الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في كلمته الضافية أمام قمة مجموعة العشرين المنعقدة في العاصمة الهندية نيودلهي يومي التاسع والعاشر من شهر سبتمبر الماضي، أعلن سمو ولي العهد رئيس الوفد السعودي عن مشروع ربط القارة الهندية بدول الاتحاد الأوروبي مروراً بالخليج العربي. يتكون هذا المشروع من ممرين مترابطين، الأول ممر شرقي يربط الهند بالخليج العربي، والثاني ممر شمالي غربي يربط الخليج العربي بدول الاتحاد الأوروبي. وتبلغ تكلفة المشروع التقديرية 500 مليار دولار أمريكي، تشمل قيمة إنشاء خطوط السكك الحديدية، وكابلات الربط الكهربائي، والألياف البصرية للاتصال الرقمي، وأنابيب النقل لتصدير الهيدروجين النظيف. ويهدف المشروع إلى رفع كفاءة الموانئ وخفض تكاليف النقل البحري لزيادة سرعة تدفق التجارة العالمية عبر هذين الممرين بنسبة تفوق 40%، إلى جانب تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول آسيا وأوروبا والشرق الأوسط وتعزيز الأمن البيئي بينها لخفض انبعاثات الغازات الدفينة وتخفيف حدة تأثيراتها البيئية.
وتزامن الإعلان عن هذا المشروع مع صدور تقرير منظمة التجارة العالمية، الذي كشف استمرار نمو حجم التجارة الدولية، التي تخطت في العام الماضي مبلغ 25.3 تريليون دولار أمريكي، بوتيرة أسرع نتيجة ارتفاع الطلب في دول أمريكا الشمالية وأوروبا بنسبة 6.0% و5.2% على التوالي، بينما تقلصت وارداتها من الاقتصادات الآسيوية بشكل طفيف، لتنخفض بنسبة 0.4%. هذا في الوقت الذي سجلت صادرات دول أمريكا الشمالية وأوروبا نمواً معتدلاً لا يزيد عن 2.3%، بينما حققت صادرات دول الشرق الأوسط نمواً مرتفعاً بنسبة 9.9%. ويؤكد تقرير المنظمة أن دول الشرق الأوسط عامةً والخليج العربي خاصةً أصبحت تمتلك، نتيجة لموقعها الجيوستراتيجي، القدرة على ربط دول جنوب وشرق آسيا، المتعطشة لتصدير منتجاتها، بدول القارة الأوروبية المستهلكة لسلاسل الإمداد الآسيوية. لذا سيؤدي مشروع الربط الهندي الأوروبي إلى ارتفاع نسبة مرور الصادرات والواردات عبر الدول الخليجية من 13% إلى 16% من قيمة التجارة العالمية، نتيجة تصاعد تدفق الوقود والمعادن بنحو 59% على أساس سنوي، تليها المنتجات الزراعية بنسبة 19%، ثم قطاع تجارة الخدمات بنسبة 15%.
لذا سوف يساهم هذا المشروع في رفع كفاءة مجموعة الدول المطلة على ممراته، التي قد يصل عددها إلى 54 دولة، ويعتبر ضرورياً لتطوير البنية التحتية الرقمية لهذه الدول لمواكبة التطور التقني، مثل نظام تحديد المواقع (GPS)، لضمان سلاسة وأمن عمليات النقل. ومن نتائج هذا المشروع، يتوقع أن يصل حجم التجارة بين هذه الدول إلى 200 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، وتحقيق التنمية المستدامة حيث يساهم المشروع في الاستفادة من الإمكانات الطبيعية والبشرية لكل دولة، وتحقيق التكامل والتكافل بينها، لدفع عجلة النمو والتنمية فيها، وزيادة حجم التبادل الاستثماري والسياحي بينها.
ويتوقع من هذا المشروع توفير ملايين فرص العمل للشعوب المستفيدة منه ورفع مستوى المعيشة والرفاهية لها، وتحسين أوضاعها الأمنية والإنسانية في المنطقة. كما يساهم في تعزيز دور هذه الدول في المشهد التجاري والاقتصادي الدولي، من خلال صنع القرارات وصياغة السياسات في قضايا التغير المناخي، والأمن الغذائي، وتأمين سلاسل التوريد، وتحقيق التوازن بين القوى العالمية المتنافسة، لتصبح الدول الخليجية نقطة ارتكاز مهمة للفرص التجارية المتنامية والاستثمارات المتزايدة، وتكفل لها توطين التقنية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ولتحقيق سرعة تنفيذ هذا المشروع الحيوي، تمّ التوقيع في العاصمة نيودلهي على اتفاق مبدئي، يوم التاسع من شهر سبتمبر الماضي، بين المملكة والامارات والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وصنف المشروع على أنه “الجسر الأخضر والرقمي بين القارات والحضارات”. وتم تحديد مدة 60 يوماً المقبلة ليقوم المختصون في هذه الدول بوضع خطة تنفيذية وتحديد جداول زمنية للمشروع، مع ضرورة البدء في استخدام البنية التحتية الجاهزة عملياً لهذا الممر الاقتصادي في العديد من الدول المطلة على ممراته، ومنها المملكة الإمارات، التي تعتبر من أكثر الدول جاهزية نظراً لاستثمارها المبكر في تطوير البنية التحتية بكافة القطاعات، وتوظيفها لتكون ملائمة لأخذ دور جديد في نقل البضائع عبر القارات.
وسيعمل هؤلاء المختصون على تقييم خطوات تنفيذ هذا المشروع الهادف إلى تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة وتصديرها، من خلال تصدير الكهرباء والهيدروجين النظيف، وتعزيز سلاسل الإمداد الإقليمية. وسوف تؤدي الجهود المشتركة للدول المطلة على هذا المشروع لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ودمج جوانب الحفاظ على البيئة في المبادرة إضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.
ونظراً لأن هذا المشروع يعتبر وسيلة لتحفيز التكامل الإقليمي بين الدول المطلة عليه، فإنه سيؤدي بشكل متزايد لتنشيط التجارة العالمية، وحافزاً مهماً لدفق الاستثمار من قبل الشركات العالمية الكبرى، التي ستلعب دوراً رئيسياً في تعزيز التبادل التجاري وتسهيل نقل البضائع، بما يسهم في تحسين الرفاهية الاجتماعية والتنمية على ضفاف تلك الممرات، باعتبارها مناطق جديدة واعدة يمكن من خلالها إطلاق مشاريع تنموية عديدة، بما يسهم في إدرار عوائد وأرباح ضخمة من خلالها. ولا تقتصر فوائد هذه الممرات اللوجستية على الجهات الفاعلة الاقتصادية الوطنية والدولية، بل يشمل كذلك الجهات الفاعلة الأصغر حجماً والأكثر محليةً، كالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، إذ من شأن هذه الممرات تعزيز دور هذه المؤسسات في تعزيز دور القطاع الخاص المحلي على اختلاف إحجامه، وإشراكه على نحو فعال في مشاريع الممرات لتحقيق فوائد اجتماعية واقتصادية كبيرة.
ومع دخول هذا المشروع حيز النفاذ، فإن النشاط الاقتصادي حول الممرات اللوجستية سينمو بدرجة ملحوظة بما يدفع نحو تحفيز عجلة النشاط الاقتصادي في المنطقة، عبر إتاحة الفرصة لرواد الأعمال والمستثمرين في إنشاء ممرات فرعية جديدة مع أقاليم أخرى في آسيا وأفريقيا لتعزيز سبل الاتصال معها، خاصةً عندما تلتزم هذه المشاريع بتصميم وتنفيذ ممرات خضراء خالية الانبعاثات الكربونية، استجابةً للهدف العالمي الرامي إلى بلوغ صافي صفر انبعاثات كربونية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعزز فرص التعاون الدولي والإقليمي في مجال مكافحة التغير المناخي، الذي يشهد زخماً واهتماماً دولياً واسعاً في الوقت الراهن.
من هذا المنطلق جاءت الأهمية الدولية للممرات اللوجستية لتساهم في تحقيق المزيد من التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات التي تشهدها قريتنا الكونية، وتحييد الأزمات التي تواجها دول العالم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال