الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن كانت الحروب قد أسست ما يسمى “اقتصاد الحرب” الذي تبنته الدول العظمى لكي تكون قوى عسكرية دائمة (وإن لم تقولها صراحة) حسب تعريف الرئيس الأمريكي ” فرانكلين دي روزفلت” بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، إلا أن الحقيقة الثابتة عنها أنها من أكثر الوقائع المدمرة والمؤثرة على الدول والمجتمعات، لما ينتج عنها من تغييرات جذرية في الهياكل الاقتصادية، وهذا يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.
للحروب جرأة وقحة في تدمير البنية التحتية والموارد الاقتصادية للدول بلا استئذان، تكون نتيجته انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للدول المتأثرة، حيث تتعرض الصناعات للتدمير، وتتضرر قطاعات عديدة مثل الزراعة والتجارة والخدمات، وكل هذا يقلص النمو الاقتصادي ويؤثر على مستوى المعيشة.
ومع توقف الأعمال التجارية والصناعية وتدهور سوق العمل، تفقد الشركات والمؤسسات قدرتها على الاستمرار، وهذا ببساطة يعني الاستغناء عن العمالة المؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة ومن ثمّ تفاقم الفقر والعوز في المجتمع، خاصة أن الطلب على الموارد الأساسية – في ظل الحروب – مثل الغذاء والماء والطاقة يزداد فيرتفع تلقائيا معدل التضخم، ويزداد هذا التضخم بشكل مرعب مع تعطل الإنتاج والتجارة المحلية، حيث يتعذر على الكثير من الشركات – خاصة الصغيرة والمتوسطة – مواصلة نشاطهم بشكل طبيعي، وكل هذا يتسبب في خسائر اقتصادية فادحة.
كما أن البنوك والمؤسسات المالية تتأثر سلبا بالحروب، نتيجة تزايد المخاطر وتضرر الأصول المالية، وتباعا ينخفض الإقراض وتتأثر العملات وتتواجد حالة تحديات في السيولة المالية المتوفرة، مما يؤثر على القدرة على توفير التمويل والاستدانة، كما تتأثر التجارة الدولية بشكل كبير، حيث يحدث انقطاع في سلاسل الإمداد وتعطل في النقل والشحن، مما يؤدي إلى تراجع حجم التبادل التجاري وتدهور العلاقات الاقتصادية الدولية، وهذا كله يعوق النمو الاقتصادي.
من زاوية أخرى، تتسبب الحروب في تراجع ثقة المستثمرين لتتأثر قراراتهم في الاستثمار، وفي أحسن الأحوال يحصل تراجع في الاستثمار الأجنبي بسبب عدم الاستقرار السياسي والأمني، مما يؤثر على انتقال التكنولوجيا وتدفق رؤوس الأموال، والاستثمار في البنية التحتية والصناعات الحيوية، فتكون المحصلة ذات جانبين أولها فقدان الدول المتأثرة بالحروب للفرص الاستثمارية وثانيهما مواجهة تحديات في إعادة بناء الثقة مع المستثمرين الأجانب ما بعد الحرب، وهذا بكل تأكيد يعيق قدرة الاقتصاد على النمو والتعافي والتخطيط للتنمية المستقبلية.
حتى بعد انتهاء الحروب، ستواجه الدول التي تورطت فيها تدهور في إداراتها المالية والاقتصادية بسبب تراكم الديون عليها كنتيجة طبيعية لتمويل النزاع ومن ثمً تكاليف إعادة الإعمار، فالكثير من الدول تضطر في معظم الأحيان إلى الاقتراض لتمويل حروبها والسيطرة على التداعيات الاقتصادية الناجمة عنها، وهذه الديون تزيد من العبء المالي لمستويات مؤلمة جدا.
للحروب تكلفة عالية جدا على اقتصادات ومجتمعات الدول المتأثرة بها، فهي تشكل تحديًا كبيرًا وتترك آثارًا مدمرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي (والسياسي)، وآثارها تستمر لفترة طويلة لاسيما بعد انتهاء النزاعات، فعمليات إعادة الإعمار والبناء ستستغرق وقتًا طويلاً، واستعادة الثقة وتعزيز الاستثمار وتحقيق التنمية المستدامة سيستغرق وقتا أطول بلا شك.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال