الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في كواليس الأحاديث داخل عالم الاعمال دوماً يتكرر السؤال الأزلي : ماهي المنظمة الناجحة ؟ وماهي المعايير الضابطة لنجاح منظمة من فشلها ؟
وداعي هذا السؤال المتكرر على مر الزمن أن هناك منظمات كانت في قمة القمة وفجاءة لأسباب معروفة وغير معروفة تجدها تتبخر وكأنها سراب .
فتجد الفكر القيادي في أي منظمة يحاول أن يجيب على هذا السؤال لكي يضمن نجاح منظمته.
لذلك خرجت رؤى تتبنى أن المنظمة الناجحة هي المنظمة المستمرة ! وخرجت رؤى أخرى ترى أن الربحية هو دليل على نجاح المنظمة ! وخرجت رؤى بأجوبة إنفرادية وكأن جواب هذا السؤال يجب أن يكون مفرداً وسحرياً .
وأصابت رؤى أخرى في نظرتها أن المنظمات الناجحة هي مزيج من عوامل تصنع النجاح بالاجتماع وليس بالإنفراد .
وهذه العوامل تتشابه لحد كبير وتكاد تكون هذه العوامل هي معظم إجابات المنفردين والقائلين بفردية الجواب , سواء كان استمرارية أو ربحية أو التجدد والتغيير أو غيرها .
ما أعتقده شخصياً أن النجاح التنظيمي ليس أهم ما فيه عوامله وتحديدها بل أهم ما فيه هو ضبطه وإجادة ترابطه , أو بالأصح هو صياغة خطته الإستراتيجية المتجددة .
فحينما تذيب المنظمة بنفسها كافة عوامل النجاح المرجوة وتضخها في خطتها الإستراتيجية معبرة بفهم عميق من الداخل لكافة مجالات نشاطها , فحتماً ستسلك طريق النجاح فعلياً.
كل منظمة تضع مجالات تركيزها المرجوة سيحملها ذلك بلا شك لإيجاد اهداف إستراتيجية تدعم كل مجال تركيز , وبالتالي سيولد الفهم الداخلي ( داخل الشركة من موظفين وقيادات ) مقاييس لهذه الأهداف الإستراتيجية .
هل انتهت القصة ؟ لا
للأسف كثير من المنظمات لا تربط أهدافها الاستراتيجية بالمستهدفات التشغيلية , فتجد كثير من المنظمات ترصد هدفها الإستراتيجي ومقياس الهدف ثم تقف عند هذا الحد وترمي الكرة في ملعب الكادر التشغيلي من ما يلي الرئيس التنفيذي وهذا يجعل الكادر التشغيلي لدى المنظمات يبحر في بحر ملئ بأمواج ترجل المبادرات والافكار لكي يحاول ان يصل للحد اللازم من الهدف الاستراتيجي .
فتجد أن منظمة X تعلن عن 20 مبادرة تشغيلية كل او أغلب نواتجها لا يخدم المستهدف التشغيلي ولا يفيده , وبالتالي لا يتحرك مقياس الأداء الخاص بالمستهدف التشغيلي وهذا مما يجعل الوصول للهدف الاستراتيجي صعب المنال , والأطم أن هذه المبادرات كلفت مالاً ووقتاً وجهداً ولم تحرك ساكناً .
او أن توضع مستهدفات تشغيلية لا تصب في مصلحة الهدف الإستراتيجي , وهنا يكمن أكبر خلل تقع فيه المنظمات والوزارات والشركات كبرت أو صغرت .
الخطة الاستراتيجية هي أغنية مترابطة الأركان ذات رتم جميل لا نشاز فيه , موزونة موسيقياً ببراعة , كل بيت قصيد منها وكل نغمة تخلق رونق خاص يغذي الرونق العام .
يجب أن يؤديها الجميع بداية من أصغر منصب في المنظمة نهاية بمجلس الإدارة.
أغنية تبدأ بمجال التركيز الذي يصيغ بإبداع أهدافه الاستراتيجية ومن هذه الأهداف تصاغ المستهدفات التشغيلية ومن المستهدفات تصاغ المبادرات الدافعة لكل هدف تشغيلي .
متى ما وجد القيادي البارع والعازف المحنك الذي يبدع هذه القصيدة المغناة ويربط بين أركانها لخدمة عوامل النجاح , فهذه المنظمة التي يتقلدها حتماً ستسير في طريق الاستمرارية والربحية والبيئة المتكاملة ومقاومة النازلات والتذبذبات .
ولا ننكر أن هناك منظمات لديها خطة إستراتيجية في منتهى الروعة لكن للأسف لا نرى جمال هذه الخطة منعكساً على الواقع , بسبب أن هناك تفاوت في فهم الاستراتيجية أو عدم تحديد المسؤولية في كل شاردة وواردة فيها .
أو نرى خطة استراتيجية لم يتشربها أصحابها , ولم يفهموها , هي فقط خطة في رؤوس الإدارات العليا ولا يعرف الكادر التشغيلي منها إلا صيغ الأمر والنهي فيها .
حينما سئل عامل النظافة في وكالة ناسا عن ماهية عمله أجاب :” أنا أعمل هنا لإرسال أول إنسان الى القمر “
هل هو مخطئ ؟
بلا شك لا , فهذا هو الهدف العام من الوكالة الامريكية الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا).
أخيراً وليس آخرا , تأتي الأتمتة بدور مهم في كل إستراتيجية , حيث انه من الضروري أن تُحكم أي استراتيجية بترابط آلي يضبط مدخلاتها ومخرجاتها , ويبين مدى الإنجاز في كل عنصر من عناصرها , ويستمد الأرقام الحقيقية من المولدات الفعلية .
فأكبر عيوب الاستراتيجيات أنه يمكن لأي شخص قرأ كتاب ( كيف تكذب في الإحصائيات لدرايل هوف how to lie in statistics ) أن يقلب أي رقم لصالحه سلباً أو إيجاباً .
تخيل أنني رئيس تنفيذي وقمت بإفادة أمام مجلس إدارة الشركة التي أعمل بها وقلت فيها :” أن 75% سعداء من طريقة إدارتي للشركة “! نتيجة رائعة أليس كذلك ؟
لكني لم اخبرك أن المشاركين في الاستفتاء كانوا أربعة فقط من الموظفين من أصل 35 موظف رفض بقيتهم المشاركة وأن نسبة 75% هي النسبة بناء على الأربعة موظفين فقط .
الأرقام لا تكذب كما يقال , لكن مكونات الأرقام قد تكون مشوهة او مضللة , او انتقائية الشرائح تكون منحازة .
لذلك تبرز موهبة القائد الذي لا يقف فقط أمام الرقم بل يعرف بإلمام مما تكون هذا الرقم , وماهي ماهية وتركيبته .
وكما يقال ( النجاح لا يمكن أن يحدث صدفة ).
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال