الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هذا النظام صدر بموجب مرسوم ملكي رقم م/40، في 3 ذي القعدة 1423هـ، وقد احتوى على خمسة وثلاثين مادة، وألزم – في المادة 32 – وزير الصحة بإصدار لائحة تنفيذية خلال تسعين يوماً من نشر النظام. وقد امتثلت وزارة الصحة لهذا الأمر منذ ذلك العام، بيدَ أن طبيعة اللائحة التنفيذية تقتضي التغيير والتعديل والحذف والإضافة عند الاقتضاء، خاصة وأن أداة الإصدار قرارٌ وزاري، والذي يُعد في درجة أدنى من المرسوم الملكي، وبالتالي فإن إصداره لا يتطلب مراحل عديدة كالتي يتطلبها النظام. ووفقاً لذلك، أصدرت وزارة الصحة خلال هذه المدة وحتى عام 1445هـ أربعة إصدارات للائحة التنفيذية كان آخرها في 13 رمضان 1443هـ بالقرار الوزاري رقم 020090-43-101.
فسر النظام في مادته الأولى المقصود من بعض الألفاظ الواردة في النظام. وفي المادة الثانية لم يشترط أن يكون مالك المستشفى طبيباً سعودياً ولا غير سعودي، وإنما قَصَر ذلك على العيادة بأن اشترط أن يكون مالكها طبيباً سعودياً. واشتراط ملكية الطبيب للعيادة دون المستشفى، يمكن مَنطَقَته ( أي جعله منطقياً) من ناحية تجارية ومهنية. فكونها عيادة فقط فهذا يعني أنها عيادة متخصصة في شيء واحد، ومؤدى ذلك أنها عيادة مهنية لا يعمل فيها إلا من امتهن عملها وخبر تخصصها، فاقتضى الأمر أن يكون المالك لها طبيباً. بخلاف المستشفى الذي يضم أكثر من تخصص، لا يمكن معه أن يكون الطبيب ملمّاً بجميع التخصصات، فناسب أن لا تُقتصر الملكية فيه على الطبيب فقط. فالمستشفى بهذه الحالة أي بتخصصات عدة قد تحوّل من العمل المهني إلى التجاري، والعمل التجاري يصح تملكه من غير المتخصص. على سبيل المثال، مستشفى المواساة مُلاكه قبل تحويله إلى شركة مساهمة ليسوا أطباء بل لم يحصلون على الشهادة الجامعية. إضافة إلى أن طبيعة المستشفى بتخصصاته المختلفة تقتضي حسن سير العمل من خلال إدارة جيّدة، وهذه قد تتوفر لدى التاجر أكثر من المهني المتخصص الذي يستطيع إدارة عيادته الفردية. ومع ذلك، لم تهمل المادة الثانية أمر التخصص برمته، فاشترطت أن يكون المدير الطبي في المستشفيات الخاصة سعودياً وفقاً للائحة.
وبالإلتفات إلى اللائحة نجد المادة 2-4 تشترط فيمن يشغل منصب المدير الطبي في المستشفى أن يكون حاصلاً على شهادة البكالوريوس في تخصص الطب والجراحة مع خبرة لا تقل عن ثلاث سنوات في منصب إدراي في مؤسسة صحية وشهادة معتمدة في تخصص إداري، مع تصنيفه المهني في هيئة التخصصات الصحية السعودية، ومتفرغاً تفرغاً تاماً. وهذا الاشتراط يتفق مع طبيعة عمل المستشفى، فالمدير الطبي بهذه الاشتراطات سيتمكن من أداء مهامه الإدارية والمهنية باقتدار.
غير أن اللائحة في المادة ذاتها جاءت بعبارة تعارضت مع أنظمة محلية ودولية. فهي في سياق توضيح أعمال المدير الطبي وتفرغه للعمل بدوام كامل ثمان ساعات، نصت على تخفيض ساعات العمل للمسلمين استثناء من التفرغ الكامل ثماني ساعات في شهر رمضان فقط. وهذا الاستثناء قد يُشم منه رائحة تمييز، ونحن نعلم أن التمييز محظور على أساس ديني. فكيف تنص اللائحة على تخفيف ساعات عمل المسلمين في رمضان، والمستشفى يضم موظفين مسلمين وغير مسلمين؟
ربما يُقال: إن التمييز جائز (غير محظور) إذا كان منحازاً للمواطنين دون غير المواطنين. فعلى اعتبار أن المواطن مسلم يمكن القول بأن هذا النص من المادة متسق مع العرف الدولي. فالاتفاقية الدولية في حظر التمييز بجميع أشكاله، أجازت التمييز المؤسس على أساس المواطنة بقولها في المادة 1/2 ” لا تسري هذه الاتفاقية على أي تمييز او استثناء أو تقييد أو تفضيل بين المواطنين وغير المواطنين من جانب أي دولة طرف فيها”. بيدَ أن هذا يأتي عليه إشكالٌ – لا تُقره الاتفاقية الدولية – وهو أن يكون الدين أساساً للمواطنة! بمعنى أن المواطن الذي يدين بدين معين هو مواطن دون غيره. لأن مقصود غير المواطن في الاتفاقية هو الأجنبي الذي لا يحوز جنسية الدولة.
وحين نستحضر نظام العمل في هذا السياق نجد المادة الثالثة منه تحظر التمييز، إلا أنها لم تنص على الدين (المعتقد)، بل أطلقتها بقولها: “أو أي شكل من أشكال التمييز الأخرى”. وأشكاله – أي التمييز- يمكن تفسيرها في ضوء الاتفاقية الدولية آنفة الذكر؛ لأن المملكة العربية السعودية طرف فيها، والاتفاقية الدولية مقدمة في العمل على النص النظامي المحلي.
وإذا عُدنا إلى فقرة المادة، هل نصت على تخفيف ساعات عمل المواطنين أم ماذا؟ الحقيقة الجلية أنها نصت على المسلمين لا المواطنين. فهذا الحق – في التخفيف – يشمل العامل الأجنبي المسلم أيضاً، وليس حقاً للعامل الأجنبي غير المسلم، فالنص جاء هكذا: “وتخفض ســاعات العمل الفعلية خلال شهر رمضان للمسلمين”. ونظراً إلى تعارض الفقرة مع ما ذُكر، نجد الإصدار الرابع من اللائحة قد تلافى ذلك، فألغى الفقرة برمتها.
نعود إلى مسألة الملكية التي نجدها واضحةً في اشتراط ملكية الطبيب للعيادة دون المستشفى، وضبابيةً في مسألة المجمع الطبي الذي يضم عدداً من التخصصات. هل المجمع مستثنى من هذا الشرط كالمستشفى؟ لأنّ المادة من النظام 2/3 اشترطت في المجمع الطبي أن يكون مالكه أو أحد ملاكه طبيباً، لكن اللائحة لم تؤكد هذا ولم تنفيه. والمعتاد أن تزيل اللائحة اللبس في النص النظامي، أمّا أن تضفي عليه ضبابية فهذا غريب، حيث جاءت بلفظ الجواز فقالت: “يجوز للطبيب أو المهني المالك أو الشريك في ملكية المؤسسة الصحية أن يكون هو المشرف الفني بشرط أن يكون متخصصاً في طبيعة عمل المؤسسة الصحية”. هذا النص يثر استغراباً حقيقةً؛ إذ كيف تستخدم اللائحة لفظة “مؤسسة صحية” في سياق حديثها عن المجمع الطبي. ونحن نعرف أن لفظ “المؤسسة الصحية” يشمل المستشفى والمجمع والعيادة والمختبر .. الخ وفقاً للتعريفات في المادة الأولى. فلماذا استخدمت اللائحة هذا للفظ الموهم، وهي تقول – قبل هذا النص عن المجمع الطبي – : “يُشترط تعيين مشرف طبيب أو مهني سعودي… متخصصاً في طبيعة عمل المجمع”. فاستخدام لفظ “المؤسسة الصحية” في سياق الحديث عن المجمع الطبي خلل لغوي في التعبير (على أقل تقدير)؛ إذ المفترض الاطراد في استخدام ذات اللفظ خاصة في الوثائق القانونية ونحوها كما الحال هنا.
كما قلنا، أضفت اللائحة ضبابية على النص النظامي، فلم نعد متيقنين من رأي حول هذا، هل يُشترط الطبيب في ملكية المجمع الطبي أم لا؟ من يكشف هذا اللبس؟ في قضية سابقة لدى ديوان المظالم برقم 1130/3/ق عام 1433هـ، تظلّم مالك مجمع طبي في المنطقة الشرقية بسبب سحب ترخيصه؛ لأن شريكه الطبيب تقدم إلى المديرية الصحية بالشرقية لفض الشراكة، مما أخلّ بالملكية النظامية للمجمع، فأعطت اللجنة المخوّلة مهلة للبحث عن طبيب يتملك في المجمع، ولمّا لم يجد؛ سحبت الترخيص، وأيّد الديوان القرار.
ذلك كما ترى – أيّها القارئ – قبل عقد من الزمان، ويبدو – حالياً – أن ضبابية اللائحة منحت مُلاك المجمعات الانفراد بالملكية دونما حاجة إلى طبيب.
ختاماً، هذه هي قراءة أولى – قراءة نقدية- لجزء من مادة من النظام ولائحته، تتبعها – إن شاء الله- قراءات أخرى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال