الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الإثراء بلا سبب قاعدة قانونية تعني استفادة شخص ما على حساب آخر دون وجه حق شرعي أو قانوني. مثل أن يجد في حسابه البنكي مبلغاً حُول إليه بالخطأً. وهذه القاعدة تنطوي على أمثلة متنوعة، بيدَ أنه يُشترط لتطبيقها أن يستفيد شخص من تصرف آخر دون مقتضى. أي يُشترط حصول خسارة أو تضرر الطرف الآخر من هذا التصرف كي يُسمى إثراء بلا سبب، وأن يكون بينهما علاقة، علاقة السبب والنتيجة. ولا يندرج في هذا: الثراء السريع، أو غسيل الأموال، أو الاحتيال، أو الغش ونحو ذلك. وهذه القاعدة يُصنفها أهل القانون على أنها أحد مصادر الالتزام، فالشخص يُعد ملتزماً تجاه الغير بأسباب عدة، من بينها الإثراء بلا سبب. وهي قاعدة تصلح أن يؤسس بموجبها مطالبة في رفع دعوى ضد آخر حصل على ماله مثلا دون وجود عقد بينهما أو تبرع أو هبة أو إرث ونحوه.
في مقابل ذلك، نجد الفقه الإسلامي لا يأخذ بهذه القاعدة، ولا ذكر لها عنده. ويشابهه تقريباً القانون الإنجليزي – كما يقول السنهوري عند مقارنته بين الفقه الإسلامي والقانون الغربي. فالسنهوري يقول بأن القانون الإنجليزي لا يأخذ بمبدأ الإثراء بلا سبب، وإنما يعترف بالالتزام الناشئ عن دفع غير المستحق. وهذا اللفظ “غير المستحق” أجده أفضل من عبارة “الإثراء بلا سبب”؛ لأن معنى الإثراء هنا لا يُقصد به حصول الثراء للشخص المستفيد، بل يكفي مجرد الكسب أو الاستفادة. وقد يؤيد هذا ما أجده في الفقه الاسلامي – كشاف القناع وغيره – بما يقارب التعبير المستخدم في القانون الإنجليزي، ففي باب الزكاةـ ، ترد عبارة “لا زكاة في المال المستفاد حتى يحول عليه الحول”.
وعلى أي حال، نظام المعاملات المدنية قد قرر هذا المبدأ في المادة 144 وجعل كل من أثرى على حساب آخر ملزماً في حدود ما أثرى به تعويض هذا الشخص الأخير عما لحقه من ضرر. ولا ينبغي الخلط بين هذا المبدأ مع من يأخذ من المال العام أو من صندوق خزينة مستأمن عليه، ونحو ذلك، فذلك قد يصنف على أنه خيانة أمانه او اختلاس، على حسب الحالة، ولا يُطبق هذا المبدأ. ومن الأمثلة التي ينطبق عليها مبدأ الإثراء بلا سبب، ما يلي:
بقاء مستأجر في عقار رغم انتهاء العقد، فهو وإن كان يمكن مطالبته بأجرة المثل، إلا أنه لو امتنع فهو إثراء على حساب المالك دون سبب مشروع.
مطالبة شركة تأمين مؤمن له بسداد ما زاد على قيمة الوثيقة. فإن دفع المؤمن له المبلغ، واحتفظت به الشركة ولم تسلمه للطرف الثالث؛ فإنها قد أثرت بلا سبب. وقد يحصل العكس، بأن يُؤمّن شخص على مركبته لدى عدد من شركات تأمين، فيحصل لمركبته حادث، ثم يرفع لكل شركة مطالبة دون اشتراكهم في دفع الضرر – على افتراض أنه أخفى تصرفه هذا عنهم – فالمبلغ الذي حصل عليه من الشركات بما زاد على الضرر؛ يُعدّ إثراء بلا سبب مشروع. وقد يأخذ مبلغاً من المتسبب في الحادث مباشرة، وفي نفس الوقت يأخذ من شركة التأمين، فلأحدهما الرجوع عليه.
مطالبة شركة تمويل من استأجر من عندها سيارة بعقد تأجير منتهي بالتمليك، بتسليم السيارة لتأخره عن سداد دفعات، ثم ترفع عليه تنفيذ سند لأمر، مع استلامها السيارة. ومثل ذلك يحصل في العقار المؤجر المنتهي بالتمليك.
استفادة تاجر من اسم تجاري لتاجر آخر بوضع الاسم على السلع والمنتجات فيُحقق ربحاً على حساب التاجر الآخر.
المطلقةُ قد تُثري على حساب زوجها حين تأخذ أجرة سكن رغم امتلاكها لمسكن من جهة خيرية أو من الدولة، أو حصولها على بدل سكن من جهة عملها. المحكمة المصرية نقضت حكماً لاستلام الحاضنة أجرة مسكن رغم وجود مسكن لها من عملها، والأجرة بدل، ولا يُجمع بينه وبين المبدل منه. ورأت أن المحكمة الابتدائية أخطأت في تطبيق القانون، لأن أجرة السكن حاجة اندفعت بوجود السكن، ومن ثم فحصولها على الأجرة إثراء بلا سبب.
وهل أجرة الطبيب والمحامي مع عميل بعقد يستحقان أجرهما رغم عدم نجاح القضية أو العملية؟ هل يمكن تصنيف ذلك إثراء بلا سبب، قياساً على المقاول على مشروع، حيث لا يستحق قيمة العقد دون تمامه؟ والجواب: أن المحامي والطبيب مطلوب منهما بذل العناية الواجبة وفقاً لتخصصهما، بغض النظر عن تحقق النتيجة. بخلاف المقاول الذي لا يمكنه أخذ قيمة العقد ولو بذل كثيراً من العمل، ولو صرف رواتب عمال، كل ذلك لا يكفي؛ لأنه مطالب بتحقيق النتيجة، ولو أخذ قيمة العقد لكان إثراء بلا سبب.
ومثله من بنى منزلاً في أرض يظنها له بسبب خطأ في الصك، فالأرض وما بُني عليها لمالكها، إلا أنه ملزم بتعويض الآخر عن ما خسره. ولا يستطيع ادعاء حقه في المبنى دون بذل تعويض، وإلا كان إثراء بلا سبب موجب.
يمكن تطبيق هذه القاعدة على عقد بين طرفين، بأن يعترض أحدهما بأن العقد أو أحد شرطه يؤول بالطرف الآخر إلى الإثراء بلا سبب، وحينها للمحكمة أن تقرر بطلان العقد أو الشرط.
والمستأجر الذي دفع أجرة ليسكن شُقة مؤثثة، فلو طالبه المالك بأجرة إصلاح الشقة أو شيء من الأثاث، فهو إثراء بلا سبب؛ لأن حق المستأجر في حصوله على منفعة شقة مؤثثة نظير دفعه ثمنها، وإلزامه بدفع قيمة الإصلاح بسبب الاستعمال الطبيعي أو المعتاد؛ إلزام بدفع مبلغين على ذات الأثاث الذي استأجر منفعته.
لو طلب صديقه أو قريبه رهناً في دين، فوافق على رهن مركبته أو عقاره، ثم اضطر إلى سداد الدين ليفك رهنه لحاجته، فله أن يعود على صاحبه، ولا يحق له الامتناع وإلا كان اثراء بلا سبب، باستفادة المدين من سداد الدين المعجّل.
تبقى عدة مسائل قد يُختلف فيها مثل تصرف الفضولي إن كان بلا اذن ولا حاجة ولا اضطرار فهو تبرع لا يمكنه الرجوع. أما لو اضطر لحماية مزرعة من سيل جارف مع غياب مالكها، وكان أغلب الظن أن لو كان المالك حاضراً لفعل ذلك، فله مطالبته، لأن صاحب المزرعة قد استفاد من تصرف الآخر، ولو امتنع من تعويضه لأضحى ثراء بلا سبب، وبات الآخر خسراناً .
ومثله التصرف حال الإنابة دون الوكالة، كما لو قال له مالك قصر كبير، ادخل القصر بين حين وآخر، واجعل عينك عليه، ثم غادر مسافراً مدة طويلة. فهذه الإنابة تعطيه حقاً في التصرف، ولو أنفق في العناية بحديقة القصر أو بذل مالاً لشراء غذاء لحيوان أو طير فيه، أو قام بسداد فاتورة كهرباء ونحو ذلك، فله الرجوع على المالك مستحضراً هذا المبدأ.
وتبقى حالة العرف، في تعارف أهل بلد على رعاية ما يملكه الشخص الغائب من عقار ومنقول وأولاد، فالعرف محكم هنا، وما صرفه جاره في حفظ متاع جاره المسافر أو القيام على شؤون أهله أو ولادة زوجته وذهابها إلى المستشفى .. إلى غير ذلك؛ فإن استدعاء هذا المبدأ وارد خاصة لدى الغرب، وقد لا يكون معروفاً بين أهل هذه البلاد.
ختاماً، الفقه الإسلامي يقرر أن من دفع شيئاً ظاناً وجوبه عليه، فله الرجوع على من قبضه بغير حق. والفعل النافع هو الذي به بكون الإنسان دائناً لغيره وهو المعنون في كتب القانون بالإثراء على حساب الغير. يقول أحد الباحثين: الإثراء بلا سبب يحتاج إلى إثراء.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال