الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يتنافس جيل الشباب (من الجنسين) في أن يشاركوا في حراك التطور الحاصل بالمملكة العربية السعودية، ومنهم فئة – ذات طموح عالٍ جدا – يتزاحمون على المناصب القيادية في مؤسسات القطاع العام، أو كمستشارين في إدارات الشركات وريادة الأعمال في القطاع الخاص، واليوم تتزاحم هذه الفئة على باب تخصص الاقتصاد تحديدا، نتيجة قناعة غير ناضجة بأن من خلال هذا الباب – الأهم ادعاءً – يمكن لهم أن يقدموا الحلول النوعية للمشاكل ومواجهة التحديات، وقيادة المؤسسات والمشاريع، بينما يهملون علوماً اجتماعية أخرى هي أيضا مهمة وتساهم في نمو الاقتصاد وتنمية المجتمع.
على الكثير من الجيل الشاب الطموح التنبه إلى بعض الأمور عند اختيار التخصص، أولها هو أن كل العلوم الاجتماعية تطورت عبر الزمن، ابتداءً من نتاج ما قدمه الفلاسفة اليونانيين القدماء مثل “أفلاطون” و “أرسطو” و “هيرودوت” و “ثوكيديديس” و “زينوفون”، وبعد هذه المحطة الأولى الأساس، كانت محطة ابن خلدون المفصلية في وضع أسس علم الاجتماع، لتكون نقطة الدفع لتطور عدة مواضيع مرتبطة بحياة الفرد والمجتمع والمؤسسة، ومنها ما عرف لاحقا باسم “الاقتصاد”، ومع نمو النشاط التجاري بين الدول – بداية من القرن الخامس عشر ميلادي – نمت حيثية الفكر الاقتصادي لخدمة التجارة البينية بين الدول وقتها.
حديثا، ومع ثراء مساهمة أسماء مهمة في هذا التوجه أمثال “سميث” و “روسو” و “جون لوك” ظهرت فكرة الاقتصاد ذاتي التنظيم، وتطور ما يعرف بالاقتصاد الكلاسيكي، ومعهم “كارل ماركس” و “جون مينارد كينز” الذين ساهموا في إثراء الفكر الاقتصادي ما بين نقد “ماركس” للنظرية الرأسمالية وليصنع النظرية الماركسية، و “كينز” الذي ركز على الاقتصاد الكلي ومتغيراته، وليصنع هو أيضا مدرسته الفكرية باسم الاقتصاد الكينزي، ومنها كان حراك تطور الاقتصاد كعلم وفكر حديث نراه اليوم.
هذا التطور في المادة العلمية، جعل بعضاً ممن أسرهم الغرور كاقتصاديين (أو محسوبين على الاقتصاد) – وهي مسألة أقلقت أساتذة نظرية الأسس الأخلاقية منذ عام 1991 وفي مقدمتهم “البروفيسور نورمان بوي” لخطورة مخرجاتهم الفكرية – يروجون لفكرة أن “الاقتصادي” هو أهم شخص في برامج النمو الاقتصادية والتنمية الاجتماعية، والشهادة في هذا التخصص هي تذكرة المرور المضمونة للمناصب القيادية وفي أسرع وقت.
بالرغم من أهمية الاقتصاد – كعلم وفكر – إلا أن بمفرده لا يكفي لخدمة المجتمع والمؤسسة، فهو عنصر ضمن منظومة فكرية متكاملة، فيها مشاركة ثرية من المعرفة في علم تطور سلوك ونمط حياة الإنسان (الأنثروبولوجيا) والعلوم السياسية وعلم النفس وعلم الاجتماع والتربية والتاريخ والتنمية البشرية واللغويات والقانون.
هذه المنظومة الفكرية المتكاملة هي من تكون قادرة على تقديم الدراسات الوافية من كافة الزوايا بفهمٍ واعٍ وعريضٍ لكيفية تحليل سلوك عناصر المجتمع وأيضًا سلوك ودوافع الآخرين، واستكشاف المشاكل والتحديات ووضع الحلول الناجعة والشمولية، مثل محفزات النمو الاقتصادي ومعالجة البطالة، ووضع السياسات العامة، وبرامج التعليم، والتصميم الحضري، واستراتيجيات التسويق، وكيفية إنشاء برامج وبناء مشاريع وإدارة مؤسسات أكثر فعالية، والعديد من المواضيع الأخرى.
على أبنائنا وبناتنا التنبه إلى أن الوطن يعيش أضخم مشروع تطويري في شق طريقه نحو مكانه الطبيعي بين الدول المتقدمة مستقبلا، وهو بحاجة ماسة لهم، ولكن أن الاقتصاد – كشهادة وعلم وفكر – فقط من يتمتع بالكعب العالي، هو اعتقاد مغلوط، فكل تخصصات العلوم الاجتماعية تتساوى في الأهمية لأنها تُكامِل بعضها، ومطلوبة لدعم القطاعين العام والخاص.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال