الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يذهب طالب جامعي إلى معرض ايكيا لتأثيث شقته، ويجد كل ما يبحث عنه، فتعجبه تصاميم قطع الأثاث وأحجامها وأسعارها، وبعد الانتهاء من جولة صالة العرض الداخلية، يتجه للقسم الأخير من معرض ايكيا لاستلام الأثاث الذي اختاره من على رفوف التخزين العملاقة، فطاولة الطعام ومقاعدها التي انتقاها على سبيل المثال، جميعها مفكّكة ومجمّعة بداخل صناديق جاهزة للشحن، بعد ذلك يتجه هذا الطالب لشقته سعيدا راضيا عن تجربته! على النقيض من ذلك، تأتي تجربة رجل متقاعد ومقتدر ماديا، يذهب لإيكيا باحثا عن طاولة طعام هو الآخر، لكنه يتوه في ممرات المعرض باحثا عنها، ثم ينزعج حينما يعلم عن حاجته لاستلام الطاولة بنفسه من على رفوف التخزين، وينزعج أكثر عند معرفته بحاجته لإيصالها وتركيبها بنفسه، إلا إذا كان مستعدا لدفع رسوم شحن وتركيب إضافية، والانتظار لأسبوعين حتى يحين موعد التوصيل.
المثالان السابقان يوضحان كيف لاستراتيجية أعمال تجارية أن ترضي فئة، وتزعج أخرى، نعم، فالاستراتيجية تهدف للتفرد والتميّز في خدمة أو مجال معين، عوضا عن السعي للتميز في كل المجالات، ايكيا على سبيل المثال تهدف ضمن استراتيجيتها لتقديم أثاث بأسعار منخفضة، وتصاميم جميلة لفئة متعلمة من الناس، ومحدودة الميزانية، وتعيش في منازل صغيرة.
كل ما سبق من هذه الصفات المذكورة هو بمثابة البوصلة لتصميم وتصنيع الأثاث لدى ايكيا، فجزء من الحفاظ على الأسعار المنخفضة هو التركيز على تقليل التكاليف، والذي يتضمن على سبيل المثال لا الحصر، فكرة تجميع وتخزين مكونات وقطع الأثاث في صناديق صغيرة يسهل شحنها، وتخزين العديد منها في مساحات محدودة، وتصمم تجربة زيارة المعرض بحيث يخدم العميل نفسه حتى الوصول لوحدة المحاسبة للدفع، ولأن التميّز في التصاميم والتفرّد في بساطتها هو مما تسعى إليه الشركة، فيتم صرف الأموال والاستثمار في جانب التصميم أكثر من غيره.
إن من أهم ما يجب استيعابه في تطوير الاستراتيجيات للشركات، هو تحديد أي نوع من أنواع العملاء ترغب الشركة في إسعادهم، فرضى الجميع غاية لا تدرك بالتأكيد، والتميز في كل شيء هو أقرب للخيال، سواء كنا نتحدث عن شركة تجارية أم منظمة خيرية أم فرد، فالموارد محدودة للسعي لعمل كل شيء، ناهيك عن التميّز فيه، فالخيار الأمثل هو تحليل العوامل الداخلية والخارجية، والفرص والتحديات من حولنا، لتحديد أبرز المجالات التي من الممكن أن نتميز فيها، فلا وجود لشركة هي الأفضل في كل شيء، ولا وجود لمنتج له الأفضلية على الإطلاق، كل ذلك يعتمد على أي نوع من الحاجات تهدف الشركة لتلبيتها عبر منتجاتها.
عندما نفكر تفكيرا استراتيجيا، سنقرر أننا لن نصبح الأفضل في كل شيء، بل الأفضل في جوانب محددة فقط، فيتم التركيز مثلا على نقاط القوة لدينا، وكيف نطوّعها، لاقتناص الفرص المتاحة بحيث نكون الأبرز في مجالنا.
على مستوى فردي، يصعب في زمننا مثلا أن نرى الشخص الموسوعي الملم بجوانب متعددة من العلوم، فنحن في عصر تتطور فيه العلوم بشكل جنوني متسارع، ومختلف عما سبقه من الأزمان، وأصبح الفرد بحاجة لتوجه واضح ومحدد في مجالات معدودة علّ وعسى أن يتمكن منها في ظل المنافسة الشرسة.
البعض منا قد يخصص أوقاتاً محددة للتخطيط الشخصي الاستراتيجي، والبعض الآخر لا يفعل ذلك، ولكنه بكل بساطة وعفوية يسأل نفسه الأسئلة الاستراتيجية الصحيحة، ويجيب عليها بإجابات تُشكّل بالنتيجة التوجه الاستراتيجي، وإن كان يمارس ذلك دون إدراك وقصد بالتخطيط الاستراتيجي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال