الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الأمن الوظيفي ينحصر في التعريف الرأسمالي على قدرة العامل على الحفاظ على قيمته في المنظومة العمالية وتعود النظرة السطحية للأمن الوظيفي إلى فترات التحول من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد المعرفي، حيث انخفضت قيمة التصنيع بسبب انفتاح السوق وهاجرت الشركات إلى أسواق تتمتع بعمالة مدربة وأسعار منخفضة كدول آسيا الشرقية مقارنة بالولايات المتحدة مما دفع الأيدي العاملة في الاخيرة إلى اختزال معنى الأمن الوظيفي في المحافظة على الوظيفة.
الأمن الوظيفي لا يعني ولا يقتصر ولا ينبغي أن يحصر في ضمان الوظيفة والتقييم العالي أو المنصب العالي – بل هو ثقافة فردية أو مؤسساتية تعزز الشعور بالطمأنينة أثناء تأدية المهام الوظيفية. الأمن الوظيفي هو أكثر من مجرد قدرتك على الاحتفاظ بوظيفتك فهو ينبع من الشعور بالثقة والاستقرار ضمن بيئة وثقافة العمل، والذي يعطيك ايمانا وأماناً بأنك قادر على مواجهة التحديات والتغلب عليها بصورة عادلة، وشاملة، والمساواة والذي يفضي إلى السعي للوصول للأمان المهني والمضي قدمًا في حياتك المهنية.
ويعتبر الأمن الوظيفي حاجة أو حتى فطرة انسانية طبيعية حيث يقع ضمن عناصر الحجر الثاني في مثلث الاحتياجات، وأهميته تضمن للفرد الاستقرار النفسي. إن الرغبة بالإحساس بالأمن الوظيفي تعتبر فطرة بشرية تظهر في اليوم التالي لاستلام الراتب الشهري وإشباع الرغبات الفسيولوجية الأساسية. يبدأ الفرد بالتفكير فيه رغبة للوصول إلى المرحلة التالية والتي تتمحور في الحاجة للتقدير، والشعور بالإنجاز. وبناء عليه، لا يمكن تحقيق هذه الحاجات دون بنائها على الشعور بالأمان الوظيفي فهو حجر الأساس.
الوقوع تحت خوف فقد الوظيفة طبيعي – وقد يؤثر سلباً على الأداء حتى في ظل غياب مسببات الخوف. تعمل المؤسسات على عادة على مراجعة حساباتها ربعياً أو سنوياً مما يؤدي إلى مراجعة ربعية أو سنوية لمستحقات الموظفين، وتقتضي المراجعة المحاسبية على المؤسسة مراجعة جدوى الحفاظ على موظفيها أو تحفيزهم، أو تطويرهم، أو حتى تسريحهم بناء على النظرة القصيرة للأرباح القصيرة الأمد الواردة في طيات الجرد الحسابية. وهنا، ينبغي إعادة النظر للموظفين (وحتى مستحقاتهم) من تكاليف إلى استثمارات لمواكبة تطورات وطموح المؤسسات لمواجهة التسارع الكبير في التقنيات، وجدولتها تحت التكاليف صحيحا تشغيليا لكنه قد لا يخدم المؤسسات الحالمة والساعية لخوض غمار المستحيل! لأن المهارات الوظيفية تعتبر من الأصول، ولديها القدرة على تحقيق الأرباح والعوائد – وهنا فإن خلق بيئة لتعزيز المهارات وتنمية شعورها بالأمان الوظيفي يكفل ايضا بتحفيز الابداع وتبني ريادة الأعمال المؤسساتية للخروج بمنتجات ذات قيمة أعلى للمنظومة.
يمكن للموظف تعزيز الأمن الوظيفي من خلال الأداء الجيد والحفاظ على مهاراته وقدراته ومشاركة تجاربه – حتى في ظل غياب الثقافة المؤسساتية – حيث أن تحسس الأمن الوظيفي في بيئة العمل سيرجع على الموظف اولاً بالطمأنينة والاستقرار والسكينة مما يساعده على توازن العمل والحياة والصحة ويخلق السلم النفسي والذي تشير عدة دراسات لدوره الكبير في تحفيز التفكير الإبداعي، وبالتالي، إيجاد فرص سوقية ومنتجات إبداعية تخلق الميزة التنافسية للأفراد والمؤسسات. تبدو هذه الوصفة للوهلة الأولى بديهية! غير أن العثرة تقع في تطبيقها على المستوى الفردي وعلى مستوى الفرق والمنظمات حيث ينبغي للإداري الناجح اختيار الاستراتيجية المثلى، وخلق بيئة وثقافة العمل الآمنة، والذي بدورهما سيوجدان مساحة للموظف للتركيز على الإبداع ويرفع الإنتاجية ويشجع التنافسية الصحية؛ والأهم، أنه سيشكل مظلة للتعاون المشترك بين الموظفين. وفي حال غياب الرعاية المؤسساتية لثقافة الأمن الوظيفي، فإن الموظف الفرد أيضاً قادر على صنع، وإيجاد، وتعميق الشعور بالأمن الوظيف ونشر ثقافة الأمن الوظيفي في بيئة العمل. يمكن للموظف المتفاني تأمين وظيفته من خلال الالتزام بمعايير العمل العالية وتجاوز التوقعات بشكل منتظم، ونشر ثقافة قائمة على التعلم المستمر والاستفادة من تجاربه السابقة أو اخطاءه السابقة وطرحها للنقاش مما يعزز الثقة بين الزملاء والمشرفين، حيث أن مساعدة الزملاء وتوجيههم عبر مشاركة التجارب السابقة لا تسهم فقط في خلق بيئة وثقافة عمل إيجابية بل تعزز أيضًا العلاقات المهنية وترفع من إحساس الموظف بالأمن الوظيفي.
قد تتفاوت القدرة على النظر إلى الأمن الوظيفي لاختفائه في زاوية عمياء اثناء مسيرتنا المهنية، كونه شعورا باطنيا أكثر من أثر ظاهري للوهلة الأولى! بينما يفسر استشعار الأمن الوظيفي معظم الاستقالات التي لا يمكن فهمها إذ تركز معظم الدراسات على دور القائد في خلق بيئة عمل جذابة وبناء على ذلك تكثر التكهنات حول السبب الأساس في المقابل لاستقالة الموظفين على الرغم من وفرة المزايا الوظيفية وبرامج التطوير وينظر لهذه الاستقالات على أنها حالات فردي وخصوصا في حال المتميزين، غير أنها قد تكون في مجملها سهلة التفسير إذا نظرنا لها من جانب غياب الثقافة الفردية والمؤسساتية للأمن الوظيفي.
في الواقع، تلعب بيئة وثقافة العمل – ومن ضمنها إحساس الموظفين بالأمن الوظيفي وتقبلهم لاحتمالية وقوعهم في الأخطاء وإدراكهم بعدم قدرتهم التامة في التحكم بمخرجات الأداء نظراً لعوامل خارجية – دورًا مهمًا في تعزيز التنفيذ والقدرة على التفكير، حيث يمكن أن تؤدي ثقافة المؤسسات القوية والإيجابية إلى دعم اتخاذ قرارات أفضل، وزيادة عدد وعمق مشاركة الموظفين وتكميم مشاعرهم السلبية – وبالتالي يمكن أن يساهم كل ذلك في تنفيذ أكثر فعالية للاستراتيجيات. في بعض الحالات، قد تكون الثقافة أكثر أهمية من الاستراتيجية، إذ يمكن لشركة ذات ثقافة قوية التغلب على استراتيجية ضعيفة، بينما ستكافح الشركة ذات الثقافة الضعيفة في التنفيذ.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال