الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
على مدى اكثر من عشر سنوات دول “البريكس” ترفع شعار استبدال الدولار في تعاملاتها التجارية، ويستمر طرح محاولات اعتماد عملة أخرى موحدة بين اقتصادات التكتل الخمس على مدى تلك السنوات إلا أنها مجرد شعارات لم ترتقي حتى لتكون محاولات، ولم تتقدم بخطوات ملموسة في البيان الختامي للاجتماع الأخير لتكتل قادة البريكس في جنوب إفريقيا لبحث إقرار عملة موحدة تواجه هيمنة الدولار.
السؤال بواقعية: هل يمكن إنهاء هيمنة الدولار الأمريكي على المبادلات التجارية العالمية؟
شعارات انهاء هيمنة الدولار الأمركي ربما تكون حماسية اكثر من كونها واقعية خاصة في اسواق العملات وتداولات السلع بالدولار وفي مقدمتها النفط. دول “البريكس” حاليا تشمل ثاني وثالث اكبر مستهلكي النفط في العالم: الصين والهند، فهل ستنجح هاتان الدولتان في استيراد نفطها والسلع الاخرى بعملة غير الدولار الامريكي، خاصة ان الدول المنتجة للنفط والمصدره للسلع الاخرى في غالبيتها هي بحاجة للدولار الأمريكي في معاملاتها التجارية على مدى اكثر من قرن من الزمن، فالاحتياجات الاستراتيجية للدول المنتجة خاصة في تقنية التنقيب والمعالجة للنفط والغاز، وتقنيات التكرير والصناعات التحويلية عموما هي غالبا غربية المصدر، ناهيك عن الاحتياجات الإستراتيجية الاخرى خاصة الغذائية والدوائية والمواد الخام الصناعيه.
بعد دعوة دول تكتل “بريكس” بإنهاء هيمنة الدولار، هل يمكن توحيد العملة لدول بريكس؟
الجهود التي تكرس لتقليل الاعتماد على الدولار كعملة تسوية معاملات تجارية بين دول “البريكس” على مدى عشر سنوات ممكن أن يحدث فيها تقدم ضئيل جدا من خلال التوصل إلى اقتراحات دفع بديلة بعملات دول التكتل المحلية، بينما وجود عملة جديدة كعملة بريكس تحل محل العملات الموجودة حاليا يكون امر غير واقعي للتفاوت الكبير بين قيمة عملات دول “البريكس”، ولا ننسى ان %80 من التعاملات المالية العالمية تتم بالدولار الذي يمثل %60 من عملات الاحتياطيات الدولية. كما أنه لايوجد عملة تستطيع أن تستوعب التعاملات العالمية الضخمة يوميا لتداول اكثر من 100 مليون برميل يوميا من النفط والسلع الاخرى غير الدولار الامريكي.
استبدال “بريكس” للدولار .. هل هو مجرد تصفية حسابات بعيد عن الواقعية؟
مسألة اخراج الدولار من المنظومة الاقتصادية العالمية ربما تكون احلام وردية اكثر من كونها واقعية، فالعالم بحاجة الى تكاملية اقتصاداته، خاصة ان اكبر اقتصاد في العالم قائم على الدولار، حتى من زاوية التغيير، فان التحول من وضع الى وضع اخر او النية لاستبدال موقف بآخر كفكرة استبدال الدولار الأمريكي لايمكن ان تحصل في ليلة وضحاها ولكن تحتاج الى مدة زمنية طويله وظروف عالمية تستدعي الحاجة لهذا الاستبدال مع ضمان ان البديل المقترح مأمون الاستخدام وهذا يحتاج الى اختبار العملة المراد ان تحل مكان الدولار الامريكي لفترة طويلة، وقد رأى العالم ان العملة الاوروبية (اليورو) على مدى نمو عشرين عام لم تستطع ان تزحزح الدولار من مكانة بل هي من تعيش حالة اهتزاز بسبب بدء تعالي بعض الاصوات في ألمانيا وفرنسا بالعودة الى عملاتهم الأصلية.
لاشك في ان اي تعاون دولي سيكون في المصلحة العامة وظهور قوة اقتصادات دول “البريكس” سيكون له دور بلا شك، ولكن نحتاج ان لاتحكمنا فكرة الاحلال والاستبدال للدولار لمجرد شعارات وبغض النظر عن العواقب مهما كانت المصالح الذاتية او تصفية الحسابات، فالعالم لم يعد سوى قرية تحتاج ان تكون متنوعة ومتكاملة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال