الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
سوقنا المالي مر به عدد لا بأس به من الصدمات كما هي في الاسواق المالية الاخرى، وبلا مبرر استثماري عصفت الصدمات بأموال المتداولين، والحقيقة ان اللوم لا يقع على المتداولين (فقط)، بل في رأيي يتشارك المشرع في ذلك (واعني هنا هيئة السوق المالية) بضرورة إحكام الرقابة والتشريع، واللوم الأكبر بطبيعة الحال يقع على دائرة صنع القرار في الشركات التي وقع منها الاخفاق، وفي احيان كثيرة (الاحتيال).
اجمالا لا ارى ان هناك امر في الدنيا لا يمكن الخروج منه بفائدة، والصدمات التي وقعت ساهمت بشكل كبير في زيادة الوعي الاستثماري والمالي، فالإعلانات أصبحت تُتابع، والقوائم المالية تقرأ، وسير أعضاء الادارة اصبحت تنظر وتدرس، والجمعيات أصبح حضورها أكثر يسر وقبول، وغير ذلك الكثير.
وعودة على دور المشرّع واحقاقا للحق هيئة السوق المالية تمارس دورا رقابيا محكما ساهم في بعث الطمأنينة في نفوس المتداولين واصبحت سوقنا المالية اكثر جاذبية بل حتى في عين المستثمرين الاجانب الذين تجاوزت ملكيتهم الـ 10% من “تاسي”.
لكن هناك سوق آخر هام واعني سوق نمو وهو سبب مقالنا اليوم، والحقيقة لا ارى سببا وجيها في حصر التداول في سوق نمو بعد هذه السنوات، ضمن اشتراطات ترى هيئة السوق المالية جدواها. لا ينبغي بأي حال من الأحوال ان تمارس هيئة السوق المالية دور الوصاية تحت أي حجة كانت، فدور الهيئة في المقام الأول تشريعي رقابي يكفل للجميع التمتع بذات الحقوق والحصول على المعلومة في نفس الوقت لا ان يكون هناك دور وصيّ، فيما الباقي دور المستثمر الذي سيقوم وفق تقديره بالباقي.
قصر التداول على فئة معينة في “نمو” والافتراض بأن هذه الفئة قادرة على التمييز وتقدير المخاطر فهذا غير صحيح. وسأضرب مثال على ذلك، فمن ضمن شروط فتح حساب في سوق نمو ان يكون صاحب المحفظه قد امضى 3 سنوات يعمل في القطاع المالي، ولا اعلم بناء على ماذا تم الافتراض بأن هذا الشرط كفيل بأن يفهم صاحب المحفظه مخاطر الاستثمار في “نمو”، وما لم يكن هناك إحصاء واضح وصريح يبين ان من عمل في القطاع المالي لم يتعرض لخسائر الصدمات والاخفاقات والاحتيال المحاسبي الذي حدث في السوق الرئيسية فهذا الشرط الذي يعطي احقية و(أفضلية) لمن يعمل في القطاع المالي غير مبرر ابدا بل واعتقد انها دليل على ان اشتراطات هيئة السوق يجب ان تراجع فلماذا تعطى افضلية غير مبررة للعاملين في القطاع المالي. هنا من المهم التنويه ان جل اعضاء مجلس السوق من القطاع المالي، وكاتبكم ايضا منه.
امر آخر في اشتراطات دخول سوق نمو وهو أن يكون قد قام (الراغب بفتح محفظة) بصفقات في أسواق الأوراق المالية لا يقل مجموع قيمتها عن 40 مليون ريال سعودي ولا تقل عن عشرة صفقات في كل ربع سنة خلال الاثنتي عشرة شهراً الماضية. هذا الشرط يقتضي بأن من يملك 150 ألف ريال في السوق الرئيسية ويقوم بـ 3 صفقات يوميا بلا ربح او خسارة (صفقات عبثية)، على افتراض انه سيقوم بذلك بغرض الدخول في “نمو”، سيصبح مؤهلا خلال سنة، وأنا هنا احاول فقط اثبات عبثية هذا الشرط الذي لا يمت لفهم المخاطر لا من قريب ولا بعيد، بل هو يحفز روح المضاربة العبثية بغرض تحقيق شرط يؤهل للدخول.
شرط آخر لفت نظري وانا اراجع الشروط، وهو ان يملك من يريد فتح حساب في سوق نمو أصول بخمسة مليون ريال وأكثر، وهذا الشرط عجيب غريب فعلا، فهذا الشرط يفترض ان من يملك 5 مليون واكثر قادر على تقييم المخاطر وفق رأي الهيئة، على الرغم من ان ضحايا صدمات السوق ممن عصفت دوائر السوء بأموالهم بعضهم يملك عشرات الملايين، وأحيل هيئة السوق المالية والقراء الكرام لجداول الاسماء والمبالغ التي تم تعويض متضرري “موبايلي” على الرغم من ان الاعلانات المبدئية للشركة كانت تشير لأمر جلل، لم يستطع من يملك عشرات الملايين من تقدير الموقف في بداياته لسبب بسيط، وهو ان لا علاقة بين فهم المخاطر وبين ما يملكه الانسان من مال. اعتقد شرط الـ 5 مليون ريال عجيب فيما يفترضه.
اجمالا اعود فأقول المضاربين والمستثمرين اقدر على فهم انفسهم، لا هيئة السوق المالية ولا غيرها بإمكانها تحديد ما يناسب المتداولين من عدمه. وظيفة الهيئة الرقابة على التداول والتشريع والتنظيم، والمستثمر هو وحده من يحدد ما المناسب له، كما انه وحده من يتحمل خطأ تقديره ويسعد وحده بصواب قراره، لكن تتدخل هيئة السوق فقط في حالة كسر النظام او الاحتيال وهذه المهمة الاصيلة للهيئة، فعندما يدخل عميل لمتجر (كل شئ بـ 5 ريالات، وانا هنا اضرب مثلا) فهو على يقين ان البضائع المعروضة، بعضها جودته دون المأمول وهو من يتحمل اثار قراره لو شراء بيالات شاي وتكسرن مع اول صبة الشاي الساخن فيهن.
اخيرا، اتمنى حقيقة ان نرى في مقبل الايام اعلان من هيئة السوق المالية يفيد بفتح سوق نمو امام جميع الراغبين في الاستثمار فبعض شركات السوق ادائهن افضل واكثر جودة بكثير من شركات مدرجة في سوق “تاسي”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال