الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أعلن ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان عن تطوير البيئة التشريعية، من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وترسخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتحقق التنمية الشاملة. ومن ضمن الأنظمة التي صدرت مؤخرا من باب إصلاح البيئة التشريعية هو نظام المعاملات المدنية. عمل النظام في كثير من مواده على سد أبواب الاختلاف و التأويل، ومن ضمن هذه المواضيع هو موضوع التعويض المعنوي عن الضرر.
يعتبر هذا الموضوع من الموضوعات التي كانت موضوع نقاش مستمر و اختلاف في الأوساط القانونية والشرعية. هذا الموضوع يعد من الموضوعات التي تم تناولها في أوراق علمية وآراء فقهية من قبل القانونيين والقضاة. فتم اشباع السؤال حول مدى احقية المتضرر عن الضرر المعنوي. والتي يرى الكثير الى افضلية عدم التوجه الى التعويض عن الضرر المعنوي، نظرا لعدم القدرة على تقديره. وتمت مناقشة مسألة التعويض عن الضرر المعنوي في مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية،المنعقد خلال شهر 9 -2000م. وبعد مناقشات من كبار الفقهاء قُرر ما يلي: ” … خامسا: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لَحِق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي.”
بالطبع، لابد من إيضاح أن العلماء الشرعيين والفقهاء انقسموا حول حكم التعويض المعنوي الذي يلحق المتضرر الى قسمين، فمنهم من أجاز بحكم التعويض والفريق الآخر لم يجزه، ولكلٍ أدلته. ولكن نرى في السنوات الاخيرة توجه القضاء التجاري والإداري إلى الأخذ بالتعويض عن الضرر المعنوي وان كان على نطاق ضيق. في حين أن القضايا ذات العلاقة بالمعاملات المدنية – على حد معرفتي- لا يوجد قضايا منشورة تم الحكم بها عن الضرر المعنوي. وهذا أمر يؤثر على البيئة القانونية والقضائية والاقتصادية والاجتماعية، حيث ان احيانا التعويض عن الضرر المادي قليل عند النظر الى الأضرار المعنوية التي قد تصيب احد اطراف المعنوية.
مثلا، عقد بيع منزل سكني، شخص اخذ قرض عقاري ليتم اقتطاع مبلغ من راتبه مدة طويلة من الزمن من اجل ان يوفر لعائلة مأوى يليق بهم. بعد فترة من قليلة الزمن، يكتشف من اشترى المنزل للسكن، أن المنزل لم يتم بناءه بشكل جيد، مما ادى الى تسربات والتماس كهربائي، وربما سقوط جدار سور ..الخ من المشكلات التي نسمع عنها ونراها في بعض القضايا المنشورة. هنا سيحكم القضاء عن الضرر المادي، وهو تكلفة اصلاح الاضرار المادية، ولكن ماذا عن معاناة هذا الشخص اثناء اقامته في هذا المنزل الذي يعتبر منزل العمر؟ فهناك ايضا معاناة نفسية قد تنعكس على استقرار الاسرة والابناء اجتماعيا ودراسيا ..الخ. سابقا، لم يكن مثل هذا النوع من الأضرار يؤخذ بعين الاعتبار، الان بعد صدور النظام، سيكون هناك تقييم للضرر المعنوي. من وجهة نظري، وجود تعويض عن الضرر المعنوي في المثال السابق، لا ينعكس فقط على الناحية الاقتصادية، وانما ايضا على جودة الحياة. حيث أن بائع المسكن سوف يحرص على تقديم منتجات سكنية بجودة جيدة، وذلك لتجنب الخسارة التي قد تطرأ على البائع، حيث أن حالة التعويض عن الضرر المادي، قد لاتكون مكلفة عليه بدرجة عالية، وإنما لو كان هناك تعويض عن الضرر المادي و المعنوي، فهذا يعني أن تكلفة التعويض عالية، مما قد تؤدي الى خسارة بائنة للبائع.
تبقى القضية الاهم في موضوع التعويض عن الضرر المعنوي، هو ماهي طريقة تقدير التعويض المعنوي. لا يعتبر تقدير التعويض المعنوي من المواضيع السهلة في القانون، بل يعتبر من اصعبها. ولكن صعوبتها لا يعني استحالتها، هناك معايير مختلفة للتعويض عن الضرر المعنوي في القضاء الأمريكي والاوربي. وهذا ما سيتم مناقشته في المقال القادم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال