الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رحلة التأمين في السعودية بدأت بجدل فقهي ما بين مؤيد ومعارض ومحايد حول كيفية عملها في مجتمع كان يردد دائما العوض على الله والمسامح كريم، ورغم البدايات الخجولة في السبعينيات الميلادية من خلال وكالات وفروع لشركات اجنبية، ظهرت 3 شركات تامين سعودية في منتصف السبعينيات وهي التأمين السعودية وبعدها ظهرت البحر الأحمر للتأمين والسعودية المتحدة.
وبعد مشاورات عديدة من المشايخ ورجال الدين، وافقت هيئة كبار العلماء ان التامين التعاوني ” التبادلي هو صورة من عقود التبرع واعتبرته مقبولا في الشريعة الإسلامية كان ذلك في عام 1977، وبعد هذه الاجازة الشرعية، وبعدها بنحو عقد من الزمان تأسست الشركة الوطنية للتأمين، والتي اطلق عليها فيما بعد “التعاونية للتامين” بهدف التامين على المشروعات الكبرى والاحتفاظ بنسبة كبيرة من أقساط التأمين داخل السعودية، وكان هذا التأمين التعاوني هو الشكل الذي يقدم من خلاله التأمين في البلاد وذلك لجوازه من الناحية الشرعية بخلاف التأمين التجاري، واستمرت شركات التأمين الأجنبية في العمل داخل السعودية كوسيط بين المفوض عليهم وشركات أعادة التأمين في الخارج.
تغير شكل قطاع التامين في السعودية في مطلع الالفية الثانية وتحديدا في 1999، عندما صدر امر ملكي بإنشاء نظام الضمان الصحي التعاوني، وأيضا تطبيق نظام التأمين على رخص السائقين، وفي 2005 صدر نظام مراقبة شركات التامين التعاوني ووضع إطار عام لممارسة التأمين في السعودية، وفي نفس العام أسندت لمؤسسة النقد” البنك المركزي حاليا” متابعة واشراف على هذا النشاط، ومنحت هذه الشركات فترة انتقالية مدتها 3 سنوات لتصحيح أوضاعها وفق نشاط التأمين التعاوني، وعلى اثرها تقدمت شركات جديدة للحصول على الترخيص وفقا للنظام الجديد وهو التامين التعاوني.
ما بين مد وجزر وحلال وحرام ضجت بها وسائل الاعلام المحلية، استطاع قطاع التأمين في السعودية ان يشق طريقه، أولا بعزيمة وإصرار القيادات السعودية التي حرصت ان تبقى البلاد مواكبة لكل التطورات، وأيضا تفتح الأبواب مشرعة امام الشركات العالمية والأجنبية انما كان ينقصها التشريعات والأنظمة في قطاع التأمين، وبالفعل رغم البدايات الصعبة لقطاع التأمين الا انه استطاع خلال فترة وجيزة ان ينمو بشكل لافت، ونما قطاع التأمين الصحي لتتجاوز استثماراته حاليا نحو 200 مليار ريال، وتضاعف حجم سوق التأمين الصحي لنحو 20 مرة خلال السنوات العشر الماضية، وساهم في انشاء نحو 6 الاف مرفق صحي.
وقبل ايام قرر مجلس الوزراء السعودي انشاء هيئة للتامين فقد دفع هذا القطاع نحو المزيد من الطمأنينة للمتعاملين معه وخاصة فيما يتعلق حماية حقوق المؤمن لهم والمستفيدين من خدمات التامين سواء كانوا افرادا او شركات من خلال تطبيق معايير عالية الشفافية والحوكمة والافصاح وضبط سوق التأمين، واجراء التحقيقات والتدقيقات اللازمة وفرض الجزاءات على المخالفات.وفضلا عن ان هذه الخطوة تستهدف تحويل السعودية الى مركز إقليمي وعالمي للخدمات المالية والتأمين، فإنه يسهم في زيادة مساهمة قطاع التامين في الناتج المحلي غير النفطي وتوفير خدمات تأمينية عالية الجودة للشركات والافراد، ويدفع قيام هيئة للتأمين بناء شراكات وتحالفات مع الجهات المحلية والإقليمية والدولية، وجذب الاستثمارات والخبرات الى القطاع، فضلا عن دعم الاندماجات والاستحواذات بين شركات التأمين وتوسيع نطاق الخدمات المقدمة للعملاء، و يسهم في الانفتاح على الأسواق الخارجية والمشاركة في المشروعات الإقليمية والدولية.
من المهم جدا ان تتمكن هيئة التأمين التي أنشئت حديثا ان تأخذ موقعها بشكل جيد وتبسط مكانتها وثقة المتعاملين مع قطاع التأمين، من اهم التحديات التي تواجه هذا القطاع هو ضعف الوعي بالحاجة الى التأمين في كثير من الأنشطة، ما جعل التنوع في الخدمات التي تقدمها شركات التأمين محدود الخيارات، بينما تشكل المخاطر المرتبطة بالجرائم الالكترونية بعض المصاعب، فيما تشكل تأخر ورفض بعض شركات التأمين في تسديد المطالبات او تعويضات الحوادث او المرض او الوفاة امرا مقلقا للمتعاملين مع هذه الشركات.ويرى الكثيرون ان عدم وضوح او دقة الشروط وبنود حقوق وواجبات عقود التامين وخاصة من كبار السن وغير المتعلمين، يعرضهم لهضم حقوقهم، فضلا عن ارتفاع أسعار التامين او تغيرها دون اخطار او مبرر، وضعف خدمة العملاء وغياب المهنية، وبطء التجاوب على اتصالات واستفسارات العملاء وخاصة في الحالات الطارئة. وغيرها من الملاحظات والشكاوى.
من الضروري إذا أردنا ان نكون في مصاف الدول التي تدفع بهذا القطاع الى نمو سريع وثقة الناس، فإنه يجب ان نحرض على جودة الخدمة وتنوع الخدمات وفرص المنافسة، وتقاس قوة الدول في قطاع التامين من خلال مؤشرات مختلفة من أهمها حجم السوق والكثافة القطاعية والايرادات والارباح والتغطية والجودة والابتكار، ونحن على يقين ان هيئة التامين سوف تحرص على كل هذه المقترحات وتصل بنا الى رحلة الابتكار وتحسين الخدمة بعدما عانينا صعوبة البدايات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال