الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحدَّثنَا في الجزء الأول من مقالِنَا هذا عن أهمِّ المبادئ التي تَحكُمُ شركة المساهمة المُبَسَّطة كما ابتَكَرَهَا نظام الشركات الجديد 2022، والتي كان من أهَمِّهَا إدارةٌ حرةٌ للشركة من جميع قيود الهيكل الإداري الصارم الذي تَلتَزِم به شركات المساهمة التقليدية.
هذا إضافةً إلى بعض النقاط الجوهرية، فشركة المساهمة المُبَسَّطة ليست مقيدةً من حيث حجم رأسمالِهَا وطبيعة المشاريع التي تُدِيرُهَا، بل يَحِقُّ للشركة المُبَسَّطة أن تكونَ شركةً قابضةً (مادة 216 شركات) أو مهنية (مادة 200-2 شركات) على الرغم من كلِّ الاستثناءات الجوهرية فيها، والتي تُؤثِّرُ -بلا شكٍّ- في القدرة الائتمانية للشركة، تزيد من المخاطر على الدائنين والمساهمين فيها.
فإذاً، كيف وَازَنَ نظام الشركات بين المخاطر الائتمانية التي يَحمِلُهُ الشكل المُبَسَّط لشركة المساهمة، وبين التحفيز الاستثماري الذي يُشكِّلُهُ هذا النوع المرن والجذَّاب من الشركات؟
سنجيب عن هذا التساؤل من خلال تحليل القواعد التالية:
أولاً: جواز تأسيس الشركة برأس مالٍ مدفوعٍ ضمن رأس المال المُصْدَرِ (مادة 139-1 شركات): أي أنَّ الاكتتاب على أسهم الشركة لا يعني بالضرورة تسديد قيمة كامل الأسهم المُصدَرَة، بل يمكن أن يكون جزءٌ من رأس المال المُصدَر غيرُ مدفوعٍ وفق نظام الشركة الأساس.
لكن شفافية الشركة للجزء غير المدفوع من رأسمالِهَا يُسَهِّلُ عملية تقييمها الائتماني بناءً على قيمة المدفوع من رأس مالها فقط.
ثانياً: جواز تأسيس الشركة برأس مالٍ مُصَرَّحٍ به (مادة 139-1 شركات): حيث يمكن تأسيس الشركة برأس مالٍ مذكورٍ في ترخيصِهَا وهو المُصَرَّحِ به. لكن شفافية الشركة عن الفرق بين رأس المال المصرح به والمدفوع، يَسمَحُ للمستثمرين تقييمها بقيمتها السوقية الحقيقية.
ثالثاً: إلغاء الحدِّ الأدنى لرأس مال شركة المساهمة المُبَسَّطة (مادة 139-2 شركات): فلا يوجدُ حدٌّ أدنى لرأس مال هذه الشركة؛ حيث يمكن تأسيسها على أيِّ قيمةٍ استثناءً عن قيود شركة المساهمة التقليدية. وفي هذا تشجيعٌ للشركات العائلية والناشِئَة للتحوُّل إلى شكل المساهمة المُبَسَّطة، كما أنَّه لا يُؤَثِّرُ في قوَّتِهَا الائتمانية لأنَّ رأس المال الصغير يُعامَلُ ائتمانياً بما يتناسَب معه من ضمانات.
رابعاً: ضرورة تقييم الشركة من مُقَيِّمٍ مُعتَمَدٍ إذا تجاوَزَت الحصص العينية في رأس المال نصف قيمته (مادة 141-2 شركات): فإذا كان رأس المال مجزَّأً إلى قسمٍ نقديٍّ وآخرَ عينيٍّ على شكل عقاراتٍ وسياراتٍ وبراءات اختراعٍ وخلافه، فيجب تقييم القسم العيني الذي يتجاوَزُ نصف رأس المال من مُقَيِّمٍ مُعتَمَدٍ حِرصَاً على دقَّة التقييم والخروج بالقيمة السوقية الأقرب للواقع الخاص برأس مال الشركة.
خامساً: الضبط الإداري للشركة من نظامِهَا الأساس (مادة 142-1 شركات): حيث يجب تحديد طريقة إدارة الشركة والسلطات فيها من خلال نظامِهَا الأساس، الأمر الذي يَضمَنُ شفافية المنهج الإداري في الشركة ويُسهِّلُ مهمَّة تقييمه والرقابة عليه.
سادساً: التزام الشركة بالأعمال والتصرفات التي يُجرِيهَا مُمَثِّلُهَا حتى وإن كانت خارج تخصُّصاته (مادة 142-4 شركات): وهذا حمايةً للمتعاملين مع الشركة من احتمال تجاوُزِ مُمَثِّلِ الشركة لصلاحيَّاته فيها، لكن يُشتَرَطُ لتطبيق هذه الحماية أن يكون الغير حسن النية لا يعلم بأنَّ مُمثِّل الشركة يتجاوَزُ صلاحيَّاته فيها.
سابعاً: توحيد أحكام مسؤولية مجلس الإدارة بين شركة المساهمة المُبَسَّطة والتقليدية (مادة 143 شركات): وعليه، تكون إدارة شركة المساهمة المُبَسَّطة مسؤولةً عن أخطائِهَا أمام المساهمين والغير.
ثامناً: مَنعُ استفادة إدارة شركة المساهمة المُبَسَّطة من خدمات الشركة (مادة 72 + مادة 144 شركات): وذلك من باب حَظرِ تعارُض المصالح بين شركة المساهمة المُبَسَّطة وإدارتها.
تاسعاً: ضرورة اتخاذ القرارات المصيرية للشركة من المساهمين فيها في جمعية عامة (مادة 145-1 شركات): وذلك على الرغم من إمكانية تفويض المساهمين لاختصاصات الجمعية العامة العادية وغير العادية (مادة 138-3 شركات).
عاشراً: إمكانية تحديد أنصِبَةٍ مُرتَفِعَةٍ للتصويت على القرارات في نظام الشركة الأساس (مادة 145-3 شركات): فيمكن تحديد نصاب 3/4 رأس المال أو حتى الإجماع للموافقة على قرار تعديل رأس المال مثلاً.
حادي عشر: إعداد القوائم المالية السنوية وعرضها على المساهمين (مادة 147 شركات): وهذا الالتزام مُلقَى على عاتِق إدارة الشركة حِرصَاً على مبادئ الشفافية والحوكمة التي تَخضَعُ لها شركة المساهمة التقليدية.
ثاني عشر: جواز النص على قيود التصرف بالأسهم لمدةٍ تَصِلُ إلى /10/ سنوات (مادة 151 شركات): وهذا القيد قد يكون على المؤسِّسين ضماناً لجدية المشروع.
ثالث عشر: ضرورة إجماع المساهمين على تضمنين نظام الشركة الأساس لأحكام قيود التصرف بالأسهم أو إلزام المساهم بالتنازل عن أسهمه أو تسوية المنازعات بين المساهمين والإدارة بالطرق البديلة (مادة 154 شركات): وفي هذا ضمانٌ لعدم الإضرار بمصلحة الشركة أو المساهمين من خلال هذه الأحكام.
وعلى الرغم من وجود هذه النقاط الضامنة للقدرة الائتمانية لشركة المساهمة المُبَسَّطة، والهادِفَةِ إلى تحقيق الضبط الإداري فيها، فيمكن اقتراح التعديلات التالية التي ستزيد من الضمانات المالية والإدارية في هذه الشركة، كالتالي:
لكن بالنتيجة، يَبقَى ابتكار شركة المساهمة المُبَسَّطة من أهمِّ القواعد الجديدة الواردة في نظام الشركات الجديد، والتي تُسَاهِمُ في المزيد من التحفيز الاستثماري وتشجيع أصحاب الشركات العائلية والناشئة للبدء بالتفكير نحو التحوُّل الاستراتيجي في مشروعِهِم، ألا وهو التحوُّل نحو الشكل المساهِم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال