الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ارتَبَطَ مفهوم شركة المُساهَمَة بالتعقِيدِ الإداري وضَخَامَةِ مسؤوليةِ مجلس الإدارة بالنظر إلى حجم رأس مال الشركة، وقُدرَتِهَا على سَحبِ التمويل من الاكتتابات المُوَجَّهَةِ إلى الجمهور مباشرةً، في الوقت الذي لا يَكُونُ فيه المُسَاهِمُ -مَهمَا بَلَغَتْ نسبة مُلكِيَّتِهِ في رأس المال- مسؤولاً عن ديون الشركة إلاَّ في حدود قيمةِ مُسَاهَمَتِهِ.
وكان نتيجةً لمُميِّزَاتِ شركة المُساهَمَة وقَابِلِيَّتِهَا الوَاسِعَةِ للنمو، أنْ اتَّخَذَتْ معظم الشركات العالمية العابِرَةِ للقارَّات شَكَلَ شركات المُساهَمَة في بلدان مَوطِنِ تأسِيسِهَا، ثم افتَتَحَتْ فُرُوعَاً لها أو أنشأت شركاتٍ تَابِعَةٍ لها أو منحت تراخيص للصناعة واستخدام علامتها التجارية حول العالم بعد تَوَسُّعِ نَشَاطِهَا بِفِعلِ نُمُوِّ رأس مالِهَا.
فإذاً، شركات المُساهَمَة هي الصورة النموذجية لأيِّ مشروعٍ يَسعَى إلى بلوغِ قِمَّةِ المَجدِ في النموِّ الاقتصادي والانتشار الاستثماريِّ غير المحدود.
وبالنظر إلى هذه الصورة الريادية التي تَتَمَتَّعُ بها شركة المُساهَمَة، فإنَّ إدارَتَهَا تُعتَبَرُ مَهَمَّةً تَخَصُّصِيةً مُعَقَّدَةً تَحتَاجُ إلى خبرةٍ ماليةٍ ومَعرِفَةٍ واسِعَةٍ في مجال لوجستيات الأعمال.
على العكس، تكونُ عملية إدارة الشركات البسيطة -مثل التضامن والتوصية- أكثر سهولةً وبساطةً وتكون الرقابةُ عليها أقلَّ مستوىً؛ والسبب هو أنَّ الشركاء في هذا النوع من الشركات يكونونَ مَسؤُولِينَ عن ديون الشركة في ذِمَمِهِم الشخصية وليس فقط في حدود حِصَّةِ المُشَارَكَة؛ وذلك حِرصَاً على أموال الدائِنِينَ من عمليات الاحتيال التي قد يَرتَكِبُهَا الشركاء في الشركات البسيطة استغلالاً لشخصية الشركة وذِمَّتِهَا المُستَقِلَّةِ عنهم، بالنظر إلى ضَعفِ الترتيبات الإدارية والضمانات الرقابية عليها.
هذا إلى جانب أنَّ مُعظَمَ الشركات البسيطة هي صغيرةٌ من حيث حجم رأس المال؛ الأمر الذي يَجعَلُ نسبة مُشَارَكَةِ كلِّ شريكٍ تُسَاوِي حصَّةً مُحدَّدةً، تَسمَحُ له بالمشاركة بإدارة الشركة أو اختيار مديرٍ لها، وتكون الأمور وَاضِحَةً وتحت السيطرة في ظلِّ صِغَرِ حَجمِ الشركة وضِيقِ نَشَاطِهَا في السوق.
بناءً عليه، تُوجَدُ موازنةٌ نظاميةٌ بين تسهيل قواعد إدارة الشركة والرقابة عليها في الشركات البسيطة، وبين المسؤولية غير المحدودة للشركاء تِجَاهَ دائنِيْ الشركة؛ وبالمقابل تُوجَدُ موازنةٌ نظاميةٌ بين صعوبة إدارة الشركة وصرامة الرقابة عليها في شركة المُساهَمَة، وبين المسؤولية المحدودة للشركاء تِجَاهَ دائنين الشركة.
إلاَّ أنَّ نظام الشركات الجديد -الذي دَخَلَ حَيِّزَ النفاذ بتاريخ 19 يناير 2023- قد سَمَحَ بتأسيس صورةٍ جديدةٍ مبتكرةٍ تَجمَعُ بين المُمَيِّزاتِ المالية لشركة المُساهَمَة وبين سهولة إدارة الشركات البسيطة؛ هذه الصورة كانت “شركة المُساهَمَة المُبَسَّطَة”.
وقد جاءت أهم المبادئ التنظيمية لشركة المُساهَمَة المُبَسَّطَة في نظام الشركات، كما يلي:
أولاً: الحرية الإدارية الكاملة: فالمساهمين في هذه الشركة لهم كاملَ الحقِّ بتحديد شكل إدارة شَرِكَتِهِم (مادة 138-2 شركات) حتى وإن خَالَفَ الهيكل الإداري للشركة جميع القواعد الإدارية الملزمة لشركة المُساهَمَة التقليدية؛ فالمساهمون هم من يُقرِّرُونَ السلطات الإدارية وكيفيَّةِ تَوزِيعِهَا وطريقة استِخدَامِهَا وحُدُودِهَا.
وفي هذا تحفيزٌ استثماريٌّ كبيرٌ، فقد أصبَحَ بإمكان أصحاب رؤوس الأموال تحديد مسؤولية كلٍّ منهم في إطار قيمة مُسَاهَمَتِهِ بالشركة من جهةٍ، وتحديد هيكلٍ إداريٍّ مَرِنٍ يَعتَمِدُ على إدارةٍ بسيطةٍ لرأس مال كبيرٍ من جهةٍ أخرى.
ثانياً: السلطة الإدارية العليا للمساهمين: يَمتَلِك المساهمون السلطة الإدارية بالشركة تماماً كما تَمتَلِك الجمعية العامة للمساهمين السلطة العليا في شركة المُساهَمَة التقليدية، لكن في شركة المُساهَمَة المُبَسَّطَة لا توجد قواعدٌ مُحدَّدةٌ لعمل الجمعية العامة، فيتمُّ تحديد أسلوب عَمَلِهَا في نظام الشركة الأساس.
أكثر من ذلك، فقد مَنَحَ نظام الشركات للمساهمين حرية تحديدِ مَنْ لَهُ حقَّ ممارسة اختصاصات الجمعية العامة العادية وغير العادية في الشركة (مادة 138-3 شركات)؛ وهذه القاعدة قد تَجعَلُ مَصِيرَ الشركة في قَبضَةِ المساهم الذي يَمتَلِكُ صلاحيات الجمعية العامة.
ثالثاً: الهيكل الإداري المرن: الطابع الأساسي الذي يُتَوَقَّعُ أن يُمَيِّزَ جميع شركات المُساهَمَة المُبَسَّطَة هو عدم وجود مجلس إدارةٍ أو إدارةٍ تنفيذيةٍ لها استثناءً من القوالب الإدارية التقليدية التي تُقيِّدُ نشاط شركة المُساهَمَة التقليدية؛ فالرئيس التنفيذي مُضْطَرٌّ للحصول على موافقة مجلس الإدارة أو التفويض بالصلاحيات، ثم رَفعِْ تقاريرٍ دوريةٍ عن عَمَلِهِ، أمَّا في شركة المُساهَمَة المُبَسَّطَة فيمكن إدارة الشركة عبر مديرٍ أو مُديرِينَ كما في الشركات المهنية البسيطة.
حيث سَاوَى نظام الشركات بين رئيس الشركة أو مُدِيرِهَا أو مجلس إدَارَتِهَا، فالجميع بِنَظَرِ النظام سواءٌ، يَمتَلِكُونَ صلاحيات مجلس الإدارة في شركة المُساهَمَة التقليدية (مادة 138-4 شركات)، فالمهمُّ هو لِمَا يُقَرِّرُهُ نظام الشركة الأساس.
بالنتيجة، يمكن القول بأنَّ نظام الشركات قد فَتَحَ الباب واسعاً لرؤوس الأموال العائلية والمقيدة بمخاوف من صعوبة إدارة شركات المُساهَمَة، أتاح النظام تحوُّل جميع أنواع الشركات مزيلاً أية مَخَاوِفٍ إداريةٍ من صعوبة هيكل شركة المُساهَمَة.
فهل يمكن التوفيق بين هذه الخطوة المُبتَكَرَةِ من تبسيط أكثر أنواع الشركات تَعقِيدَاً وأضخَمِهَا رأسمالاً، وبين قواعد حوكمة الشركات وانضِبَاطِهَا ورقَابَتِهَا على هذا الشكل البسيط من شركة ذات هيكل إداري معقد بالأساس؟
هذا ما سنراه في الجزء الثاني من هذا المقال بإذن الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال