موازنة استراتيجيات التميز الوظيفي

يتمحور فن وعلم الاستراتيجيات حول اتخاذ الخيارات مع العلم بوجود مقايضات او تنازلات او تكاليف للوصول للمستهدفات وبالتالي خلق الميزة التنافسية حول المنتج، إذا ينبغي ان تسلك منهج التميز في تقديم الجودة العالية و الميزة (كشركات التقنيات) او التميز بتقديم السعر المنخفض (كشركات الوجبات السريعة).

واستراتيجيات الحياة الوظيفية لا تختلف، فهنالك الطلب على المهارات في السوق والذي يقابله العرض، وكما تفرض سوق السلع التوازن بين العرض والطلب للوصول للسعر؛ فإن سوق العمل أعمق وأكثر تشعبا، حيث تختلف الوظائف وتتشعب باختلاف المؤسسات ونماذج أعمالها مما يعطي عمقا لسوق العمل بناء على قواعد العرض والطلب والقائمة على وفرة رأس المال البشري لتلبية الطلب؛ و في حال قل المعروض، فإن السوق ستفرض على المؤسسة ان تطرح رواتب أعلى لقلة المعروض. وبناء عليه، فإن رغبة الموظف في الحصول على راتب أعلى قد لا تتحقق إلا بالتميز في المهارات والمزج بين المهارات للوصول للتميز، فعلى سبيل المثال فإن مزج المهارات المستحدثة كالذكاء الاصطناعي والمهارات الناعمة كطرق العرض والتفاوض والمهارات الفنية إتقان الطب البشري تعطيك طبيبا قادرا على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للتشخيص وعرض خطة علاجية واقناع المريض بالخطة العلاجية في حين يعجز أفضل طبيب فنيا في اقناع المريض بالطرق التقليدية. وهكذا، فإن التميز في المهارات هو النهج الأكثر استدامة لرفع قيمة الموظف السوقية وحجر الأساس في تمكينه في أي منظومة.

غير ان الموظف يواجه نقاط تحول في حياته الوظيفية، حيث يقف على مفترق طرق ويتطلب منه حاضره ومستقبله اتخاذ قرار جوهري اشبه ما يكون بتحريك قطعة شطرنج مع موازنته لعدة خيارات غير قابلة للتراجع أو العدول أحياناً وقد يكون لها تأثير على مسرى حياته خارج الوظيفة وقد يمتد للحياة الاجتماعية. إن موازنة الحياة والعمل – قد تعتبر الحلقة الاسهل لكونها تعتمد على عاملين فقط، في المقابل، فإن موازنة وظيفة اليوم بالمسار المهني الطويل هي الغاية الأساس والهدف الصعب. وبناء عليه، يتطلب موازنة المسار الوظيفي خلق توازن بين ثلاثة محاور أساسية: الأمن الوظيفي، والأمن المالي، والأمان المهني. 

الامان المهني لا يعني الركون والاستكانة في دائرة التجارب، الأمان المهني يعني رغبتك لخوض تجارب، اكتساب مهارات و بناء التجارب و تقوية دائرة الشركاء والذي بدورها تعطي الموظف الأمان المهني عبر كتابة سيرة خالدة من الانجازات والتجارب، و الذي يعتبر مصطلحا اشمل و اكبر من ضمان مهامك اليومية او مسماك الوظيفي، الامان المهني يعني أن قدراتك على اكتساب مهارات جديدة و سيرتك في الانجاز او حتى الفشل ستكسبك ميزة تنافسية تضمن لك خلق قيمة مضافة لجهة العمل، والذي بدوره يوازن لك الأمن المالي و يضمن الامن الوظيفي في معناه الاشمل والذي يوفر لك شبكة من العلاقات التي تلعب دور شبكة امان وظيفي بحيث تضمن سعي كل من عملت مع او إلى جانبه إلى جذبك لفريقهم.

يكمن الفرق الأساسي بين الأمن الوظيفي والأمان المهني في البعد الوقتي، حيث يرتكز الأول على تعظيم الفوائد قصيرة الأمد بينما يستند الأمان المهني إلى النظرة الطويلة. قد تخسر شبكة زملائك في وقت قصير، لكن انجازاتك وقدراتك المهنية ستظل معك! ولست أدعو هنا لتقديم الأمان المهني على حساب المزايا المالية والوظيفية، لكن لكل مرحلة ميزان يتطلب اعادة ضبط بشكل دائم، ومستدام، ومستمر طوال رحلة الموظف/الموظفة. وبالعادة، قد ننسى أن المراحل الأولية تتطلب من الموظف تقديم الأمان المهني والذي يشمل التعلم، واكتساب المهارات، والعمل ضمن فريق ناجح على العوائد المالية والأمن الوظيفي. يمكن التحدي التي قد يواجه الموظف/الموظفة في انه قد يجد نفسه محتاراً في ترك مؤسسة تقدم لها فرص النمو، والتعلم، وصقل مهاراتها وتدفعه إلى صنع قيمة مضافة في اهم المشاريع غير أن المؤسسة لسبب خارج عن ارادتها قد لا تستطيع اعطاءه المزايا المالية لدى جهة أخرى، فيختار الأمن المالي على التعلم والتطور مما قد يؤثر على مسيرته وبناءه للأمان المهني – والعكس صحيح فقد يكون الموظف في مرحلة تتطلب منه نقل المعرفة للأجيال القادمة وتقديم المزايا المالية على باقي المحاور (رسم توضيحي 1)

لكل مرحلة صعوبتها، والمتميز الناجح وحده من يداوم على مراجعة وموازنة مثلث الأمن المالي، والأمن الوظيفي مقابل الأمان المهني في ظل اتباع منهجية التعلم الدائم ومزج المهارات للوصول للميزة التنافسية للوصول لمحصلة متوازنة ومستدامة وقائمة على قاعدة راسخة في جميع مراحل الحياة المهنية لينفع بعلمه وعمله البلاد والعباد. وبالتالي، فإن التركيز على أهداف مختلفة في كل مرحلة من تعظيم جميع المحاور في المحصلة الإجمالية في نهاية المطاف، إذا أن محصلة النهج المستدام الوارد في (رسم توضيحي 1) ستؤدي إلى تعظيم جميع المحاور (رسم توضيحي 2)