل من ربع في المائة.
ماذا تعني كل تلك الإحصائيات والأرقام؟
1- تعني أن 99% من مرتادي السوق يدخلون في صراع عبثي مجهد للمال والوقت والأسرة والنفس عند محاولتهم تحقيق أداء جيد أو أفضل من أداء المؤشر.
2- لابد للمتداول لكي يحقق أداء أفضل أن تكون لديه مهارة اختيار الصناعات والشركات الجيدة.
3- القدرة على مقارنة أداء الشركات المختارة بنظيراتها من الشركات وبالمؤشر العام من حيث الربحية والعوائد وعوائد السندات.
ومن الطبيعي أن ذلك الجهد والتركيز يصعب على الكثير من متعاملي السوق لثلاثة أسباب، وهي:
1- عدم وجود الوقت الكافي للبحث والتقصي.
2- غياب النضج المنطقي والسلوكي الذي يتطلبه السوق.
3- نقص كفاءة الحدس المطور.
والسؤال هنا : ما هو الحل أو كيف يمكن للشخص العادي أن يستثمر بأمان أكبر؟
في إحدى لقاءات وارن بفت -وهو تقريبا أعظم مستثمر في التاريخ- عندما طلب منه لاعب كرة السلة لبرون جيمس Lebron James أن ينصحه في الاستثمار، نصحه بالاستثمار في صندوق المؤشرات، والشراء مبكرا وتدريجيا، ولايعلم وارن بافيت أن أحدا استخدم هذه الطريقة ولم يحصل على نتائج جيدة.
لكن لماذا يوصي وارن بفت بالاستثمار في صندوق المؤشرات؟
لحسن الحظ فإنه يوجد قاعدة بيانات لمؤشرات السوق الرئيسية من سنة 1802 إلى 2002 يعني مائتي سنة! للبيانات المقاسة خلصت بالآتي:
1-أداء السوق الأمريكي للأسهم 6.6%
2-أداء السندات 3.6%
3-أداء الذهب 0.7%
كلها على أساس سنوي وهذا يعني لو أن شخص وضع 1000 ريال، واستثمرها في مؤشر سوق الأسهم للفترة المقاسة و مقدارها مائتي عام ستعطيه 356 مليون، ولو استثمر 10000 ريال ستعطيه 3.5 مليار.
وإليكم الرسم البياني الموضح لحركة المؤشرات الثلاثة:
قدم Jack Bagle خدمة جليلة لرواد السوق على حد تعبير وارن بفت حين أسس بناء المؤشرات، وهو المؤسس لشركة Vanguard وهي إحدى الشركات التي تقع عليها الأنظار عند البحث عن فرص الشراء في مؤشر ما، و يوجد في السوق شركات أخرى مثل بلاك روك وانفسكو.
يوصي Bagle و Jl Collins بالاستثمار في كامل السوق ويمكن محاكاة ذلك من خلال صندوق ال VTI – Vanguard Total Stock Market Index أو غيرها من الصناديق التي تحاكي نفس المؤشر المذكور آنفا.
ويوصي وارن بفت بالاستثمار في S&P 500 وهناك صناديق مختلفة تحاكيها مثل VOO وتختلف مؤشرات الشركات فيما بينها في بعض الأمور، مثل: رسوم الخدمة ونسبة خطأ متابعة المؤشر وتركيبته وقوة حوكمة الشركة وسمعتها .
إن فكرة شراء صناديق المؤشرات لصناعة محددة ودقيقة فإن Bagle لا يوصي بها لأنها حينئذٍ قد تكون مثل أسهم وقطاعات الهبة، مما يزيد قوة تقلباتها ومفاجأتها وسرعة تضخم الأسعار فيها، وبما أن قيمة الشركة السوقية تؤثر في المؤشر فهذا يعني: أنه كلما زادت القيمة السوقية زاد تأثيرها في المؤشر، وكلما أصبحت ذات أسعار متضخمة كلما أثرت على المؤشر، بأن يصبح ذا قيمة متضخمة كذلك.
فمجموعة شركات قد تدخل مؤشر القطاع في نفق مظلم مثل هبة الاستثمار في قطاع الشركات التي تعالج السرطان.
إن شراء الموشر الكلي يعكس نشاط الدولة ونموها الاقتصادي، فمؤشر الـ S&P 500 يستمد أداؤه الصحي من أرباح السوق وعوائده، وهما في المجمل بين ال 7-9 % بنمو مركب سنوي، أما حركة الضوضاء من طلوع أو نزول مبالغ فيهما كحراج السوق فإنه أشبه بزبد البحر الذي يظهر ويتلاشى .
في المقابل توجد وجهة نظر أخرى حيث تجد إن الاستثمار النشط هو الآمن لأن الاستثمار في المؤشرات يعزز من الجهل بمحتوى المؤشر وما إذا كانت الشركات تجاوزت الحد من التضخم، أو من سوء تخصيص الأموال والموارد وبهذا يتحول المؤشر إلى قنبلة موقوتة، قد تنفجر في أي لحظة، وهذا الرأي يتبناه Joel Tillinghast صاحب التاريخ الحافل في الأداء،والذي كان يعمل لدى Fidelity كمحلل في بداياته ثم كمدير صندوق للاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وفي أحيانٍ أخرى قد يكون أداء المؤشر الجيد مدفوعا بأكبر الأسهم، وهنا قد يكون أكبر 20 سهم يمثلون الثقل الأكبر كقيمة سوقية قد تصل إلى 30% تقريبا من قيمة مؤشر السوق مثل الـ S&P 500 وهم من يحركون المؤشر للأعلى، وهذا ما نجده حاليا في مؤشر السوق حتى كتابة هذه الأسطر، أما باقي الشركات فأداؤها سيء وهذا بالطبع حالة غير صحية للسوق، إذ إن المؤشر يعكس اقتصاد الدولة ومتانتها، وقد يحدث العكس أيضا بمعنى أن أكبر 20 شركة أداؤها سيء فينحدر المؤشر للأسفل . لكن معظم الشركات الموجودة في المؤشر أداؤها جيد، وللمفارقة الواضحة كمثال فإن مؤشر VOO وهو الممثل ل S&P 500 ادائه لحظة كتابة هذه الاسطر هو 12.2% بينما مؤشر RSP ل S&P 500 ايضا لكن نسب التوزيع فيه تقريبا متساوي فإن أدائه 4.2% فقط وهذا يدلل ان السوق مدفوعا حاليا للاعلى بسبب تأثير الأسهم ذات القيمة العالية, وبناءا عليه ليس في كل الأحوال الالتصاق بالمؤشر فكرة فعالة ومربحة كما يقول الاقتصادي محمد العريان )المدير التنفيذي السابق لشركة PIMCO ).
يرى Joel Greenblatt المحاضر في كولومبيا بزنس سكول والشريك المؤسس ل Gotham Asset Management ان من مخاطر شراء المؤشر ذات القيمة السوقية في التوزيع, انه في حال تضخم المؤشر فأنت تحتفظ بالاسهم الغالية التي ينبغي التخلص منها والتي تمثل الوزن الاكبر في المؤشر وعند انخفاض السوق فأنت ترغب بزيادة وزن الاسهم لديك لكن نجد ان وزن الاسهم في المؤشر ينخفض وهذه معضلة ومأزق خصوصا عند مدرسة القيمة ذات الاتجاه اليميني الراديكالي.
إن فكرة المؤشر تعزز من تركز القوى في إدارة الشركات من قبل الشركات المصدرة للمؤشرات، و قد يصل الأمر أنه ينبغي الالتفات إلى أن تسعير الفرصة البديلة تحدد من قبل تلك الشركات المصدرة؛ لأنهم يمثلون الطرف الآخر والأقوى الذي سيتعامل معه المستثمر النشط على حد تعبير اسوث دمدران، وإذا تأملنا سنجد إن كفاءة السوق ستقل بزيادة سيطرة الشركات المصدرة.
وخلاصة الجذب والشد, إن المستثمر العادي سيستفيد أفضل بتبني الشراء في المؤشر العام كما ذكر ذلك وارن بفت ،على الرغم من أنها ليست الصحيحة المحضة لكنها الأفضل عند مقارنتها بخيار المحفظة النشطة، لأن المتداول قرر أن يتوسط أرباحه ومخاطره، ويضمن بالحد الأدنى أن ينمو بنمو الاقتصاد، وأن يطيل أمد بقائه في السوق بمقدار بقاء السوق نفسه، وذلك مقارنة بمنهجية المحفظة النشطة خصوصا المركزة، إذ إن تبني مبدأ المحافظ النشطة ليست صالحة لقدرات معظم المتداولين.ويمكن ايضا عمل مزيج من المحفظة النشطة والساكنة لمن قدراتهم أعلى من المتوسط وهذا يحتاج الى اثبات, حيث يكون من 30-50% من المحفظة بنظام صفر بيتا والوزن المتبقي يكون نشط بهدف تحسين جودة المحفظة.
وأخيرا فإن السوق لا يعير اهتمام لجهدنا ومالنا، لكن لحسن تعاملنا معه، وأن نموذج العمل المربح للمحفظة نابع من تبني فلسفة إدارة تتناسب مع قدرات الشخص وإمكاناته!.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال