الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الحرب لا يتمناها أحد، فأثارها المدمرة على جميع جوانب الحياة، وتدفع اقتصاد البلدان إلى الانهيار، وقد ترزح الدول التي تعاني الحروب تحت ضغط الديون لعقود طويلة، ولا تتعافى منه بسرعة حتى مع انتهاء الحرب، وتترك الحروب آثاراً سلبية على الاقتصاد بشكل عام، وتتسبب أيضاً في أضرار بشرية ومادية كبيرة وتهديد للأمن القومي.
عبر التاريخ… شهدنا العديد من الحروب والصراعات التي أثرت على الاقتصادات الوطنية بشكل كبير، وعلى الدول المتحاربة أو على دول أخرى بطريقة غير مباشرة، وكانت المشاريع التجارية الصغيرة والكبيرة والاقتصاد أول ضحايا الحروب، وهناك العديد من الآثار التي تترتب على الحروب على الاقتصاد والتي تظهر بشكل كبير وتأثر عليه، ومن هذه الآثار انخفاض كبير في حجم العمالة الوافدة نتيجة لهروبها ، وحدوث عجز كبير للغاية في ميزانية الدول التي يوجد بها الحروب وخروج المستثمرين من السوق، وينتج عن الحروب ضعف شديد وواضح على كافة أنواع الاستثمارات في الدولة التي يحدث بها الحرب، وتلجأ رؤوس الأموال بالبحث عن بلدان وملاذات آمنة من الحروب والنزاعات، كما يحدث انخفاض كبير في الأرباح التجارية بالإضافة إلى الإنخفاض الشديد في معدل الإنتاج الذي تحققه الدولة الناشب بها الحرب أو الصراع
وتتعرض الدولة التي تخوض الحرب لانهيار البنية التحتية لها وقد يستغرق إعادة بنائها وإصلاحها إلى وقت طويل للغاية ، ويتعرض النشاط الاقتصادي للدولة إلى ركود صعب للغاية ، وترتفع أسعار صرف العملات، وتنهارالمنظومة التعليمية في الدول التي تعاني من الحروب، حيث أن قلة التعليم ستنتج جيل يعاني من الجهل وبالتالي ستتغير متطلباته، كما ستقل الأيدي العاملة الخبيرة ذوي الكفاءة والمهارة مما يضر بسوق العمل بشكل اساسي، ويؤدي إلى انخفاض مدخرات الناس، ويرتفع مستوى التضخم ومستوى الدين العام سواء كان على مستوى القطاع الخاص أو القطاع العام، بالإضافة إلى فقدان كافة مدخرات الدولة من المخزون لها.
والأثر الأخير لعله للحروب على الإقتصاد هو صعوبة تأمين البضائع نتجية إنهيار لنظام الأمان، وبالتالي يصبح النقل والشحن أمر يصعب ضبطه، فمن سيضمن وصول المنتجات والبضائع دون ضرر أو تعرضها للسرقة والنهب، ومن سيضمن للعميل حصوله على المنتج الذي قام بشرائه في الوقت المحدد أو المناسب.
تغيب التقديرات بشأن التكلفة المحتملة للحروب، لكن التاريخ الحديث يعج بالحروب ذات التكلفة الباهظة، كانت للحرب العالمية الأولى في الفترة بين 1914 و1918، تكلفة باهظة تزيد بحسابات اليوم على 3 تريليونات دولار، حتى أن المؤرخين يشيرون إلى أنه عند حساب تلك الحرب من منظور مالي واقتصادي، فإن أحداً لم ينتصر، وكان الاقتصاد الألماني الأكثر ألماً جراء هذه الحرب، إذ عانت أجزاء من ألمانيا تضخماً مفرطاً غير معقول حتى أن العملة الألمانية “المارك” كانت قيمتها أقل كثيراً من الورق الذي تُطبَع عليه، فتم تدمير الاقتصاد لتمويل المجهود الحربي، وكان إصلاح هذا الدمار الاقتصادي، جزئياً، هو ما مهد الطريق لصعود هتلر.
كما إن الحرب العالمية الثانية هي الأغلى في التاريخ، بحسب جامعة نورويتش الأميركية، فبحساب فارق التضخم مع قيمة الدولار الآن، فإن تكلفة الحرب بلغت أكثر من 4 تريليونات دولار في عام 1945، وشكّل الإنفاق الدفاعي في العام الأخير من الحرب حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي، خلال تلك الفترة استخدمت الحكومة الأميركية أساليب جديدة لجمع الأموال المطلوبة ونجحت في تحقيق هدفها، ووفق الموقع الإلكتروني للجامعة، فإنه في حين أن الحروب التي يتم شنها في عالم اليوم كبيرة ومكلفة، إلا أنها لا تزال باهتة مقارنة بالحجم والتأثير المالي للحرب العالمية الثانية.
ووفقاً لصحيفة “يو أس أي توداي” الأميركية، تظل حربا العراق وأفغانستان اثنتين من أكثر الحروب كلفة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن تكلفة الحربين بلغت نحو 2 تريليون دولار، فحرب أفغانستان الأطول في التاريخ الأميركي حيث امتدت نحو 20 عاماً بلغت نفقاتها الحربية أكثر من 910 مليارات دولار، فيما بلغت النفقات الحربية لحرب العراق أكثر قليلاً من تريليون دولار، ومع ذلك، يشير “معهد واتسون” للشؤون العامة والدولية، في رود آيلاند بالولايات المتحدة، إلى أن إجمالي نفقات الحرب على الإرهاب التي بدأتها الولايات المتحدة في عام 2001، بلغ حتى عام 2022 نحو 8 تريليونات دولار.
وقدّر البنك الدولي في تقريره الأخير الصادر في مارس 2023، كلفة تعافي أوكرانيا وإعادة بنائها من الحرب الروسية بمبلغ 411 مليار دولار على مدى العقد المقبل، مع كلفة رفع أنقاض الحرب وحدها بمبلغ 5 مليارات دولار، وأورد البنك الدولي في تقريره، تفاصيل بعض حصيلة الحرب الروسية، حيث تأكد تضرر ما يقرب من مليوني منزل وأكثر من مؤسسة من كل خمس مؤسسات للصحة العامة، ووفق التقرير فإن الحرب الروسية أدت إلى هدر 15 سنة من التقدم الاقتصادي في أوكرانيا، مما أسفر عن تراجع الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا بنسبة 29% ودفع 1.7 مليون أوكراني إلى الفقر إجمالاً، وقدّر البنك الدولي 135 مليار دولار حساب الأضرار المباشرة للمباني والبنية التحتية حتى لحظة صدور التقرير، من دون احتساب الأضرار الاقتصادية الأوسع.
وكشفت دراسة للمعهد الاقتصادي الألماني “آي دبليو” في برلين، أن الاقتصاد العالمي تكبد 1.2 تريليون دولار، جراء الحرب المتواصلة في أوكرانيا، مع تأثر الاقتصادات الغربية على نحو خاص حيث فقدت ثلثي إنتاجها العالمي، كما شكلت مشكلات إمدادات الطاقة والمواد الخام ضغطاً على الشركات في جميع أنحاء العالم. وتوقع المعهد خسائر عالمية إضافية بقيمة 1 تريليون دولار في 2023، ووفق صندوق النقد الدولي، بلغ معدل التضخم العالمي العام الماضي 8.8%، وستتواصل عواقب الحرب على الاقتصاد العالمي، حيث يتوقع أن ينخفض النمو العالمي من 3.4% في عام 2022 إلى 2.9% في 2023، فهل حرب أوكرانيا ستكون الصراع الأكثر تكلفة في التاريخ؟.
وتوقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في سبتمبر2022، أن تكلف الحرب الروسية على أوكرانيا الاقتصاد العالمي خسائر تصل إلى 2.8 تريليون دولار بحلول نهاية 2023، إذا استمرت الحرب، وذكرت المنظمة أنه من المقرر أن يتراجع نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.2% خلال عام 2023، مقابل 3% في 2022، في حين بلغت التوقعات قبل الحرب نمواً بنسبة 3.2% في 2023 و4.5% في 2022.
في الأفق لا نهاية وشيكة للحرب(طوفان الأقصى)، ومن ثم لا يمكن حساب التكلفة الكلية ، ويتجه الاقتصادان الفلسطيني والإسرائيلي نحو المجهول مع تصاعد المواجهات العسكرية بين الطرفين بعدما أعلنت إسرائيل إنها في حالة حرب، وليست في عملية عسكرية، والتصعيد الحالي يزيد الأوجاع والتداعيات الاقتصادية في غزة تحديداً أشد وطأة، إذ بلغ معدل النمو 3% في قطاع غزة والضفة الغربية خلال عام 2022، ونصيب الفرد من الناتج المحلي 3460 دولار، ومعدل البطالة 24.4% ، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي وريفينتيف.
ونقلاً عن وكالة “رويترز” هبط الشيكل الإسرائيلي إلى أدنى مستوى منذ 8 أعوام تقريبا مقابل الدولار الأميركي يوم الاثنين 9 أكتوبر2023، مع تصاعد حدة الصراع ، وانخفض الشيكل في أحدث التعاملات الآسيوية أكثر من 3% مقابل الدولار إلى 3.9581.
وتفاقمت خسائر مؤشرات بورصة تل أبيب إلى أكثر من 6% بعد أن فتحت على انخفاض 4%، الأحد في 8 من أكتوبر 2023، فيما تراجعت أسعار السندات الحكومية بنسبة تصل إلى 3% بعد يوم من هجوم واسع النطاق لحماس على إسرائيل، وسط تأثر قطاعات التأمين، والاستثمار، والإنشاءات، والبنوك والطاقة والأدوية والسياحة والسفر والتكنولوجيا والتجزئة والخدمات اللوجستية.
وقدر بنك هبوعليم (أكبر بنك إسرائيلي) أن فاتورة الحرب ستكلف إسرائيل في أقل تقدير 1.5% من إجمالي الناتج المحلي وهو ما يوازي 7 مليارات دولار، في حين تقدر جهات أخرى أن الكلفة الإجمالية للحرب ستكلف خزينة إسرائيل حوالي 50 مليار شيكل (12.5 مليار دولار).
وكانت وكالة “بلومبرغ إيكونوميكس” قد رسمت في تقرير مطول نشر الجمعة 13 أكتوبر، 3 سيناريوهات للحرب الإسرائيلية على غزة، التي قد تدفع أسعار النفط إلى 150 دولارا للبرميل، وترفع من مستويات التضخم لتقترب من 7%، وأن يتراجع النمو الاقتصادي العالمي إلى 1.7%، وهو ركود يقتطع نحو تريليون دولار من الناتج الاقتصادي العالمي.
السيناريوهات الثلاثة التي توقعتها وكالة “بلومبرغ” للاقتصاد العالمي في ظل حرب إسرائيل على غزة التي دخلت يومها الثامن عشر هي، السيناريو الأول لو اقتصرت الحرب على غزة، سترتفع أسعر النفط بـ 3 إلى 4 دولارات، وزيادة بالتضخم بـ 0.1 نقطة مئوية ، وانخفاض في نمو الاقتصاد العالمي بـ 0.1 نقطة مئوية، أما السيناريو الثاني لو توسعت الحرب إلى دول مجاورة، سترتفع أسعر النفط بـ بـ 10%، وزيادة بالتضخم بـ 0.2 نقطة مئوية ، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.4%، والسيناريو الثالث في حال مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، سترتفع أسعر النفط إلى 150 دولارا، وزيادة بالتضخم بـ 6.7 نقطة مئوية ، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي بـ 1.7%.
ونتيجة للمواجهات المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، أظهر مسح خاص لـ “سي أن بي سي عربية” نشر في 23 أكتوبر 2023، عن تراجع القيمة السوقية الإجمالية للبورصات الخليجية بنسبة 1.4% أي ما يعادل 59 مليار دولار لتصل إلى 4.16 تريليون دولار منذ بدء الحرب والتي شملت آخر 11 جلسة تداول.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال