الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تختلف الوظائف ومسمياتها بحسب طبيعتها ومهامها المتعددة من جهة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر بحكم اللغة والثقافة المحلية ومتغيرات العصر لكننا اليوم نعيش العولمة بكامل تفاصيلها والتي بدأت تعطي تصوراً عالمياً حول الموارد البشرية والهيكلة الوظيفية في إطار مجال الإدارة العامة وتؤصّل لهذا المجال الحيوي المهم إلا أن ثمة أمر لم يتغير كثيراً منذ ظهور الشركات لدينا وحتى يومنا هذا وهو التصور النمطي السلبي حول قطاع خدمة العملاء على مستوى المجتمع والشركات على حد سواء.
في الحقيقة، النظرة الاجتماعية الدونية المستمرة (وإن خفتت في السنوات الأخيرة) لوظائف خدمة العملاء لدينا جعلت الكثير من الباحثين عن العمل يتحاشون التقديم على هذا النوع من الوظائف مما أثر بدوره على أقسام الموارد البشرية في الشركات ودفعهم لمحاولة تجنب المسميات التقليدية (المشؤومة) في إعلاناتهم الوظيفية فتجدهم على سبيل المثال يستبدلون مسميات مثل “موظف استقبال، كول سنتر، خدمة عملاء” بمسميات مبتكرة مثل “ممثل تجربة العميل، مسؤول نجاح العميل” وغيرها من الاجتهادات التي أعتبرها خديعة ناعمة لجذب المتقدمين الرافضين لمسمى الوظيفة في الأساس وليس لمبدأها بالضرورة.
للأمانة، أميل ربما لعزو ذلك إلى ثقافة الدولة الريعية المتجذرة في التفكير الجمعي المحلي ولا يمكنني الجزم بالسبب الحقيقي وراء هذه النظرة القاصرة لهذا النوع من الوظائف في مجتمعنا ولا بالخلفية التاريخية لهذه النظرة على نحو مستقل فذلك يتطلب مجهوداً بحثياً على أسس أكاديمية صرفة عبر كراسي الأبحاث في جامعاتنا والجالسين (طويلاً) عليها ولكن يمكنني الجزم أنه حتى الطفل ذو الست سنوات لن يكرر الذهاب إلى متجر الآيسكريم الذي أخرج موظفه لسانه محاولاً لعق الآيسكريم قبل تقديمه له على سبيل السخرية. بطبيعة الحال، قد لا يسمى موظف متجر الآيسكريم ممثل خدمة عملاء بل بائعاً لكنه يعد الممثل الشرعي والمسؤول عن خدمة كل عميل بداخل المتجر وهو الخط الأمامي وواجهة الشركة ومرآتها وأول موظف تلتقيه من الشركة وأول من تشتكي إليه في حال وجود مشكلة بمعنى أنك عندما تنتقد شركة ما فلن تنتقد تعالي رئيسها التنفيذي ورفضه طلبك للاجتماع معه بل على الأغلب ستنتقد تعامل موظف خدمة العملاء أو الخط الأمامي الذي لم يبدِ اهتماماً لشكواك حول المنتج سواءً كان سلعة أو خدمة .
شخصياً، واجهت تجربة سيئة مع أحد البنوك المحلية بسبب غطرسة موظف الفرع الذي تلكأ في خدمتي واختار أن يأخذ البريك أثناء وجودي على مكتبه دونما استئذان أو اعتذار (ربما لصغر سني حينها) مما كلف بنكه المحترم خسارة عميل بحجمي المتواضع لمدة خمسة عشر عاماً بل أقول أبد الدهر لأن ذلك البنك قد أغلق أبوابه عملياً ولم يكن السبب (للأسف) إفلاساً بل (للأسف) اندماجاً مع بنك محلي آخر أمتلك فيه حساباً بنكياً بالفعل ولا أخفيكم سراً أن الاندماج بين البنكين أعاد لي محفظتي الاستثمارية في البنك الذي لا أريد أن أصفه بالمقبور وقد تجاوزت أرباحها 360% ولا شكر لعدم احترافية ذلك الموظف لأن ليس كل ضارة نافعة فكم تسببت مثل هذه التصرفات اللامسؤولة بأضرار كارثية على أعمال الشركات وربحيتها بل أن الشركات سيئة السمعة تدفع الملايين وربما المليارات لشركات العلاقات العامة لتحسين سمعتها وتصل الأمور في أحايين كثيرة إلى تغيير المسمى والشعار لإلقاء عبء صورتها الذهنية السيئة عن أكتافها.
ختاماً، للموضوع أبعاد نفسية من الصعب الخوض بها لغير المختصين ولكن من الجائز التسليم بأن موظف الخط الأمامي أو واجهة الشركة أو ممثل خدمة العملاء هو الأقل أجراً في الشركة بعد “فتى الشاي” إن صحت الترجمة فلماذا لا يتجاهل مراهقاً مزعجاً كمثلي أكثر الأسئلة حول اكتتاب بمجرد 500 ريال لأجل ألا تتأثر سلباً الصورة الذهنية للجهة التي ترفض أصلاً في كل مرة زيادة مرتبه؟! إنه فعلاً لموظف مظلوم ووظيفته فعلاً لوظيفةٌ مظلومة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال