الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اعتادت كل العلوم الطبيعية والإنسانية على ظهور فترات وقوانين ونظريات تغير مسارها التاريخي الى الأبد. في علم الفلك ظهرت قوانين كبلر الثلاثة الشهيرة، وقوانين ألبرت أينشتاين وماكس بلانك وهازيبرغ وشرودنجر الشهيرة في فيزياء الكم التي بدورها حركت مجاري مياه العلوم من جديد بعد خمول طويل أصاب الفيزياء الكلاسيكية. ومعادلة شانون للمعلومات التي نقلت الاتصال من عصر الى عصر حديث، ونطريات فرويد في التحليل النفسي وعلم النفس. يزخر تاريخ العلوم بالكثير من الأمثلة على نقاط تحول لها تدعم تطورها الدائم.
لم تكن العلوم المالية بعيدة كل البعد عن تلك العلوم حيث صيغت قوانين ونظريات نقلت العلوم المالية واداره المحافظ والتسعير الى مكان أخر تماماً مغاير لما كانت عليه من قبل ظهورها. نستعرض هنا بعض أهم القوانين والنظريات التي غيرت تاريخ المالية.
العلوم المالية في شكلها الحديث هي وليدة الخمسينات من القرن العشرين وتعتبر من أقصر العلوم عمراً ولكن تفوق على كثير من العلوم الاقتصادية الكلاسيكية. يمكن تقسيم تاريخ التطور في علوم التمويل بعد الخمسينات من القرين العشرين الى قسمين وهما: مجال “تسعير الأصول” و”تمويل الشركات”. بدأت الحكاية من ” عميد التمويل الحديث” كما أود أن أطلق عليه وهو ماركيوتز بنظريته في دراسة إمكانية تحقيق المستثمرين أفضل النتائج من خلال اختيار المزيج الأمثل من الأصول من حيث العائد والمخاطرة بناء على تقييم مدى تحملهم الفردي للمخاطر (MARKOWITZ THEORY)، بعد ماركيوتز ظهر ويليام شارب بنموذج تقييم الأصول الرأسمالية الشهير (CAPM)مع ثلاثة علماء أخرون، والرائع فاما في نظرية كفاءة الأسواق (EMH)، ومقترحات موديليني-ميلر في هيكل رأس المال (MM) وأخيراً ثلاثي التسعير الشهير بلاك وشولز وميرتون في نظرية تسعير الخيارات (Black-Scholes-Merton Approach to Option Pricing). سنستعرض كل منها للفائدة وتوضيح مبسط لمفاهيمها.
السؤال الجوهري الذي يحاول ماركويتز على جوابه والذي منحه جائزة نوبل هو كيف يوزع المستثمر رأس المال الخاص به بين الأوراق المالية في المحفظة على أن يكون العائد عليها هو الأمثل وذلك من خلال جمع الأوراق المالية بأوزان مختلفة في محفظة أستثمارية واحدة، هذه الطريقة سوف تعمل على تخفيض مخاطرة المحفظة الكلية مقارنة مع مخاطر أصول كل ورقة ماليه على حدة. هذه النظرية تعتمد على عاملين رئيسين الأول هو أن هدف المستثمر هو تحقيق أعلى عائد لكل مستوى من المخاطر، والعامل الأخر هو أن مخاطر المحفظة الأستثمارية تنخفض بأضافه أوراق مالية متنوعة وغير مترابطة. قسمت النظرية المخاطر الى قسمين: مخاطر نظامية ومخاطر غير نظامية، التنويع في الأوراق قادر على تخفيض المخاطر الغير نظامية ( مخاطر الشركات المكونة للمحفظة) ولكن لايعمل على تخفيض المخاطر النظامية ( مخاطر الأقتصاد العام). بعد معرفة أهمية تنويع الأوراق المالية في المحفظة الأستثمارية لابد من عمل على أختيار المحافظ التي تقع على ماسماه ماركويتز ( المنحنى الفعال – Efficient Frontier ) وهو منحنى يمثل جميع المحافظ ذات العوائد العاليه لكل وحدة مخاطره واحدة، وبهذا المنحنى يكون العوائد مرتبطة أرتباط تام بالمخاطر (للحصول على عائد مرتفع لابد من تحمل مخاطر مرتفعة ) والمحافظ التي تقع خارج هذا المنحنى هي محافظ لا معنى لها على أحتمال أن المستثمر عقلاني في أختيار أصول المحفظة.
أفترض ويليام شارب معقبا على نظرية ماركويتز أن المستثمرين يتشاركون نفس التوقعات في العوائد والمخاطر، وبما أن جميع المستثمرين يحملون نفس التوقعات بالتالي سيختارون نفس المحفظة، لذلك أختار شارب أن تكون ( محفظة السوق – مثلا محفظة تحمل جميع أسهم تاسي ) هي المحفظة ذات المخاطر العاليه الأمثل للمستثمرين. وبما أن ليس من الواقعي أن يكون جميع المستثمرين يتشاركون درجة المخاطر نفسها فبالتالي ستعتمد أختيار أصول المحفظة على (درجة قابلية المخاطرة Degree of Risk Aversion )، فعلى حسب قابلية المخاطرة للمستثمر يمكنه أن يتحكم في وزن كل من الأصول ذات المخاطر العاليه ( محفظة السوق ) والأصول خالية المخاطر تقريبا ( الأذونات الحكومية ). وبما أن الأصول في المحفظة ذات المخاطر العالية يمكن تقسيمها الى مخاطر نظامية وغير نظامية فأنه يمكن التقليل من المخاطر الغير نظامية بزيادة عدد الأوراق المالية الغير مترايطو وبالتالي ظهر (معامل بيتا) وهو معامل يقيس مدى حساسية تحرك الأصل مع محفظة السوق كل ما قل هذا المعامل أرتفع الفائدة من التنويع لأنه سيعمل على خفيض المخاطر الى مستوى المخاطر النظامية التي لا يمكن أزالتها. يمكن للمستثمر أن يضع أوزان المحفظة الخاصه به على طول خط يربط بين الأصول الخالية من المخاطر ( الأذونات الحكومية) وبين محظفة السوق والتي تقع مماسه للمنحنى الفعال على حسب قابلية لتقبل المخاطر، فالمستثمر الذي له قابلية تقبل للمخاطر مرتفعة سيخصص وزن أعلى لمحفظة السوق مقارنة مع محفظة الأذونات الحكومية.
تنص النظرية الى أن جميع الأصول مقيمة بشكل عادل وتعكس جميع المعلومات المتاحة كاملة وبالتالي لن يتفوق أحد على السوق عن طريق التحليل الفني أو الأساسي أو حتى عن طريق المعلومات الداخلية للشركة في ضوء هذه الأفتراضات فأن لا حاجة لمحاولة هزيمة السوق والحل الأمثل هو أن تتماشى معه. النظرية هذه تقول أن مدراء الصناديق الذين يعملون على تحقيق الفا أعلى من السوق هم فقط يضيعيون الكثير من الوقت ومدراء الصناديق المحافظة التي تستثمر في مؤشر السوق سوف يكون أدائهم أفضل في نهاية المطاف. تقسم النظرية كفاءة السوق الى ثلاثة نماذج: النموذج الضعيف للكفاءة ( لن تهزم السوق بمجرد التحليل الفني) والنموذج متوسط الكفاءة ( لن تهزم السوق بمجرد التحليل الفني والأساسي ) والنموذج قوي الكفاءة ( لن تهزم السوق بالتحليل الفني والأساسي والمعلومات الداخلية الغير معلنه). تختلف الأسواق من ناحية الكفاءة ولكن لايوجد هناك بالطبع من وجهة نظري سوق ذو نموج كفاءة قوية فالأسواق الى الأن يمكن تحقيق عوائد غير عادية حتى في الأسواق المتطورة.
تنص نظرية موديليني-ميلر الى أن هيكل رأس المال لا يؤثر على قيمة الشركة الأجمالية. النظرية تم تقسيمها الى قسمين: النظرية بدون الضرائب ( MM Without Tax ) على أفتراض أنه لايوجد ضرائب ولا تكاليف إفلاس ويكون سعر الأقراض واحد للشركات والأفراد والقسم الأخر هو النظرية بإفتراض وجود الضرائب وتكاليف الأفلاس وأسعار الأقتراض لدى الشركات يختلف عن الأفراد. وينقسم كل قسم الى أفتراضين، الأفتراض الأول MM1 والأفتراض الثاني MM11. الجدول التالي يوضح النظرية:
النظرية بدون ضرائب | النظرية بوجود ضرائب | ||
الأفتراض الأول (MM1 ) | لاتتأثر قيمة الشركة الأجمالية بهيكل رأس المال لأن قيمتها تحسب من خلال القيمة الحالية للتدفقات المستقبلية وبما أنه لايوجد ضرائب فأن الشركة لن تستفيد من خصم الضريبة على الفوائد المعفاه للديون. | الأفتراض الأول (MM1 ) | مدفوعات الفائدة المعفاة من الضرائب للشركة ذات الدين المرتفع تؤثر بشكل إيجابي على التدفقات النقدية للشركة. وبما أن قيمة الشركة يتم تحديدها على أنها القيمة الحالية للتدفقات النقدية المستقبلية، فإن قيمة الشركة ذات الدين تزداد لأن صافي الدخل لها أزداد. |
الأفتراض الثاني (MM11 ) | تكلفة حقوق الملكية للشركة (Cost of Equity ) يتناسب بشكل مباشر مع مستوى الديون للشركة. تؤدي الزيادة في مستوى الدين إلى زيادة احتمالية التخلف عن السداد للشركة. وبالتالي يطلب المستثمرون عائد على رأس المال أعلى للتعويض عن المخاطر الإضافية. | الأفتراض الثاني (MM11 ) | وجود الفوائد المعفاه من الضرائب يؤثر على العلاقة من خلال جعل تكلفة حقوق الملكية أقل حساسية لمستوى الديون للشركة. على الرغم من أن الديون الإضافية لا تزال تزيد من فرصة تخلف الشركة عن السداد، إلا أن المستثمرين أقل عرضة للمخاطر لأن تلك الديون تخلق مايسمى ب الدروع الضريبية التي تعزز قيمتها. |
هو نموذج تسعير يستخدم لتسعير خيارات الأسهم ( Options ) وهو يعتمد بشكل أساسي على ستة متغيرات يمكن من خلالها تسعير القيمة العادلة للخيار وهي ( التذبذب، النوع، سعر سهم الخيار الأساسي،سعر التنفيذ، الوقت ومعدل العائد الخالي من المخاطر). المعادلة في الأسفل توضح النموذج للتسعير والذي أستخدم فيه الست متغيرات المذكورة أعلاه فيه للحصول على سعر الخيار.
أيضا من النظريات التي بدأت تبرز بشكل واسع في أخر السنوات هي المالية السلوكية والتي كان رائد ظهورها روبرت شيلر وهو مجال يربط علم النفس مع المالية ويدرس كيفية تؤثر المستثمرين والمحللين الماليين بتحيزات تجعلهم يتصرفون بشكل غير عقلاني في الغالب. من الجميل أن شيلر وفاما تشاركا جائزة نوبل عام 2013م على الرغم أن لكل واحد منهم نظرية تنقض الأخر فشيلر لايؤيد كفاءة الأسواق وفاما هو الأب الروحي لها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال