3666 144 055
[email protected]
أحيت التطورات الأخيرة في فلسطين المطالبات العربية القديمة المتجددة بحل الدولتين على أساس حدود 67 وأن تكون القدس الشرقية عاصمةً لفلسطين كمقترح لحل جذري لهذا الصراع القائم منذ أكثر من نصف قرن لكن الكثير من الأسئلة تدور عمّا بمقدور القيادة الفلسطينية القيام به حيال الاقتصاد بعد قيام الدولة على ضوء الإمكانيات والمعطيات على الأرض.
في البداية، لا بد لنا من فهم واقع الاقتصاد الفلسطيني للخروج بتصور عما يمكن أن يكون عليه مستقبل الاقتصاد في الدولة المحتملة بعد إزالة بعض القيود والحواجز التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، ففلسطين تاريخياُ تعتمد على السياحة الدينية والصناعات التقليدية والزراعة بشكل أساسي وساعدها في ذلك مكانتها كأرض مقدسة في الديانات السماوية الثلاثة وحرفية سكانها العالية وخصوبة الأرض ووجود مصادر المياه السطحية والجوفية.
فيما يتعلق بالسياحة، ففلسطين وعلى مر العصور تتميز بقدسية بالغة في نفوس المسلمين والمسيحيين واليهود على حد سواءً حيث تحوي المسجد الأقصى الشريف أولى القبلتين وأرض معراج رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بينما يعتقد المسيحيون أن عيسى عليه السلام ولد في مغارة تحت كنيسة المهد في بيت لحم وجُلِد في كنيسة الجلد في القدس وصعدت روحه إلى السماء من جبل الزيتون شرقي البلدة القديمة، أما اليهود فينظرون إليها كأرض الأجداد ومهد اليهودية ومقر هيكل سليمان المزعوم أول معبد يهودي حسب الروايات اليهودية وهذه القدسية وبلا شك ستسهم بتوافد الملايين سنوياً إلى هذه الأرض وستضيف كثيراً إلى الناتج المحلي للدولة المحتملة وإن يكن بالشراكة مع إسرائيل بسبب التداخلات الحدودية وتوزع المقدسات بين الدولة المحتملة وسلطة الاحتلال. كذلك، لا يمكننا إغفال مناخ فلسطين المتوسطي الساحر والذي يمكن أن يكون أحد أهم عوامل الجذب في قطاعها السياحي.
بالنسبة للزراعة، فوفق جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني كانت الزراعة تساهم بـ37% من الناتج المحلي الفلسطيني منتصف السبعينات من القرن المنصرم بينما كان ثلثا الفلسطينيين يعملون في الزراعة قبل العام 1948م مما يؤكد خصوبة أرض فلسطين ووفرة المياه بها حيث يعبرها نهر الأردن الذي يعد رافداً مهما لبحيرة طبريا ومياهها العذبة. يشجع قطاع الزراعة بفلسطين كذلك وجود المياه الجوفية عبر العديد من الأحواض التي تغطي معظم مساحة فلسطين التاريخية ومعدلات الأمطار الجيدة بين 200 و 800 ملم/سنوياُ، كما تتحدث تقارير رسمية فلسطينية أن قرابة 57% من الأراضي المزروعة في فلسطين (الضفة وقطاع غزة) تستخدم لأشجار الزيتون برقم يفوق 13 مليون شجرة مما يعني أنه بالإمكان أن تكون الدولة المحتملة أحد أهم المصدرين للزيتون علاوةً على الحمضيات والحبوب والعنب والخضروات نظراً لامتلاك المزارع الفلسطيني للخبرة الكافية في زراعة الزيتون وعصره لاستخراج الزيت الذي يعتبر من المنتجات ذات الطلب المرتفع عالمياً ناهيك عن تجذر شجرة الزيتون في الثقافة العربية الفلسطينية كرمز للصمود والمقاومة. شخصياً، لا أعتقد أن تستفيد الدولة المحتملة من كامل حصتها من المياه التي تصل إلى مليار متر مكعب سنوياً (يكفي لسد احتياج الدولة من المياه لخمسين سنة قادمة) بسبب الرعونة الإسرائيلية والسياسات المستمرة بتحويل نهر الأردن والاستفادة القصوى من حوضه في التوسع بالمستوطنات وتوفير احتياجاتها من الماء بالإضافة إلى التعنت في تسليم ما يعرف بالمنطقة (ج) ذات التربة الخصبة ومصادر المياه والتي تشكل حوالي 60% من أراضي الضفة الغربية حسب بيانات البنك الدولي وكان مقرراً تسليمها العام 1997م طبقاً لاتفاقيات أوسلو، لذا يجب على الدولة المحتملة أن تجعل قضية حصتها من المياه وتسليم المنطقة (ج) على رأس أولوياتها في أي اتفاقية تمضيها لتحقق أعلى المكاسب في هذه المسألة فبلا ماء لا تقوم حياة فضلاً عن قيام دولة وقطاع زراعي يساهم في تحسن الاقتصاد.
صناعياً، تشتهر فلسطين بأيديها الماهرة في الصناعات التقليدية المتوارثة عبر الأجيال في عدة مجالات أهمها الخزف، الفخار، أخشاب الزيتون، الصدف، الزجاج اليدوي والخيزران وتقدم هذه الصناعات تحفاً فنيةً لا تقدر بثمن ويرتبط انتعاشها طردياُ مع انتعاش القطاع السياحي حيث الإقبال على هذه المشغولات للاحتفاظ بها لغرض الذكرى أو لتقديمها كهدايا معطرة بعبق الأرض المباركة. للأمانة، تواجه الصناعات التقليدية حول العالم تحديات عديدة لا تبتدئ بالميكنة ولا تنتهي بالعولمة والدولة المحتملة ليست بمنأى عن ذلك كله فيلزمها الاضطلاع بدورها قي حفظ التراث الوطني وتمكينه وإحياءه كدافع مهم للاقتصاد ومشجع للصادرات الوطنية.
ختاماً، الدولة المحتملة ستكون وطناً لأكثر من 14 مليون إنسان داخلها وخارجها معظمهم من الشباب البارع في مجالات متنوعة كالبرمجة والتصميم الداخلي والهندسة والاقتصاد وشتى التخصصات بمعنى أن رأس المال البشري اللازم لقيام دولة ناجحة متاح ومستعد والفضل في كل ذلك من وجهة نظري يعود لشخص واحد وهو المعلم الفلسطيني. إن لم تصدقني فاسأل كل من تعلم على يديه، فهو إن حمل لك عصا تأديبك فقد وهبك صولجان نجاحك.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734