المتردية والنصيحة

لا يوجد خطأ في العنوان عزيزي القارئ؛ نعم أنا أعني النصيحة وليست النطيحة كما وردت في القرآن الكريم.
في المجتمع الوظيفي أحيانا يتم توكيل الأمر لغير أهله باسناد قيادة بعض المشاريع لمن لايفقه فيها شيئاً وهذا أمر يعتمد على بعض الاعتبارات الخاصة والعلاقات الشخصية ( المشبوهة أحياناً) بين بعض القياديين في المنظمات وبعض اتباعهم من المتردية والنطيحة.

المشكلة هنا ليست في تولي المتردية لزمام الأمور. فهناك الكثير من القياديين المميزين والمخلصين المحيطين بتلك المتردية والذين يستطيعون تقويم الاعوجاج وتهدئة الانزعاج وتقديم النصائح وتطبيق اللوائح. ولكن تكمن جُلّ المعضلة في تصديق تلك المتردية نفسها بأنها أهل لتلك المهمة (أو المنصب) فتبدأ في إصدار الأوامر واعتلاء المنابر وارتكاب الكبائر.

لايقف الأمر عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى عدم تقبل تلك المتردية للنصائح والتوجيهات من ذوي الخبرة والحصافة وأهل الحلم والأناة. بل وتحارب كل من يسدي لها النصيحة وتدخل في صراعات وخلافات مع الآخرين تحت مبدأ إن لم تكن معي فأنت ضدي فتترك الأهداف الرئيسية للمنظمة وتنشغل بصغائر الأمور(من صراعات ومهاترات فارغة). لكن بعضهم في الواقع ينطبق عليه ما ذكره الكاتب الأمريكي جون شتاينبك :”لا أحد يريد النصيحة، بل يريدون فقط التأييد”.

كل ماتم ذكره سابقاً لايساوي شيئاً أمام سرقة جهود الآخرين والانفراد بالتكريم ومايسمى credit.
عادة ما تكون المتردية مبدعة في الاستحواذ على الكيكة الجميلة بعد تعب غيرها على صناعتها واتقان خلط مكوناتها وضبط مقاديرها وتجميلها وزخرفتها. فتأتي المتردية لتضع حبة الكرز على قمة الكيكة لتحصل بذلك على التصفيق الحار وتسجيل الاعجاب بذلك الإنجاز العظيم.

والناظر بتمعن في عالم الأعمال والمجتمع الوظيفي يعلم ويرى أن المنظمات الكبرى الناجحة تسعى جاهدةً باختيار الأشخاص المؤهلين لأنهم في النهاية هم من يعكس صورة ضخامة اسمها ورؤيتها، ونجاح مؤشرها بسوق الأعمال، فلا مكان للمتردية بين جدرانها وإن سعت للبقاء. لذلك يقال عندما تمنح سلطة لشخص غير مؤهل، فإنك تعطيه أداة للفشل والتدهور والفوضى وهدر الموارد.

أختم بما قاله الدكتور غازي القصيبي رحمه الله : ” لا شيء يقتل الكفاءة الإدارية مثل تحول (الشلة) إلى زملاء عمل”
واعلم عزيزي القارئ أنّ الموظف المميز ذو الكفاءة العالية هو رأس مال المنظمة ورهانها الرابح.