الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
سلاسل الإمداد
القسم السادس من الاستراتيجية الوطنية للصناعة هو القسم الأهم والذي يلخص التوجه العام للاستراتيجية الصناعية، ويجمع بين الرؤية، وتوضيح الأهداف الرئيسة، ومواطن القوى ، والممكنات، والعلاقة بين القطاعين العام والخاص ودور كلٍ منهما في بناء البيت الاستراتيجي.
تستهدف الخطة الصناعية بناء أربعة محاور تمكين أساسية تدعم مستهدفاتها هي : بناء وتعزيز سلاسل الإمداد بمعايير عالمية، وتنمية بيئة الأعمال، وتعزيز التجارة الدولية، وتنمية ثقافة الابتكار والمعرفة وهذا المحور الأخير قد تطرقنا له في المقال السابق (11) لأهميته ولأنه الجذر الأساس لأي خطط تنمية صناعية.
وسوف نتطرق للمحاور الثلاثة الأخرى في ثلاثة مقالات منفصلة، تبدأ في هذا المقال الذي يناقش بشكل مختصر المحور الأول : بناء وتعزيز سلاسل الإمداد بمعايير عالمية.
سبق وأن أشرنا إلى أن الهدف الأول من الاستراتيجية يتعلق ببناء سلاسل إمداد مرنة تتجنب مخاطر الاضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، وتسعى لتمكين المحتوى المحلي، وتتكامل مع سلاسل الإمداد العالمية من خلال الدخول في اتفاقيات استراتيجية تعززها.
وكما يظهر من الهدف الأول للاستراتيجية أن بناء سلاسل الإمداد بمعايير عالمية هو محوره الرئيس من جهة، وهو في ذات الوقت محور تمكين قائم بذاته من جهة أخرى، ويأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية – في نظري – بعد محور ثقافة الابتكار والمعرفة.
جاء برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية( ندلب) بهدف تحويل المملكة العربية السعودية إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية، ويهدف البرنامج إلى تعظيم القيمة المتحققة من قطاعات الطاقة والتعدين، والتركيز على تعزيز المحتوى المحلي واستخدام تقنيات الدورة ( الثورة ) الصناعية الرابعة.
برنامج (ندلب ) يتكون من أربعة قطاعات هي : الطاقة، والتعدين، والصناعة، والخدمات اللوجستية، والقطاع الأخير يمثل الشريان الرئيس لسلاسل الإمداد، لذا يأتي دور برنامج (ندلب ) مكملاً ومعضداً للمحور الأول من محاور التمكين الأربعة في الاستراتيجية الصناعية . وتتمثل أدوار (ندلب ) فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية وبناء سلاسل الإمداد التي تستهدفها الاستراتيجية الصناعية في عدة مستهدفات منها : جعل المملكة مركزاً لوجستيا عالمياً، وتقليل تكلفة نقل وتخزين البضائع، وتحسين أنماط النقل، وتحسين كفاءة التشغيل من خلال استخدام التقنيات الذكية.
كما نعلم جميعا فإن الرؤية العامة للمملكة (رؤية 2030 ) بنيت على ثلاثة مكامن قوة محورية نصَّ ثالثها على مايلي : “تسخر المملكة موقعها الاستراتيجي لتعزيز مكانتها كمحرك رئيس للتجارة الدولية ولربط القارات الثلاث: أفريقيا وآسيا وأوروبا”. ومن هنا يتبين لنا مدى أهمية أن يولى قطاع الخدمات اللوجستية عناية خاصة لارتباطه بالأهداف العليا للمملكة العربية السعودية وليس قطاع الصناعة فقط، ويعكس بشكل واضح وجلي الرؤية الثاقبة للقيادة الرشيدة -أيدها الله – لتمكين المملكة من الاستفادة القصوى من موقعها الاستراتيجي كرابط جغرافي وتجاري منذ فجر التاريخ بين القارات الثلاث.
بالعودة لمحور التمكين الأول في الاستراتيجية الصناعية (بناء وتعزيز سلاسل الإمداد بمعايير عالمية ) نجد أن هذا المحور قد بني على أربعة ممكنات هي : توفير بنية صناعية رائدة، وتعزيز سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية، وتوفير المناطق الاقتصادية الخاصة، و تبني تقنيات التصنيع المتقدمة. ويظهر مدى الترابط بين استراتيجية ( ندلب ) والاستراتيجية الصناعية الذي قد يُتصور منه إزدواجية في الأدوار خصوصاً أن الاستراتيجية الصناعية لم تتطرق للعلاقة مع دور ( ندلب).
سلاسل الإمداد هي العملية الأطول في أي صناعة وتبدأ من استخراج المادة الخام، ثم المعالجة ، ثم التصنيع ، والتخزين ، والنقل ، حتى تصل للمستخدم أو المستهلك النهائي. وهي مجموعة من العمليات التي تتفاوت أهميتها من صناعة لأخرى، فالصناعات الدفاعية مثلاً تتميز بمستوى عالٍ جداً من الأمن السيبراني واللوجستي، بينما تحتاج الصناعات التعدينية – على سبيل المثال – لبيئة نقل ومناولة مترامية الأطراف وباهضة التكلفة. وعندما ننظر لدور الصناعة السعودية في سلاسل الإمداد نجدها على محورين : محور يتعلق في تأمين الاحتياجات المحلية بتكلفة أقل وجودة أعلى بمنأى عن مخاطر الاضطرابات العالمية، ،ومحور يتعلق في أن تكون الصناعة الوطنية حلقة أساسية في سلاسل الإمداد العالمية سواء كان ذلك مرتبطاً بموقعها الاستراتيجي أو تكاملها الصناعي مع الدول الأخرى.
على سبيل المثال سلاسل توريد التصنيع في الولايات المتحدة نظام معقد من المصنعين الكبار والصغار، وأخصائيي التكامل، ومنتجي المواد الخام، وشركات الخدمات اللوجستية، والشركات التي تقدم خدمات دعم أخرى (المحاسبة، والتمويل، والاستشارات القانونية، وما إلى ذلك). ونجد كذلك تقريبا أن جميع مؤسسات التصنيع في الولايات المتحدة، وخاصة تلك المشاركة في سلسلة التوريد، هي شركات تصنيع صغيرة ومتوسطة الحجم (SMMs) يقل عدد موظفيها عن 500 موظف. وتعتبر مؤسسات التصنيع الصغيرة والمتوسطة هذه حاسمة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، وفي أوقات الصعوبات الاقتصادية، يمكن أن يؤثر انخفاض كفائتها سلبا على الاقتصاد بشكل عام. لذلك ركزت استراتيجية التصنيع المتقدم الأمريكية على أهمية المشاركة الكاملة لهذه الشركات الصغيرة والمتوسطة ليس فقط في سلاسل الإمداد بل في النظام الايكولوجي للصناعة الأمريكية بشكل فعال ومتكامل.
بالإضافة لما تضمنته الاستراتيجية الصناعية من ممكنات في محور سلاسل الإمداد وتعزيزاً لأهداف برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب )، فمن الأهمية بمكان أن تتضمن الاستراتيجية الصناعية في أهدافها تعزيز دور الشركات المصنعة الصغيرة والمتوسطة الحجم في تحقيق أهداف الاستراتيجية، وأن يتم تشجيع مشاركتها في النظم الايكولوجية للابتكار الصناعي، وأن يعزز دور التصنيع في المناطق النائية وغير الصناعية. ومن الأهمية بمكان أيضاً أن تتضمن الاستراتيجية الصناعية تحديد حلقات صناعية أساسية في سلاسل الإمداد العالمية تستفيد من موقع المملكة الاستراتيجي والاستثمار فيها من قبل صندق الاستثمارات العامة، بحيث لا تستهدف هذه المراكز الصناعية السوق المحلي والاقليمي فقط،بل تكون همزات وصل لمنتجات صناعية أساسية أو تحويلية أو متخصصة لا غني للصناعة العالمية عنها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال