صندوق الاستثمارات العامة والحديد والصلب.. الملف الاستراتيجي

أعلن صندوق الاستثمارات العامة في 3 سبتمبر 2023 عن عمله لتأسيس شركة وطنية لصناعة الحديد والصلب عالية الجودة، بالشراكة – من خلال الاستحواذ – مع الشركة السعودية للحديد والصلب (حديد) التابعة إلى “سابك” وشركة الراجحي للصناعات الحديدية (حديد الراجحي)، بقيمة إجمالية تقدر ب 12.5 مليار ريال سعودي، وقد أثار هذا الخبر فضول الكثير لمعرفة ما وراء هذه الخطوة التي لابد أن تُقرأ – أولا – من منظور رؤية المملكة 2030.

تَوَطِّد صناعة الحديد والصلب مكانتها في تحقيق الاكتفاء الذاتي والحفاظ على الأمن الاقتصادي، لأنه يقود إلى تخفيض مستوى الاعتماد على الاستيراد، ويضمن توفر الموارد اللازمة في حالة حدوث أزمات عالمية أو تقلبات في أسواق السلع الأولية، خاصة مع ما هو حاصل اليوم من إعادة رسم ملامح الاقتصاد العالمي، خاصة فيما يتعلق بالمواد الصناعية الأساسية والتحكم فيها، وأيضا كمصدر مهم في إيجاد فرص عمل وفيرة في القطاعات الصناعية، سواءً لأفراد المجتمع المهرة وغير المهرة وفي مختلف المستويات، مما يساهم في تحسين مستوى المعيشة وتعزيز التنمية الاجتماعية.

هنا يمكن إدراك لماذا دولا صناعية كبرى تعتبر صناعة الحديد والصلب مسألة مصيرية في تواجد صناعتها وتجارتها وتنافسيتها على المستوى المحلي والدولي، مثل الصين أكبر منتج ومصدر للحديد والصلب في العالم، وأيضا الولايات المتحدة وروسيا والهند وتركيا والبرازيل، وألمانيا التي تستثمر في هذه الصناعة حتى أصبحت تملك قطاعا صناعيا قويا ومتقدما، واليابان التي تعتبر هذه الصناعة من الصناعات الرئيسة فيها، وكوريا الجنوبية التي أصبحت من الدول المتقدمة جدا في تقنيات هذه الصناعة.

لذلك، فإن صناعة الحديد والصلب للمملكة العربية السعودية – في ظل تواجد سوق محلي وخليجي وأسواق أخرى إقليمية متعطشة لهذا المنتج – تتعدى فردية المجهودات نحو التكاملية، فهي مسألة استراتيجية لبناء اقتصاد عضوي (منتج)، فالحديد والصلب مادتين أساسيتين في بناء البنية التحتية، مثل الجسور والمباني والطرق والسكك الحديدية والموانئ، وتعتبر هذه الصناعة المورد الأساسي للعديد من الصناعات التحويلية مثل المركبات الثقيلة والسيارات والطيران، والآلات والمعدات، والبناء والتشييد المعماري، والطاقة، والعبوات والتغليف، وغيرها من الصناعات مثل الأدوات الكهربائية وإلكترونيات المنازل، والأدوات الزراعية، والأجهزة الطبية، والعلمية والمختبرية، والأدوات الرياضية، والألعاب والترفيه، وغيرها. 

ومع خطط تطوير قطاع الطاقة، تلعب صناعة الحديد والصلب دورًا حيويًا في دعم قطاع النفط والغاز في المملكة، حيث يتم استخدام الحديد والصلب في بناء وصيانة المنشآت النفطية والغازية مثل المنصات البحرية، والأنابيب، والمعدات والأدوات اللازمة لعمليات الاستخراج والتكرير، وأيضا صناعة الأجهزة والمعدات العسكرية والدفاعية، مما يؤدي إلى تعزيز الإنتاجية في هذه الصناعات الاستراتيجية والحساسة جدا للمملكة.

من هذا المنظور الأولي، يُمكن أن يُرى مدى أهمية هذا التوجه، وشيء مما وراء إنابة صندوق الاستثمارات العامة – وهو مُمكِّن النمو الاقتصادي الأول في المملكة – في إدارة ملف صناعة الحديد والصلب الاستراتيجي، لما لهذه الصناعة من أهمية قطعية في تقوية الاقتصاد المنتج وتحقيق التنمية المستدامة، وتحسين الأداء البيئي وكفاءة الإنتاج لهذه الصناعة، وتوفير فرص عمل، ودعم الصناعات الأخرى، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز الاكتفاء الذاتي والأمن الاقتصادي، والمساهمة في التصدير وتحسين الرصيد التجاري.