الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم تعد الحوكمة المؤسسية ذات النهج العلمي لصناعة الإعلانات التسويقية المرتبطة بالمجتمع السعودي تتحمل إلا أن تفرض نفسها، فهذا المجتمع أذكى بكثير جدا مما يعتقده العديد من ذوي العلاقة بالمحتوى الترويجي، خاصة من الدخلاء ممن لا ينتمون للتخصص أو من محدودي الرؤية أو سطحيين المعرفة بجغرافيا المملكة وتنوع مشارب مجتمعها، وهذا يمكن أن يؤدي لتقديم – بقصد أو بدون قصد – صورة غير صحيحة عن المجتمع السعودي خاصة للآخرين.
قبل أسابيع قليلة، وقع إعلان لشركة كبرى في غياهب النقد الحاد نتيجة عدم التعرُّف المُسبق للقائمين على المادة لأي احتمالات لانعكاسات سلبية لإعلانهم، ووضوح غياب دور متخذ قرار التصريح للإعلان في هذا الكيان التجاري الكبير – ربما بسبب الكسل أو الجهل أو الغرور في بعض الأحيان – في وضع هذه المادة على محك الاختبار أو النقاش قبل اعتماده عرضها، فكانت النتيجة رفض شريحة مجتمعية عريضة لا يمكن إهمال وجهة نظرها فيما قُدِّم.
كان واضحا في المادة التغاضي عن جانب سيكولوجية المجتمع السعودي الذي في جُلِّه من فئة الشباب المتعلم والمثقف الذي يرفض التهكم عليه، وأيضا عدم التنبه لسيكولوجية رؤية المملكة 2030 التي محورها الرئيس ليس اقتصادها كما يظن البعض ولكن مجتمعها، فمراعاة العوامل النفسية لمثل هذا المجتمع – في ظل تسارع تطور وعيه من جهة وشراسة تنافسية السوق من الجهة الأخرى – أمرٌ حيوي في نجاح الحملات الإعلانية والتسويقية، وهنا لا تتضمن هذه العوامل التي يجب مراعاتها فقط على العمر والجنس والثقافة والتعليم والعادات والتقاليد والمعتقدات، بل أيضا لا بد من مراعاة عوامل أعمق مثل الشعور بالراحة والأمان والثقة والإثارة والتحفيز، ولكن ربما أهم عامل هو احترام ذات هذا المجتمع المستهدف سواء أمام نفسه أو أمام الآخر.
إن أخطر ما يكون في الدعاية والإعلان – بالتهكم على فئة مستهدفة بغية ترويج منتج أو خدمة ما – العواقب التي يصعب احتواؤها، حيث يمكن أن تتسبب مادة ترويجية في إثارة استياء وغضب المستهدفين ومن ثم تصنع تأثير سلبي على سمعة المُعلن أو العلامة التجارية التي يروج لها الإعلان، وفي بعض الأحيان قد يؤدي مثل هذا الأسلوب إلى خسائر تراكمية أقلها في شكل انتقادات لاذعة لهذه الجهات المعلنة في هيئتها التنظيمية أو في منسوبيها على المستوى الشخصي.
محليا، يوجد مجتمعا شابا ومثقفا قد وضع المملكة في المرتبة الرابعة على مستوى العالم في إيرادات مشاهدة العمل السينمائي العميق دراميا وتاريخيا “Oppenheimer” – حسب تقرير موقع تقييمات الإنتاج السينمائي والمسلسلات التلفزيونية “Deadline Hollywood” العالمي قبل أيام – وهي إشارة من ضمن إشارات كثيرة على أنه لا يمكن الاستهانة بفطنته ووعيه، وهنا تظهر ضرورة تطبيق الحوكمة المؤسسية على المواد الإعلانية، بغرض معالجة أي خطأ يبدي صورة مغلوطة عن المجتمع وإن كانت غير مقصودة، وللتأكد من أن ما ينتج ملتزم ومتوافق مع القيم والمبادئ الأخلاقية والثقافية والاحترام الكامل الواجب إظهاره للفئات المستهدفة، فيكون لهذه الحوكمة الكلمة الفصل في تقييم الإعلانات ذات العلاقة بالمجتمع السعودي الفتي بما يتوافق مع المستهدفات الوطنية بشكل مهني وسيكولوجي وتجاري، قبل السماح بنشرها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال