الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
وضع كاي فو لي في كتابه الصيّت “قوى الذكاء الاصطناعي العظمى – الصين ، ووادي السيليكون والنظام العالمي الجديد” صورة مثيرة للسباق الدولي نحو مستقبل مسيطر عليه بالكامل من تطبيقات الذكاء الاصطناعي. الكتاب الذي يُسلط الضوء على تاريخ هذا الاستذكاء الصناعي، يقارن باستمرار الحالة الصاعدة التي تمثلها الصين المتفوقة في البيانات، بالحالة المهيمنة التي تمثلها الولايات المتحدة المتفوقة في الخوارزميات.
ولكل مهتم بالسياسة الرقمية واقتصادها، يمكن تلخيص الكتاب إلى خمسة أفكار رئيسة، أن الصين حسمت أمرها لتكون القوة العظمى في صناعات الذكاء الاصطناعي وبحوثه التطبيقية بحلول 2030، وأنه عصيّ على الغرب أن يشق غبار الابتكار الصيني الذي تموله الحكومة وتغرق به السوق شركات ناشئة لشباب ولدوا لآباء مروا بظروف صعبة للغاية، وأن عالم الصين السيبراني المغلق على أكثر من مليار إنسان نوّلها في البيانات ميزة تنافسية فائقة وسرعة في إغراق السوق بتطبيقاتها، وأن هذا التفوق الصيني استفزازي وغير مرحب به في الولايات المتحدة ولا في الغرب فلابد من مخطط للتعايش بدلا من التسابق نحو التفوق المطلق والسيطرة، والفكرة الأخيرة الأبرز المليئة بالكآبة، ومحور هذا المقال، أن المستقبل المظلم لصراع قوى الذكاء الاصطناعي العظمى أقرب مما نتصور، سواءً بالتصادم فيما بينها، أو في تجاهلها معالجة الآثار المدمرة التي ستعصف بمؤسساتها الداخلية وأفرادها من إنتاج واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فقط من أجل الهيمنة، والتفوق، والسيطرة.
فإنتاج واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي زلزال عملاق خفي قد انفجر في أعماق المحيط البعيد، وكثير من مؤسسات الأعمال لم تتهيأ أو لم تشعر بمدّه المدمر بعد على أعمالها ولا على أفرادها، لكن تسونامي هذا الزلزال لابد له من أن يحيق بالجميع يومًاً، قاذفًا بحفنة قابضة من هذه المؤسسات إلى القمة، قبل أن يسحب في جزره البقية إلى هاوية الإفلاس والتلاشي!
بحسب لي فسيكون أثر هذا الزلزال واقعا مرًا ملموسًا قبل نهاية هذا العقد.
وفي المؤسف أن المؤسسات المتلاشية هي كل منشأة كثيرة الاعتماد على العنصر البشري، ولا يعني هذا العمال فقط الذين ستحل بالتدريج مكانهم الآلات ذاتية التشغيل، بل في مقدمتهم زُمر كثيرة فيها الأساتذة والجراحون والكتاب والرسامون والمحامون والمحاسبون وكل الوظائف التي تتطلب جانبا ابتداعياً كنا نظنه بمفازة عن تغول الآلات، ما يعني أن تفيض البطالة بالحلول التي تعرفها الدولة الحديثة اليوم لمكافحتها.
إن فائض البطالة، وهو الخطر الأبرز على المدنية من تسنم تطبيقات الذكاء الاصطناعي قطاعات التجارة والصناعة والتعليم والصحة وباقي الخدمات، لا يخسف فحسب بالأجور بسبب تنافس الكثير على القليل، لكنه يرمي الأكثرية في براثن الفقر، حيث الجوع وفقدان المعنى وتفشي الأمراض النفسية وانهيار الأخلاق فالجريمة من جناة جدد فائقي التعليم مسلحين بالخيبة و مشاعر السخط والانتقام، وهي أمور حين تخرج عن السيطرة، فإنها ذاهبة لامحالة بالمدنية والتحضر!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال