الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الثالث من يونيو من عام 1992 انطلقت أعمال قمة ريو أو ما تسمى “قمة الأرض ” وهي قمة نظمتها الأمم المتحدة في ريو دي جانيرو في البرازيل وقد جمعت القمة أكثر من 100 رئيس حكومة لمناقشة المشاكل المرتبطة بالتدهور البيئي والتنمية المستدامة، وعلى الرغم من أن القمة لم تحقق الأهداف الطموحة التي عقدت من أجلها إلا أنها وضعت الحجر الأساس لضمان بقاء مشاكل البيئة والتنمية على جدول الأعمال الدولي.
صاحب القمة مؤتمراً شارك فيه أكثر من 2,000 منظمة غير حكومية عبر أكثر من 16,000 ممثل لتلك المنظمات بصفة استشارية للمساهمة بقرارات القمة توازياً مع الآراء الحكومية الرسمية وهو الأمر الذي قاد التوصل إلى اتفاق بشأن اتفاقية تغير المناخ والذي مهد الطريق بعد ذلك إلى بروتوكول كيوتو في عام 1995 واتفاق باريس في عام 2015.
قمة ريو ” قمة الأرض” نتج عنها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وهي الخطوة العالمية الأولى في هذا الشأن وكانت تلك الخطوة الأممية الأهم آنذاك، حيث تعد هذه الاتفاقية إطاراً للالتزامات والمبادئ التوجيهية التي كان هدفها العملي ولا يزال هو توفير الهيكل الذي يمكن من خلاله ترسيخ قواعد ومبادئ العمل المناخي والتي أصبحت بمرور الوقت قانوناً دوليًا ملزماً كما تتمتع هذه الاتفاقية بعضوية عالمية حيث صدقت 197 دولة عليها.
تم اعتماد بروتوكول كيوتو في الحادي عشر من ديسمبر من العام 1997 ونظراً لعملية التصديق المعقدة لم يدخل البروتوكول حيز التنفيذ إلا في السادس عشر من فبراير في العام 2005 ويوجد حالياً 192 طرفاً في بروتوكول كيوتو. يعمل بروتوكول كيوتو على تفعيل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ من خلال إلزام البلدان الصناعية والاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقالية بالحد من الانبعاثات المسببة للانحباس الحراري العالمي وخفضها وفقاً للأهداف الفردية المتفق عليها ولا تطلب الاتفاقية من تلك البلدان سوى اعتماد سياسات وتدابير بشأن التخفيف وتقديم تقارير دورية في ذلك.
يستند بروتوكول كيوتو إلى مبادئ وأحكام الاتفاقية وهو لا يقيد إلا البلدان المتقدمة ويضع عبئاً أثقل عليها بموجب مبدأ “المسؤولية المشتركة “، لأنه يعترف بأنها مسؤولة إلى حد كبير عن المستويات المرتفعة الحالية من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري في الغلاف الجوي من كوكب الأرض ، كما يحدد بروتوكول كيوتو أهدافاً ملزمة لخفض الانبعاثات لـ 37 دولة صناعية واقتصادية تمر بمرحلة انتقالية بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وبشكل عام فإن هذه الأهداف تضيف ما يصل إلى متوسط خفض الانبعاثات بنسبة 5 في المائة مقارنة بمستويات عام 1990 خلال فترة الخمس سنوات 2008-2012 (فترة الالتزام الأولى).
إنشاء آليات سوق مرنة تقوم على تجارة تراخيص الانبعاثات كانت أهم العناصر في بروتوكول كيوتو، حيث أنه يتيح للبلدان تحقيق أهدافها في المقام الأول من خلال التدابير الوطنية كما يوفر لهم البروتوكول وسيلة إضافية لتحقيق أهدافهم عن طريق ثلاث آليات قائمة على السوق وهي:
تم اعتماد تعديل الدوحة لبروتوكول كيوتو في الثامن من ديسمبر في العام 2012 لفترة التزام ثانية (2013 – 2020) وذلك بعد انقضاء فترة الالتزام الأولى لبروتوكول كيوتو ( 2008 – 2012 ) ، إلا إن بعض الدول كانت متباينة في موقفها بشأن الالتزام في الفترة ما بين مؤتمري كيوتو والدوحة حيث كانت كندا قد انسحبت من المعاهدة وتقول اليابان وروسيا إنهما لن تقبلا التزامات جديدة، بينما لم توقع الولايات المتحدة مطلقًا.
قبل أيام من مؤتمر الدوحة وتحديداً في الرابع من ديسمبر من العام 2012 ضرب إعصار بوفا الفلبين وتضررت بسبب الإعصار أكثر من مليون عائلة إضافة إلى دمار آلاف المنازل والعديد من الجسور والطرق وانقطاع التيار الكهربائي في مناطق عدة والمئات من الوفيات بالإضافة إلى الأضرار في الزراعة والبنية التحتية والممتلكات الخاصة والتي تقدر بنحو 156 مليون دولار.
ازدادت انتقادات المنظمات البيئية حول العالم للحكومات وذلك بسبب عدم التوصل إلى اتفاق فعال بين الدول خصوصاً بعد إعصار بوفا وهو ما يعتقد أنه مثالًا على الارتفاع في الأحوال الجوية القاسية الناجمة عن تغير المناخ والذي بموجبه وافقت البلدان المتقدمة على مساعدة البلدان النامية في التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها كما وضعت الاتفاقية المندوبين على الطريق نحو معاهدة جديدة وهو من النجاحات التي حققها مؤتمر تعديل الدوحة.
الثاني عشر من ديسمبر من العام 2015 شهد اتفاق باريس وهو معاهدة دولية ملزمة قانونياً بشأن تغير المناخ وقد تم اعتمادها من قبل 196 طرفًا في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP21 في باريس) ودخلت حيز التنفيذ في الرابع من نوفمبر عام 2016، جاء هذا الاتفاق عقب المفاوضات التي عقدت أثناء المؤتمر وقدم المشروع لوران فابيوس في الجلسة العامة ليكون هذا الاتفاق مناسب ودائم ومتوازن وملزم قانونياً.
ويتلخص الهدف الشامل للاتفاقية في إبقاء “الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية عند مستوى أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة” ومواصلة الجهود “للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة”.
يمثل اتفاق باريس منعطف تاريخي في سبيل التوصل للتوافق حيال الحد من التغير المناخي حيث وأنه وبعد سنوات من المفاوضات بين دول العالم تم وضع حد للخلاف ما بين أهمية الالتزام بالسياسات المناخية لتفادي كوارث محتملة وما بين أن لا تكون تلك السياسات عائق في سبيل مواصلة النمو لاقتصادات الدول الصناعية والمنتجة للنفط ، وعلى النقيض من الاتفاقات السابقة فإن اتفاقية باريس تتطلب من جميع البلدان تقريباً -سواء المتقدمة أو النامية- أن تحدد أهدافاً لخفض الانبعاثات مع الإبقاء أن تختار البلدان أهدافها الخاصة.
ختاماً
في الوقت الذي تشتد فيه الخلافات بين أقطاب القوى العالمية سياسياً واقتصادياً إلا أن مؤتمر الأطراف يضع جميع تلك القوى في كفة واحدة لمواجهة خطر المصير الواحد المحتمل لسكان الكوكب الأزرق ومع تقادم الوقت تزداد الحاجة لتكثيف الجهود وتوحيدها لحماية البشرية من الكوارث التي تهدد كوكبهم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال