الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يمر كثيرا على دارسي و متخصصي القانون عبارة ان القانون الإداري يعتبر من أكثر القوانين التي تفتقر للتقنين. وهذا القول صواب في غالبه. يعود ذلك الى أن القانون الإداري هو قانون يعتمد في نشأته على المبادئ القضائية. خصوصا وان نشأته تعود لحاجة فرنسا الى قضاء إداري مستقل للفصل في المنازعات الادارية، وذلك عندما فشل القضاء العادي من الفصل في تلك المنازعات. لذلك، أوكلت مهمة الفصل في المنازعات الإدارية إلى مجلس الدولة الفرنسي، ليتطور الأمر ويصبح قضاء إداري مستقل.
وبالتالي، القضاء الإداري عندما نشأ، لم يكن نتيجة الحاجة إلى قانون مكتوب بقدر ما كان الحاجة الى قضاء يفصل في المنازعات التي نشأت بين الادارة و الأفراد و التي كانت تعاني منها فرنسا آنذاك. اعتمدت فرنسا على المبادئ القانونية التي أصدرها قضائها الاداري في ذلك الوقت لتأسيس المبادئ القانونية الادارية. لذلك، يسود القول بانه لا يوجد منظومة تشريعية متكاملة تنظم القانون الإداري مبنية على النظريات والمبادئ القانونية ذات العلاقة بهذا الفرع مثل ماهو معمول به في الفروع الاخرى من القانون كالقانون التجاري مثلا. ويعود التبرير لضعف التقنين في القانون الإداري بانه قانون سريع التطور والنمو ومتغير بشكل متسارع. في حين أن الحقيقة، الكثير من فروع القانون تتمتع بميزة التطور والنمو المتسارع، مثل الأنظمة الجنائية وتنوع أشكال الجرائم خصوصا في العصر الحالي، القوانين التجارية خصوصا في يومنا هذا وفي ظل التطور التقني، قوانين الملكية وتنوع أشكال التملك والانظمة التي تصاحب كل نوع من أنواع التملك.. الخ.
وبما ان القانون الإداري هو قانون ايضا تبلورت مبادئه وقواعده في القضاء والمحاكم الإدارية في فرنسا إبتداءً، لينتشر في معظم دول العالم، فالقول أن القانون الإداري قانون متطور بشكل اسرع من القوانين الاخرى، وهذا مايجعل التقنين غير محبب، حجة ليست بتلك قوية من وجهة نظري. والسبب في هذا القول، أن حركة تقنين القانون الإداري موجودة، وان كانت ليست بنفس نشاط حركة التقنين للقوانين الاخرى. هناك انظمة يمكن تصنيفها مباشرة بأنها قوانين ادارية، مثل انظمة الترافع و التقاضي امام المحاكم الادارية، الانظمة ذات العلاقة بالتعامل مع الموظف العام، انظمة التعاقد مع الجهات الادارية. وهناك انظمة ليست مصنفة انها تحت مظلة القانون الإداري، ولكن تحتوي في طياتها على اجراءات ادارية يجب على الجهة الإدارية اتباعها وعدم تجاوزها. وبالتالي، مسألة أن تقنين القانون الإداري هي من الأمور الصعبة، هي حجة غير حقيقية. بل على العكس، خصوصا في المملكة اذ ان الانظمة هي من المصادر المكتوبة والتي تعتبر اقوى من المصادر الغير مكتوبة والمتمثلة في القضاء والمبادئ القانونية.
مصادر القانون الرئيسية في المملكة هي المصادر المكتوبة والمتمثلة في أحكام الشريعة، الدستور، الأنظمة، واللوائح. أما بالنسبة للسوابق القضائية فهي مصدر من مصادر القانون التي يستأنس بها القاضي وليست ملزمة، كذلك هو الأمر فيما يخص المبادئ القانونية، فمبدأ قانوني قد يستخدمه المدعي، مبدأ قانوني آخر يستخدمه المدعى عليه لصنع الحجة، وكلا الحجتين قد تكونان مقتنعتان. وربما يتم استخدام نفس المبدأ من قبل طرفي الدعوى، ويختلف التبرير، والعبرة هنا في قناعة القاضي. وهذا باعتقادي انه من الامور التي تجعل التنبؤ بنتيجة الأحكام في المنازعات الادارية اقل من المفترض أن تكون عليه.
مثلا، من ضمن الموضوعات الهامة التي تحتاج الى تقنين، موضوع المسؤولية الادارية في المملكة، والذي بدوره يقودنا الى قضاء التعويض. فلنا ان نتخيل، ان قضاء التعويض الإداري، ليس له نظاما مكتوبا يمكن الاستناد عليه. اثارة هذا الموضوع ليس انتقادا للجهات القضائية، بل على العكس، على الرغم من ضعف التقنين في بعض الموضوعات الإدارية، إلا أن المحاكم الإدارية السعودية، عُرف عنها ممارستها للمهنية العالية في عملها سواء نظامها وإدارتها وفي إصدار احكامها. لكن فكرة التقنين هنا تستهدف تحقيق العدالة بين المتقاضين الذين يتشاركون نفس ظروف النزاع. كذلك، عدم وجود تقنين لكثير من المواضيع، يجعل الكثير من العاملين في القطاعات الادارية يقعون في مواضع جدلية بخصوص بعض الموضوعات القانونية الدقيقة ذات العلاقة بالقانون الاداري.
لذلك، فكرة أن تقنين القانون الإداري هي مهمة صعبة، فهو موضوع جدلي يعتمد على نظرة الشخص للموضوع. ولكن من خلال قراءة تجارب دول مختلفة في عملية التقنين ومقارنتها بالحجج السائدة فيما يخص تجنب تقنين القانون الإداري، القانون الإداري يحتوي على موضوعات أساسية تحتاج الى تقنين وذلك لتسهيل مهمة المتعامل مع الادارة، وتسهيل عمل الادارة، وتسهيل مهمة القاضي، وتحقيق العدالة في نهاية المطاف.وكما نعلم جميعا، القوانين لابد ان تمتاز بالمرونة، و المقصود هنا هو ان تكون القوانين الادارية السعودية ذات مظهر واضح يمكن الاستناد عليه، والانطلاق منه الى المواضيع الدقيقة التي يمكن للقضاء ان يفصل فيها بناء على مصادر القانون غير المكتوبة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال