الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نعيش في عالم يتسم بسمات عدة ومختلفة وأهمها سرعة التغيير والعولمة، حيث أصبحت العلاقات بين الدول منظمة بشبكة معقدة من القوانين، والمعروفة باسم القانون الدولي.
يظهر القانون الدولي في أشكال مختلفة ولعل أبسطها عندما تبرم دولتان اتفاقًا بينهما والذي يسمى بالاتفاقية الثنائية، أو بالمثل، عندما تبرم أكثر من دولتين اتفاقًا والذي يسمى بالاتفاقية متعددة الأطراف. ومن الأمثلة البارزة على الاتفاقية متعددة الأطراف والتي تحظى بقبول عالمي واسع ميثاق الأمم المتحدة.
حري بالذكر أن الاتفاقيات متعددة الأطراف يمكن أن تكون اتفاقيات إقليمية أيضا. على سبيل المثال، اتفقت دول مجلس التعاون الخليجي على العديد من القوانين التي تحكم علاقاتها التجارية والعلاقات الاقتصادية بين دول المجلس.
والفرضية الأساسية في القانون الدولي هي أنه قانون بين “متساوين” وأنه “لا يمكن معاملة المتساوين معاملة غير متساوية”. إلا أن ترجمة هذه المبادئ على أرض الواقع تختلف اختلافًا كبيرا حيث تُحدد المكانة العالمية لأي دولة من خلال عوامل مثل قوتها الاقتصادية والعسكرية. وفي هذا الشأن، نجد أن الأغلب الأعم من قواعد وقوانين القانون الدولي تطورت وقننت في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة الغرب حيث مارست دولة دورًا هامًا في تطوير القانون الدولي وهي تتمتع بنفوذ غير متناسب في الشؤون العالمية.
من مبادئ القانون الدولي في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية حظر استخدام دولة ما للقوة ضد دولة أخرى وقصره على حالات الهجوم المسلح. وبعبارة أخرى، ما لم تكن دولة ما ضحية لهجوم مسلح، فإنه لا يحق لها استخدام القوة في مواجهة الدولة المعتدية.
وبالنظر إلى الحظر القاطع على استخدام القوة بموجب القانون الدولي و الوصمة التي تلحق بالدولة المعتدية، سعت الدول للانخراط في نوع آخر من الحروب وتطبيق وسائل صراع أخرى تُعرف أيضا باسم “الحرب القانونية”.
بعبارات بسيطة، تعني عبارة “الحرب القانونية” استخدام القانون كسلاح. من خلال الانخراط في الحرب القانونية، تستخدم الدول قواعد القانون الدولي كسلاح ضد بلد خصم لتحقيق هدف عسكري أو غير عسكري وتتميز هذه الحرب بأنها حرب بلا رصاصات ولا أسلحة فعلية ومع ذلك فإنها تفضي لنتائج مماثلة في الوقت الحاضر تحققها الدول التي تشارك في الحرب القانونية الناجحة.
لقد حلت الحرب القانونية، من نواح كثيرة، محل ساحة المعركة المادية في القرن الواحد والعشرين حيث عوضًا عن الحرب والاقتتال، تشارك الدول في معارك قانونية متعددة ساحاتها المنظمات الدولية وقاعات المحاكم الدولية. وعوضًا عن الجنود يقود الصراع محامون وصانعو سياسات مدربون على إلحاق خسائر قانونية ودبلوماسية بالدولة الخصم. لقد أصبحت أسلحتهم القلم والحبر (التخطيط الاستراتيجي) وصار حقًا أن القلم أمضى من السيف مع عواقب أكثر تدميرًا.
يمكننا بسهولة ملاحظة انتشار توظيف الحرب القانونية في العديد من المجالات التي تشمل القانونية والاقتصادية والمعلوماتية وما شابه ذلك. وباستخدام الحرب القانونية، تسعى الدول للاستحواذ على “مساحة استراتيجية” ضد الدولة الخصم – وهو أمر كان يتحقق سابقًا من خلال الحرب. ومن الأمثلة البارزة على نجاعة الحرب القانونية ونجاحها تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من فرض عقوبات على إيران والتي أفضت لعواقب وخيمة وخطيرة على الاقتصاد الإيراني.
علاوة على ما تقدم، فالمعلومات والمعلومات المضللة هي أيضا أشكال من القوانين التي يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على الدولة المستهدفة، فالمعرفة سلاح والمعلومات قوة. تفرض الدول قوانين المعلومات من خلال وسائل الإعلام الصديقة أو المتحالفة لتشكيل السرد للإضرار بمصداقية دولة أخرى وقادتها. تستخدم الدول الغربية بشكل روتيني قانون حقوق الإنسان من خلال شبكتها من المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لممارسة الضغط الدبلوماسي على غيرها من الدول. وغالبًا ما ينتهي الأمر بالدول المستهدفة التي تفتقر لاستراتيجية قانونية خاصة بها للدفاع ضد مثل هذه الهجمات إلى تكبد ثمن باهظ. وبما أن القانون أصبح هو القاعدة في عصر اليوم، فإن توظيف القانون الهجومي والدفاعي يجب أن يكون جزءا لا غنى عنه من ترسانة فن الحكم في أي دولة.
كما أن الدول التي طورت خبرة محلية في مجال القانون تستخدمها بشكل روتيني لجر البلدان المتخاصمة إلى دعاوى قضائية مكلفة وطويلة الأمد (مثل التحكيم) في المحاكم الدولية. أصبحت المنظمات الدولية أيضا ساحة معركة مشتركة للحرب القانونية. يمكن للدولة التي استثمرت في فهم القانون وتنفيذه أن تخفف من أثر الحملات التي تستهدفها. وعلى العكس من ذلك، فإن الدول التي لم تأخذ القانون على محمل الجد تدفع تكاليف كبيرة، سواء من الناحية المالية أو من ناحية سمعتها.
خذ حالة دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين. وقد استثمرت جميع هذه البلدان في تطوير مذاهب القانون وفي نشر المعرفة القانونية بين صفوفها العسكرية والمدنية. دون علم الكثيرين، الصين هي الرائدة عالميا في مجال المحاماة. في الصين، تم تضمين القانون في القيادة العسكرية والهياكل المشتركة بين الوكالات. ونتيجة لذلك، يتم استكمال جميع المبادرات العسكرية والسياسية والدبلوماسية الصينية بالقانون لتحقيق أقصى قدر من التأثير.
منذ بداية رؤية 2030، خطت المملكة العربية السعودية خطوات كبيرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. المملكة الآن موضع حسد العالم وملتقى نظراتهم واهتمامهم. ومع ذلك، فمن المحتم أنه مع هذا التقدم الكبير، ستواجه المملكة أيضا تحديات قانونية جديدة. في رأيي، لقد حان الوقت لأن تتبنى المملكة بشكل استباقي مفاهيم الحرب القانونية كحقيقة لا مفر منها وأن تتخذ خطوات ملموسة نحو وضع أول استراتيجية قانونية دولية خاصة بها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال