الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أعلنت المملكة مؤخراً – وبناءً على اقتراح المركز الوطني للتنافسية – انضمامها لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع (١٩٨٠، فيينا)، لتصبح بذلك الدولة رقم ٩٦ التي تنضم لهذه الاتفاقية. هذه الاتفاقية قام بإعداد النسخة الأخيرة منها وتطويرها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (UNCITRAL)، وجاءت نتيجة جهود دولية حثيثة بدأها المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص (UNIDROIT) في العام ١٩٣٠مستهدفاً إزالة العوائق القانونية في التجارة الدولية وتحقيق مستوى عال من الموثوقية والتنبؤية فيها من خلال إيجاد قواعد دولية موحدة تحكم عقود البيع الدولي. دخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ في العام ١٩٨٨ بعدد ١١ دولة منضمة فقط، واليوم تعتبر من أكثر الاتفاقيات التجارية الدولية نجاحاً، إذ انضمت إليها منذ توقعيها أضخم الاقتصادات العالمية و أكثر الدول فاعلية ونشاطاً في السوق العالمية، كما أنها أصبحت – من ناحية قانونية – بمثابة نموذج يستخدم عند صياغة الاتفاقيات التجارية الدولية ومراجعة القوانين المحلية.
الاتفاقية تتكون من أربعة أجزاء رئيسية، جميعها التزمت بها المملكة ما عدا الجزء الثالث. الجزء الأول من الاتفاقية عبارة عن أحكام عامة ومواد متعلقة بنطاق بتطبيق الاتفاقية، وفي هذا الجزء تنص الاتفاقية على أن أحكامها تطبق على عقود بيع البضائع بين أطراف توجد أماكن عملهم في دول مختلفة بشرط أن تكون دول الأطراف المتعاقدة من الدول التي انضمت إلى الاتفاقية، وأنها لا تسري على بيوع البضائع التي تشترى للاستعمال الشخصي وبيوع المزاد وبيوع الأوراق التجارية وبيوع السفن والطائرات. الجزء الثاني من الاتفاقية يناقش موضوع تكوين العقد، وكيف يحدث الإيجاب والقبول بين المتعاقدين، ومتى يجوز الرجوع عنهما، إلى غير ذلك مما يدخل في تكوين العقد. أما الجزء الثالث منها فيحدد التزامات كل من البائع والمشتري، ويوضح الجزاءات التي تترتب عند مخالفتهما لبنود العقد، وآلية التعويض، والفوائد التي يحق لأحد الطرفين المطالبة بها في حال لم يدفع الطرف الآخر الثمن أو أي مبلغ آخر، والحالات التي قد يعفى فيها أحد الطرفين من المسؤولية عن عدم تنفيذ التزاماته، بالإضافة إلى الآثار المترتبة على فسخ العقد. الجزء الأخير من الاتفاقية يتضمن أحكاماً عامة متعلقة بتوقيع الاتفاقية والتصديق عليها وقبولها والانضمام إليها. الجدير بالذكر هنا أن المملكة أعلنت التزامها بكافة أجزاء الاتفاقية ما عدا الجزء الثالث منها، وهو ما تجيزه الاتفاقية في البند الأول من المادة (٩٢).
انضمام المملكة للاتفاقية سوف يكون له أثر إيجابي كبير في تعزيز تنافسية المملكة وزيادة تواجدها في السوق الدولية نظراً لما تتمتع به نصوصها من حيادية إيجابية كبيرة. أولاً، تنص الاتفاقية على أن نصوصها واجبة التطبيق مالم ينص صراحة في العقد على استبعاد أحكامها. وبعبارة أخرى، فالقوانين المحلية لدول أطراف العقد لن تكون محلاً للتطبيق على العقود التي تبرم بين طرفين من دولتين عضوين في الاتفاقية إلا إذا تم الاتفاق على ذلك صراحة بينهما. هذا الأمر من شأنه أن يوفر على أطراف العقد جهداً كبيراً في تحديد القانون الواجب التطبيق، كما أن من شأنه أن يوازن بين مصالح أطراف العقد. ففي العقود الدولية عادة ما يفضل كل طرف تطبيق قوانينه المحلية أو قانون دولة أخرى على العقد سواءً فيما يتعلق بتنفيذ الالتزامات أو حل النزاعات التي قد تنشأ عن العقد، وعادةً ما تكون الغلبة للطرف الأقوى اقتصادياً في العقد، وهذا قد يؤدي إلى إحجام بعض الشركات – خاصة الصغيرة والمتوسطة – عن الدخول في عقود من هذا النوع خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الاستعانة بمستشارين قانونيين مؤهلين.
ثانياً، نصت الاتفاقية في البند الأول من المادة (٧) أن نصوصها يجب أن تحتفظ بصبغتها الدولية، وألا تفسر وفقاً للقوانين الداخلية والقضاء المحلي في دول أطراف العقد. وبالتالي فإن القضاء يجب أن يراعي عند تفسير نصوص الاتفاقية أنها وليدة جهود دولية، وأن هذا النص ما وضع إلا لتحقيق نوع من الانسجام القضائي الدولي عند تطبيق نصوصها. وعليه، فالقاضي أو المحكم عند تفسير نصوص الاتفاقية يجب أن يعود لنصوص الاتفاقية لإيجاد نصوص مباشرة يمكن تطبيقها على النزاع، وفي حال انعدامها أو في حال غموض النص فيجب عليه أن يرجع إلى المبادئ العامة للقانون التجاري الدولي والأحكام القضائية السابقة التي قامت بتفسير بنصوص الاتفاقية دون اللجوء إلى القانون المحلي. هذا من شأنه أن يحقق الحياد المنشود وأن يحافظ على مصالح أطراف العقد.
أيضاً، الاتفاقية لا تحدد طريقة معينة لحل النزاعات التي قد تنشأ عن تنفيذ عقود البيع الدولية. بعبارة أخرى، الاتفاقية لا تجبر أطراف عقود البيع الدولي ممن يخضعون لأحكام هذه الاتفاقية على اللجوء للمحاكم المحلية والقضاء التقليدي لحل النزاعات التي قد تنشأ عند تنفيذ تلك العقود. فأطراف العقد لهم حرية الاختيار في تحديد الجهة التي تنظر في نزاعاتهم، وبالتالي فلهم اللجوء إلى القضاء التقليدي والمحاكم المحلية، ولهم حرية اختيار وسائل بديلة مثل التحكيم والوساطة. ومما لاشك فيه أن التحكيم بالذات خيار مفضل في مثل هذا النوع من العقود لما يتمتع به من سرعة وانخفاض في التكلفة مقارنة بالقضاء التقليدي.
وختاماً، فإن انضمام المملكة لهذه الاتفاقية من المتوقع أن يكون له أثراً إيجابياً في تعزيز تنافسية المملكة وتواجدها في السوق العالمية نظراً لما تتمتع به نصوص الاتفاقية من حيادية كبيرة توازن بين مصالح أطراف العقد، ونظراً لانضمام أكثر الدول فاعلية في السوق العالمية لها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال