الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل شح السيولة المالية للسوق السعودي خلال ديسمبر الماضي عانت كثير من قطاعات السوق من ضعف ضخ الاستثمارات وشهد بعضها انخفاضاً شديداً نتيجة النقص الحاد في قيمة التداول، بل وصل الأمر أن ألغت بعض الشركات خطط إدراجها في السوق وذلك بسبب حالة عدم اليقين المسيطرة على المشهد حينها، في تلك الأثناء تفاجئ المراقبون للسوق بإغلاق صندوق استثماري في أحد منصات التمويل الجماعي بحجم ١٠٠ مليون ريال في ٩ دقائق فقط مخالفاً التوجه العام لاداء السوق!
مما لا شك فيه أن ظهور مثل هذه السيولة في تلك الظروف أثار التساؤلات حول صغار المستثمرين الذين باتوا قادرين على صناعة توجهات جديدة السوق، لم يطل الأمر كثيراً حتى تم إغلاق طرح صندوق آخر في العشر الأواخر من شهر رمضان بحجم ٣٦٠ مليون من خلال صغار المستثمرين أيضاً في منصة التمويل الجماعي ذاتها وذلك في دقائق معدودة كذلك مما يجدر تسليط الضوء على السمات الرئيسية لتلك الفئة التي هُمشت لفترات طويلة من قبل مدراء الصناديق خاصةً الصناديق المطروحة طرحاً خاصاً.
لا شك أن مدراء الصناديق يفضلون التعامل مع العملاء المؤهلين (كبار المستثمرين) في صناديق الطرح الخاصة وذلك لضخامة حجم استثماراتهم التي لا تقل غالباً عن مليون ريال في حين أن الحد الأدنى المتبع غالباً في منصات الاستثمار الجماعي لصغار المستثمرين تبدأ من ١٠٠٠ ريال، مما خلق فجوةً كبيرة بين الفئتين، بالإضافة إلى الصورة النمطية السائدة حول سلوك صغار المستثمرين والتي تصفها بأنها فئة مترددة، متشككة، سريعة اتخاذ القرار، سريعة تغيير القرار.
في الحقيقة لا يمكن إيقاع اللوم على صغار المستثمرين فقد تكون استثماراتهم صغيرة الحجم هي حصيلة ادخار سنوات من العمل والجهد و هذا ما يشكل أهمية تلك المبالغ بالنسبة لهم، تجدر هنا الإشارة إلى دراسة أكاديمية مقدمة من فريق بحثي من جامعة نورث ويست في الولايات المتحدة بعنوان: ((Hidden Influences Of Crowd Behavior In Crowdfundingناقشت سلوك عملاء منصات التمويل الجماعي وتطرقت إلى عدة عوامل تؤثر على اتخاذ القرار لدى عملاء المنصات من أبرزها التأثير الاجتماعي وسرعة إغلاق الطروحات.
ولكن السؤال المطروح هل هذه السلوكيات هي من تحكم الموقف فقط؟ لم يدر ببال كثير من مدراء الصناديق مدى الوعي المالي لصغار المستثمرين بل ذهب بعضهم إلى عدم الدقة في الإفصاح عن بعض التفاصيل الفنية لرسوم وأتعاب الصناديق المطروحة في منصات الاستثمار الجماعي ظناً منهم أن صغار المستثمرين لن يبحثوا كثيراً في تلك النقاط الفنية والتي غالباً لا تمر بسهولة على كبار المستثمرين، بالطبع كانت حساباتهم غير صحيحة فعالم التقنية المالية اليوم ليس كما كان في السابق كما أن الحصول على المعلومة الصحيحة لن يتطلب الكثير من الجهد.
أما عن انطلاق منصات توزيع الوحدات الاستثمارية للصناديق في المملكة العربية السعودية، فقد شهد قطاع التقنية المالية طرح أول صندوق من خلال منصة أصيل المالية في فبراير لعام 2022، تلا ذلك طرح عدد من الصناديق بلغ عددها حتى الآن اكثر من 30 صندوق في مختلف القطاعات، عقارية، تمويلية، وملكية خاصة من خلال مجموعة من المنصات المصرحة من قبل هيئة السوق المالية لذات الغرض (بلغ عددها 9 منصات حتى الآن).
بالعودة إلى سمات المستثمرين في منصات التمويل الجماعي فقد قام فريق الأبحاث والتطوير في منصة احدى التطبيقات بإعداد دراسة لسلوك وسمات المستثمرين فكانت النتيجة كالتالي: بعد تحليل الإطار الزمني لنقاط الصعود والتغطية لطروحات الصناديق تم تقسيم فئات المستثمرين إلى أربع فئات:
الفئة الأولى: هي فئة المستثمرون الأوائل وهي فئة مهتمة بالتقنية المالية بمتوسط عمر 33 سنة بلغ حجم تغطيها للفرصة نسبة 7%.
الفئة الثانية: هي فئة مستثمرو الأخبار وهذه الفئة تبدأ بالظهور بوضوح بعد تناقل أخبار الطرح وتفاصيل الفرصة وتسهم في تغطية 40% من حجم الطرح، عادةً تحتل هذه الفئة النسبة الأعلى من حيث التغطية.
الفئة الثالثة: المستثمرون المترددون وهي الفئة التي تتبع ما يسمى في النظريات السلوكية المالية بنظرية الندم (Regret Theory)، تعمد هذه الفئة إلى الاستثمار في حال تجاوز حجم التغطية 50%، إلا انها في الواقع لم تعد ذات جدوى مؤخراً حيث أن سرعة التغطية للطروحات الأخيرة في بعض المنصات باتت في دقائق معدودة وبالتالي فإن عدم الاطلاع على تفاصيل الفرصة واتخاذ القرار مسبقاً لن يمكن المستثمر من الاشتراك في الفرصة المطروحة وتشكل هذه الفئة حوالي 23% من إجمالي الطرح.
الفئة الرابعة: فئة نقطة الصعود، هم آخر المستثمرون قراراً وعادةً تتخذ هذه الفئة قرار الاستثمار بعد تجاوز التغطية لمعدلات 70% من حجم الطرح وتتكفل غالباً بإكمال إغلاق الطرح إلى نسبة 100%.
وعلى كل حال فإن من يظن أن تلك الفئات باختلاف أنواعها لا تعير انتباهاً لشروط وأحكام الصندوق او لا تبحث في تفاصيل الفرص الاستثمارية المطروحة فإنه مخطئ تماماً فقد كشفت التجربة عكس تلك التوقعات.
خلاصة القول، وبعد طرح 17 صندوق استثماري منذ انطلاق المنصة التي اعمل فيها فإن صغار المستثمرين يعول عليهم أدوار كبيرة في دفع عجلة الاقتصاد في مختلف القطاعات وذلك لضخامة السيولة المالية التي يمكن لهم المساهمة بها حتى في احلك الظروف الاقتصادية ولعل ارتفاع أسعار الفائدة مؤخراً وتباطئ بعض الاستثمارات القائمة على كبار المستثمرين دليل كافي على ذلك.
وبمناسبة التطرق إلى السلوك المالي للمستثمر فقد جرت عادة شركة DALBAR المتخصصة في الأبحاث المالية بنشر تقارير دورية حول عدة مواضيع مهمة من أبرزها السلوك المالي وبالاطلاع على تلك التقارير فإن القارئ يلحظ تقارباً كبيراً في السلوك النهائي العام لقرارات الاستثمار بغض النظر عن تصنيف الملاءة المالية للمستثمر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال