الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تاريخ السعودية مع الأمن الغذائي قديم. فالسعودية شبه قارة صحراوية تفتقر إلى موارد طبيعية ومتجددة من المياه. ولذلك كانت ومازالت تعتمد على استيراد الغذاء بشكل كبير. خلال الطفرة النفطية الأولى، التي بدأت في سنة 1975 وانتهت في سنة 1982، توسعت السعودية في زراعة القمح، حتى وصلت لمرحلة تصديره. ولكن هذه المشاريع أضرت باحتياطيات المياه الجوفية، لدرجة اضطررنا بسببها التخلي عن تحقيق الاكتفاء الذاتي. فلا يمكن تحقيق أمن غذائي في مصدر وتهديد مصدر آخر أكثر أهمية. فبدأ الاتجاه نحو تحقيق الأمن الغذائي من مصدره، عبر ضمان الإمدادات، بالاستثمار في الدول المنتجة للغذاء.
إلا أن أزمة كورونا وتعطل سلاسل الإمداد، وما حصل بعدها في الحرب الروسية الأوكرانية غير مجرى الحديث من الأمن الغذائي إلى السيادة الغذائية. فعلى الرغم من انخفاض جدوى الزراعة في الأراضي السعودية، إلا أنها باتت ضرورة ملحة للوصول إلى حد أدنى من الأمان. وذلك لأن الاعتماد على العولمة وسلاسل الإمداد العالمية بالكامل أثبت فشله خلال هاتين الأزمتين. فتجري اليوم الكثير من البحوث التي تعزز العائد من الزراعة في الأراضي الصحراوية وترفع من كفاءة استهلاك المياه وحتى استخدام المياه المالحة في الزراعة.
بالنظر إلى حساسية ملف الغذاء وأمنه وسيادته على الأمن القومي، وكيف أن الفائدة الاقتصادية أصبحت في درجة أقل أهمية من الأمن القومي، فإن ذات الأمر ينطبق على القطاع الالكتروني المعلوماتي. فكل شيء حولنا اليوم يعتمد بشكل وثيق وحيوي على الرقمنة. ليس من ناحية البرمجيات فقط، بل وحتى المعدات. وليس أدل على تصدر أخبار النزاع الصيني الأمريكي على تايوان من ذلك. فتايوان هي أهم مصدر لشرائح الكمبيوتر، والتي عندما توقف تصديرها أثرت على سلاسل إمداد العديد من الأجهزة وأهمها السيارات. لدرجة رفعت من معدلات البطالة في الدول التي تعتمد على صناعة هذه الأجهزة! مجرد خلل في بداية السلسلة، أفقد عامل يعيش في بلد يبعد آلاف الكيلومترات وظيفته.
الرقمنة المتسارعة وتبنيها مهم جدا لتنويع القاعدة الاقتصادية السعودية بعيدا عن النفط. ولكن التبني وحده لا يكفي. ولذلك ينبغي علينا البدء ببناء لبنات قطاع تقنية المعلومات في البرمجيات والمعدات. ليس بالضرورة أن يكون البدء في أعلى قمة الهرم التقني في برمجيات الذكاء الاصطناعي وبرمجيات اللغات الضخمة مثل شات جي بي تي، فهذه تحتاج إلى سنوات، بل وعقود من نقل الخبرة. إنما يمكن البدء في توطين صناعة شرائح الكمبيوتر من الأجيال السابقة.
خصوصا وأن هذه الصناعة لا تتطلب قوة عمل كثيفة، فهي مؤتمتة إلى حد كبير. أهمية هذا التوطين فائدته الأمنية أعلى من عائده الاقتصادي، ولذلك اطلق عليه مسمى السيادة الالكترونية. فنكرس له من الموارد ما يضمن لنا الحد الأدنى المطلوب من السيادة على احتياجنا من سلاسل الإمداد العالمية في التقنية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال