الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما أُّمر نبي الله نوح عليه السلام ببناء سفينة في قلب الصحراء، استهزأ به الناس وتجاهلوه، حتى ابنه لم يؤمن به. لم تستوعب عقولهم الفائدة من بناء سفينة من الواح ودسر في وسط الرمال. لا شك بأن نوح ومن أمن معه كان لديهم ايمان ورؤية واضحة وهدف محدد، بيد أن الإنسان عدوًا لما يجهله. اليوم في نيوم الحكاية أكثر وضوحا. فالبناء أخرج شطأه فآزره فاستغلظ ويكاد ان يستوي على سوقه..
ايقنت أن كل شيء في نيوم تم دراسته بعناية فائقة. الخطط تسير بسلاسة تامة، تمامًا كتدفق الماء في الجعفر. كنت مثل الكثير من الناس متعطشا لمعرفة المزيد عن مشروع نيوم، متعجبا!، كيف يمكن لأي بلد، بغض النظر عن قوته التنظيمية والاقتصادية، أن يبني كيانًا ضخمًا خلال 13 عامًا فقط؟ أليست هذه فترة قصيرة لإنجاز مشروع ضخم مثل نيوم؟، خاصةً وأنه يتم إنشاؤه في وادٍ غير ذي زرع. منذ عام 2017، نسمع عن هذا المشروع الرائع وعن مدينة الأحلام (ذا لاين) التي لا يمكن للعقول البسيطة أن تستوعبها. مدينه نموذجية بعرض 200 متر وارتفاع 500 متر وطول 120 كيلومتر، مفترض أن تكون نظيفة وخالية من الكربون وصديقة للبيئة. عندما سئل المهندس نظمي النصر – الرئيس التنفيذي لنيوم – عن مستقبل نيوم قال بلا تردد أن كل جزء من نيوم سيعكس تناغما بين المجتمع والبيئة، ويعمل على تحسين تواصل الانسان مع الطبيعة. بالضبط عندما تزور نيوم، حتما سيتخللك شعور بالتمازج مع الطبيعة.
في شهر اغسطس من عام 2023, كنت برحلة عمل الى مدينة ضباء الجميلة الواقعة على الساحل الشمالي الغربي للمملكة، فأردت أن أتأكد بنفسي من مشروع نيوم والذي أصبح حديث العالم، حيث نما الى علمي أن جميع المدن المحيطة بنيوم، من تبوك إلى ضباء، مكتظة بالحافلات المليئة بالعمال، حتى أصبح من الصعب الحصول على سكن مناسب في مدينة ضباء بفضل مشروع نيوم.
أستعنت بالله وقدت سيارتي باتجاه نيوم يتملكني حب الاستطلاع. لاحظت أن الطرق معبدة ونظيفة جدا، حيث حاويات القمامة موزعة على جانبي الطريق والتشجير يزيد الطريق جمالا، فقد تم البدء بزراعة مليون شجرة، والعمل على استعادة 1.5 مليون هكتار من الأراضي البيئية. على جانبي الطريق رشت مادة رمادية اللون من شأنها ان تمنع زحف الرمال. الوصول كان سهلا فاللافتات الارشادية راكزه وواضحة على امتداد الطرق. عندما وصلت الى المجمع السكني المؤقت الاول من أصل ثلاث مجمعات يتسع كل منها الى 10 الالف نسمة، وجدت بوابة محكمة التحصين قد امتلأت حرسا. كان من الملفت للنظر ان كل حراس الأمن الذين قابلتهم على درجه من الاخلاق والأدب والنظام والترتيب، وزال استغرابي عندما علمت انهم يعملون لإحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة. السكن المؤقت يتكون من طابقين وكأنه فندق صغير على سفح جبل، حول السكن تنتشر عربات للطعام وجلسات خارجيه معرشة تحمي من اشعة الشمس. في هذا المكان المعزول وجدت فتاة يافعه تقلب صفحات حاسبها المحمول وهي ترتشف كوبا من القهوة ويعزف الهواء في خصلات شعرها البني سمفونية التحدي، سلمت عليها وسألتها من أي بلد أنت، واحسب انها قالت من البرازيل وتعمل في مشروع نيوم. ثم سألتها من يسكن في هذا المكان ومن أي الجنسيات، فقالت إنهم جميعهم موظفين يعملون في نيوم، والغالبية منهم سعوديين وسعوديات. فأحببت ان استفسر عن تجربتها في الحياة هنا، فقالت إن فيها تحديات، لكنها مفيدة، واردفت أنها متفائلة جدًا بنجاح هذا المشروع الضخم، وأن النهايات ستكون حتما مجزية. ودعتها كما بدأت واستأنفت المسير.
بعد مسافة كيلو وجدت لوحة مكتوب عليها “مستشفى نيوم – العيادات الخارجية” فتوقعت أنها وعلى العادة وضعت اللوحات قبل إكمال المشروع، فقررت ان اتبع هذه اللفتات وماهي الا هنيهات وإذ بنفسي امام مستشفى متكامل، كأنه بني من سنوات فيه مبان وعيادات ومرضى وطاقم طبي. يا للعجب! كيف لهم بناء مستشفى بهذه السرعة؟ ولكن في نيوم كل شي جائز. قبل ان استكمل رحلتي الاستكشافية وجدت شاطي على يمين الطريق. ولأنني عاشق للاستطلاع، قررت ان اذهب اليه من باب المقارنة بينه وبين شواطئنا الشرقية الدافئة. البحر كان بكرا وكأنه أيقونه من الصفاء والسكينة، اما الأجواء فلا أروع منها. خلعت نعلي وكشفت عن ساقي وخضت بلجة البحر. لمدة ربع ساعة من اللعب بالماء، كنت اعيش أجواء اغنية البلبطة حرفيا. أخذت سيارتي وسرت حتى استوقفتني لوحة مكتوب عليها “مركز تجربة نيوم”، ولكن يا للأسف الدخول للمصرح لهم فقط. سألت رجل الامن ما المراد من هذا المركز، فقال لي مبتسما: هذا المكان هدفه خلق تفاعل إيجابي مع الجمهور والمستثمرين وتقديم صورة واضحة وشاملة عن مشروع نيوم وما يتضمنه من فرص.
بالمناسبة إذا ذهبت لنيوم فأحذر ان تصطاد اي حيوان فهذا مخالف للقوانين البيئية لأنها من المحميات الطبيعية، حتى انني تخيلت أن أرى لوحة مكنوب عليها “أحذر منطقة مرور غزلان” كما هو الحال في بعض الدول الغربية، لا غرو ففي نيوم كل شي جائز. واصلت المسير فوجدت مبنى زيًن بلافتة مكتوب عليها “مطار نيوم الدولي”. لك أن تتخيل ان هذا المطار يستقبل الرحلات من بلدان عدة، أكثر من خطوط الطيران التي يستقبلها مثلا مطار الملك فهد بالدمام. هذا صحيح ففي نيوم كل شي جائز. بالإضافة الى ذلك وجدت المنتجعات وعمال يبٌسطون الارض في كل جهة تمهيدا للمشاريع الطموحة القادمة. أخبرني صديق لي ممن كُتب له زيارة مشروع مدينه الاحلام (ذا لاين) أنه رأى الجزء الاول من المشروع، والذي يمتد قرابة الثلاثين مترا تحت الارض والمتبقي من ال 500 متر سيتم بناءه فوق الارض ليشق عنان السماء فخرا وشموخا.
أيها القارئ الكريم، أتفهم التساؤلات التي تدور في خلدك، ذات الاسئلة واجهتها هيئة الترفيه في بدايتها. انظر اليوم لإنجازات هيئة الترفيه! وفرت الهيئة 185 ألف وظيفة وأكثر من 120 مليون زائر استمتع بأنشطتها المختلفة، و11,136 ترخيصاً لمختلف الأنشطة الترفيهية تم اصدارها، اما الإرادات فتصل الى 8.57 مليار ريال، وعلى ذلك فقس. اسمح لي أن اطرح عليك سؤالا، هل تستطيع انت او ابناءك الحصول على تذكرة لحضور حفلة لفنان العرب أو حتى غيره بعد خمس دقائق فقط من طرحها؟
وانا في مطار تبوك انتظر رحلة العودة الى الدمام، احسست انني ازدت يقينا على يقيني، وحمدت الله حمدا كثيرا وشكرته على النعم واطمأننت على مستقبل بلادي واولادي.
يا احبتي اطمأنوا واعلموا ان سفينتنا تسير بخطى مدروسة وستستوي على ارض المملكة كما استوت سفينة نوح على الجودي. نحن نعلم ان البحر لجي والموج عاتي كالجبال، ولكن نؤمن ايمانا راسخا بمقدرة قبطان هذا المركب، ولن يستطيع أحد ان يوقفها بأذن الله، فلا يؤتى الوطن من قبلكم. مازلنا نضع ايدينا بيد قيادتنا، لا ننزعها ابدا، لنبني مستقبل زاهر للأجيال.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال