الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما يشخص الاطباء حالة مريض بضرورة اجراء عملية جراحية فإن الاستشارات الطبية تتجه غالباً نحو الاطباء ممن سبق وكان لهم سجل ناجح في تلك العملية ، وهذا هو حال التضخم الذي تتم معالجته حالياً بذات الاسلوب عندما حدث ذلك في العام 2008م، حيث وصل التضخم الى مستويات تاريخية بأعلى معدل تم تسجيله حتى اليوم في حين يتم معالجته اليوم بأداة قطعية مجربة قام بها حينها بول فولكرPaul A. Volcker قاهر التضخم ، فهل يبدو ذلك متوافقاً بذات المشكلة ؟
عندما ينظر المشرع الاقتصادي الى هذه الزاوية تحديدا هناك العديد من الامور التي يجب ان يأخذ بها في الحسبان ومن اهمها مستويات البطالة والنمو الاقتصادي ومعدل اسعار المستهلكين ولذلك نجد ان الاحتياطي الفيدرالي يقارن توقعاته واسلوبه بهما إذ يسبق اتخاذ قرار رفع سعر الفائدة بما تتوفر لديه من بيانات شهرية حول تطورات معدل الاستهلاك والبطالة وتوقعات الركود والنمو .
من هنا أتت المعالجة برفع اسعار الفائدة بنسب متفاوتة لعشر مرات متتالية ثم توقف عن ذلك في آخر قرار الاسبوع ما قبل الماضي تحسباً لتوقعاته بحدوث ركود من شأنه ان يزيد الطين بلة .
بالمقابل يمكن القول بأن هذه الاداة ناجحة من منطلق فلسفة الاقتصاد للاعتبارات القطعية السابقة لكن ليس الأمر عند ذلك فحسب بل أن التضحيات احيانا تكون مؤلمة لكل اداة على حساب الأخرى ، ومهما يكن من أمر فإن من اهم المخاوف التي ظهرت مؤخرا حدوث الفقاعات المالية وخاصة في قطاعي البنوك لكنها قوبلت بعلاجات صارمة وناجحة .
من المهم وفي ظل هذه الظروف التي تعصف بالتضخم دون هوادة النظر الى جانب العرض بحذر صحيح ان الامر يتطلب العمل على توظيف كافة عناصر الانتاج التوظيف الأمثل لكن يحب ايضا النظر دائماً الى ان العرض يخلق الطلب مما يعني حتى في ظل تواجد كميات كبيرة من السلع يبق الطلب مكبوتاً لعدم توفر القوة الشرائية وربما قد ينتج عن ذلك أزمة لاحقة في العرض.
خلق التوازنات المنطقية في الاقتصاد اداة صعبة وتحتاج الى صبر اقتصادي وتثبيت معدلات التضخم عن حدوده المتوازنة ليس بالأمر الهيّن لكن الوقت فقط كفيل بتبريد التضخم وايقاف قطاره السريع الذي ينطلق دون هدف او موعد معين والتعايش مع التضخم سيكون وقته طويل ولن يقف هذا القطار بين عشية وضحاها مما يؤشر الى امكانية رفع سعر الفائدة خلال العام الجاري مرتين على الأقل وذلك وفقاً لتصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي قال إن معظم أعضاء المجلس يتفقون على ضرورة رفع مستويات الفائدة مرة أو مرتين قبل نهاية 2023، وذلك لعدم تجاوب التضخم مما يعني انه لن يتراجع الفيدرالي حتى يعود التضخم إلى المعدلات المطلوبة عند 2% .
آخر البيانات الاقتصادية الصادرة الاسبوع المنصرم أشارت إلى تراجع في أحد أبرز مؤشرات التضخم بانخفاض من 4.4٪ إلى 3.8٪ في شهر مايو الماضي، وهي نتيجة مشجعة إلا أن بيانات أخرى تتعلق بالنمو الاقتصادي تشير إلى استمرار حالة عدم اليقين بشأن نسب التضخم القادمة .
من هنا تواصل وتيرة تضخم الأسعار ارتفاعاها بأكثر من المتوقع، فبعد نحو عام وثلاثة أشهر على بداية مكافحة التضخم لا تزال الأسعار تنمو بنسبة 4 ٪ على أساس سنوي، ورغم أن ذلك أقل بكثير من الارتفاع المتحقق قبل عام عند 9.1٪ ، إلا أن بوادر تراجع الأسعار في الفترة المقبلة ليست مشجعة، كما يتبين من نمو أسعار التجزئة بنسبة 1.6٪ عن العام الماضي، على أساس شهري حيث جاءت مرتفعة بنسبة0.3٪ عن الشهر الماضي، بينما كانت التوقعات أن تتراجع أسعار التجزئة 0.2 ٪ وذلك وفقاً لبيانات نشرتها وسائل الاعلام المختلفة .
الجميل في قصة التضخم انه تحت السيطرة إذْ انه لم يصل الى مستويات يصعب معها كبح جماحه بنسب خيالية وفي ذات الوقت حدوث الركود الاقتصادي ايضاً لم يصل بعد الى مستويات مأزومة وهو ما يفسر نجاعة الحلول المبذولة الى حدٍ ما حتى هذه اللحظة .
في القصص الاقتصادية يجب النظر دائماً الى نصف الكوب المملوء ، نعم الاقتصاد بنظرياته المختلفة يحمل طيفا واسعا من الآراء التي تحتمل الصحة وأخرى تحتمل الاخطاء لكن دائما ما يكون التفاؤل وقودا للنجاح .
مجمل القول : يمر الاقتصاد العالمي بفترة لا تزال حرجة، وفيها العديد من المنعطفات حيث لا تزال حالة عدم اليقين متواصلة وهذا العام نسخة مكررة نسبياً عن العام المنصرم لكنه شهد الى حدٍ ما انفراجات محدودة في سلاسل الامداد وقطاعات التصنيع بمختلف أنواعها وكذلك تحسن في تدفق السلع والخدمات الا ان الحالة لاتزال ضبابية بشأن الموجة التضخمية العالمية بيد انه من المتوقع مع نهاية هذا العامان تشهد الاقتصاديات العالمية الكبرى نموا طفيفاً بنهاية العام الجاري .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال