الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
“نبذة تاريخيّة”
كم واحداً منّا عندما اقدم على شراء منتج معين، تلقى افضل معاملة، بل ربما نجد حفاوة كبيرة خصوصا عند مرحلة شراء سلع ذات قيمة مالية عالية. سلاسة خدمات ما قبل الشراء ليست فقط الحصول على معاملة ممتازة، بل حتى في سهولة الحصول على المنتج حيث يكون الموضوع اسهل مما نتخيل. ولكن، منذ لحظة تحولك من مجرد زبون إلى عميل، نجد أن التعامل يتحول من الحفاوة والسهولة في إجراء العملية، إلى دوامة من التواصل الغير مجدي والمطالبات و الشكاوي إلى أن تصل لمرحلة تغيير الشركة التي أدخلتك في هذه الدوامة إذا كان هذا الخيار متاح، أو الرضا بالامر الواقع مع عدم الشعور بالرضا تجاه المنتج والشركة والمؤسسات المسؤولة عن حماية المستهلك. وبالتالي لهذا الموضوع أبعاد مختلفة ومهم ان يتم أخذها بجدية، خصوصا في ظل رغبة المملكة العربية السعودية بالتحول الجاد الى اقتصاد منتج و متنوع. لذلك، سأكتب سلسلة من المقالات في هذا الموضوع من النواحي القانونية الاقتصادية. في مقال اليوم، سيتم إلقاء الضوء على نبذة تاريخيّة عن نشأة خدمة العملاء حيث تكون الصورة متكاملة بخصوص حماية المستهلك و تطوير خدمة العملاء.
عندما نتحدث عن خدمة العملاء في عام 2023، غالبا سنتحدث عن استراتيجيات خدمة العملاء الحديثة، مثل دعم تنويع قنوات التواصل في خدمة العملاء، والتخصيص الدقيق لخدمات مابعد البيع، و استخدام الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء .. الخ من الموضوعات الحديثة المتعلقة بصناعة خدمة العملاء. لكن دعم خدمة العملاء لم يكن دائمًا بهذه الدرجة من التطور. في الواقع، لقد استغرق الأمر طريقًا طويلًا وشاقًا للوصول إلى ما نحن عليه اليوم.
وهذا هو الطريق الذي نحتاج إلى فهمه من اجل استيعاب اهمية خدمة العملاء في تعزيز النشاط التجاري من ناحية، ورفع معدل الثقة في مؤسسات القطاع العام و الخاص، ورفع معدل الشعور بالأمان لدى سكان الدولة في إيمانهم بأن المؤسسات المسؤولة عن حماية المستهلك تهتم بشكل كبير بهذا الموضوع. تبدأ رحلة تكون صناعة خدمة العملاء في عام 1750 قبل الميلاد مع أقدم شكوى مكتوبة معروفة: لوح من الطين كتبه ناني إلى إيا ناصر في بلاد ما بين النهرين القديمة. وافق إيا ناصر على بيع سبائك النحاس لرجل يدعى ناني. أرسل ناني خادمه بالمال لإتمام الصفقة، ولكن عندما عاد خادمه بالنحاس، لم يكن راضيا عن المنتج على الإطلاق، مما دفعه إلى كتابة رسالة شكوى بالكتابة المسمارية. يتحدث النقش الموجود على هذا اللوح الطيني عن أن:
“النحاس الذي تم تسليمه كان ادنى من المستوى المطلوب ، كما كان هناك مشاكل مع التسليم السابق وأنه تم معاملة خادمه الذي عند استلام المنتج بوقاحة. لذلك، لن اقبل بالنحاس على الرغم من دفع قيمته مسبقا” وهذه واحدة من الرسائل التي وجدوها علماء الآثار والتي احتوت على شكوى عملاء. ومن هنا نستطيع القول، أنه منذ ذلك الزمن حتى القرن التاسع عشر، يعتبر حق العميل في الاعتراض على المنتج موجود، ولكن ليس هناك اي تصرف سائد من قبل التاجر للتعامل مع الشكاوى.
إلى أن وصلنا عام 1876، حيث تطور مفهوم خدمة العملاء من حيث حق العميل في استرداد أمواله عند عدم الرضا عن المنتج. أول من ابتكر هذه الاستراتيجية هو رائد الأعمال الأمريكي، جوزيف راي واتكينز “J.R.Watkins”. ابتكر جي آر واتكينز خطة لطهي المراهم (علاج لعلاج آلام العضلات) في مطبخه، وقام بتعبئتها في زجاجات، وبيع منتجه من الباب إلى الباب للمزارعين و القرويين المحليين في قريته. لم يتلقى منتجه ترحيبا من قبل المستهلكين خصوصا في ظل عدم معرفة المستهلكين بمنتجه وعدم ثقتهم بفعاليته. لذلك كان يبحث عن حل للترويج عن المنتج، لذلك قام بوضع “علامة اختبار” على الزجاجات، حيث وضع على ثلث الزجاجة خط ملون، ووضح أنه إذا لم يتجاوز استخدام العميل للمرهم هذا الخط خلال مدة معينة حددها، للعملاء حق الحصول على استرداد كامل المبلغ، إذا كان سبب عدم استخدامهم هو عدم الرضا عن المنتج. أدى هذا إلى ظهور أول نظام لخدمة العملاء وهو نظام ضمان استعادة الاموال. ومن الأمور المثيرة للإعجاب، أن الاهتمام بخدمة العملاء كان سبب رئيسي لاستمرار هذا المشروع، حيث لا تزال شركة J.R Watkins تعمل حتى يومنا هذا! اليوم تعتبر شركة J.R Watkins شركة عريقة، تقدم منتجات النظافة الشخصية و منتجات العناية بالبشرة. لذلك من العدل أن نقول إن خطته نجحت بشكل جيد حيث اننا نرى شركته مستمرة بالعمل لأكثر من 150 سنة.
بالطبع،لا تعتبر فكرة J.R Watkins هي البداية الحقيقية لنشوء فكرة خدمة العملاء، حيث أن الافتقار إلى خيارات النقل يجعل إرجاع المنتجات أو إصلاحها سيستغرق فترة طويلة جدا تصل إلى أشهر، وهذا يعني تحميل المستهلك مشقة وعناء السفر. حيث أنه إذا كانت لدى المستهلك أي أسئلة أو مخاوف أو مشكلات تتعلق بعملية الشراء، فسيتعين عليه العودة إلى المكان الذي اشتراه المنتج منه.
ولكن في عام 1876، حصل ألكسندر جراهام بيل على براءة اختراع الهاتف الكهربائي. ومن هنا بدأت فكرة إنشاء مركز اتصال لخدمة العملاء، حيث انه بعد اختراع التليفون، أصبح العملاء يتواصلون مع المتاجر هاتفيا، لكن الرد على الاستفسارات لم يكن بالكفاءة المطلوبة لأسباب كثيرة من ضمنها كثرة الاستفسارات. لذلك، حظيت مراكز الاتصال باهتمام كبير، وكان من أسباب هذا الاهتمام هي حصول شركة Rockwell International على براءة اختراع لنظام حجز هاتفي جديد ونشر سماعات الهاتف، حيث استقر هذه الفكرة من مشاهدتها لأحداث مركز التحكم في مهمة NASA المتلفزة.
ومن الجدير بالذكر أن مصطلح “مركز الاتصال” نفسه تم نشره والاعتراف به من قبل قاموس أكسفورد الإنجليزي فقط في عام 1983.
وعلى الرغم من أنه أصبح بإمكان العملاء الآن الاتصال بالشركات مباشرة، إلا أنه لا يزال هناك عقبة رئيسية: كان القيام بذلك الاتصال مكلفًا للغاية على العملاء. كان البديل الوحيد للعملاء هو إجراء “مكالمة جماعية” تتضمن فرض رسوم على الشركة مقابل المكالمة. لذلك كان لابد من إيجاد حلول بديلة، حيث ان خدمة العملاء ساهمت بشكل كبير في رفع معدل المبيعات لدى الشركات الي اهتمت به. لذلك، ظهر مفهوم الرقم المجاني، والذي يشار إليه أيضًا باسم الأرقام 1-800. تم تقديم الأرقام المجانية لأول مرة بواسطة AT&T، وهي تسمح للعملاء بإجراء مكالمات من أي مكان داخل منطقة محددة مسبقًا عن طريق طلب البادئة 1‑800 متبوعة برقم مكون من سبعة أرقام. كانت المكالمات 1-800 مجانية وخففت من متاعب التعامل مع المشغل. وقد أتاح هذا الآن للعملاء طريقة أسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة للتواصل المباشر مع الشركات.
كان التطور الرئيسي لصناعة خدمة العملاء هو تقديم خدمة الاستجابة الصوتية التفاعلية (المعروفة باسم IVR)، وهي تقنية تتيح للعملاء التفاعل مع نظام الهاتف الذي يعمل بالكمبيوتر من خلال استخدام الصوت. كان الرد الصوتي التفاعلي (IVR) هو الذي يطرح على العميل أسئلة عبر الهاتف، وعليه الرد بكلمات مثل “نعم” أو “لا” لإرشاده إلى الخطوة التالية. على الرغم ان هذه الخدمة بها عيوب كثيرة، ولازال تطويرها قائما إلى اليوم من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلا أنها تعتبر تحول في صناعة خدمة العملاء من خلال عدم الحاجة اختصار الوقت بدل الانتظار للرد من قبل مسؤول الخدمة في حال كانت الإجابة يمكن الحصول عليها بناء على المدخلات في جهاز الكمبيوتر.
بالطبع، اختراع الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي حقق نقلة نوعية في هذه الصناعة. لذلك، خدمة العملاء لا تعتبر امر مكمل لأية منشأة تقدم خدمة للجمهور، وإنما هي علم و وجوده يحقق مكاسب مادية ومعنوية كبيرة لكلا الطرفين: المستهلك وصاحب الخدمة. لذلك، نجد في امريكا مثلا، تعتبر خدمة العملاء صناعة وليست عمل جانبي، لأنه إذا استطعت أن تكسب رضا العميل او المستفيد، فهذا يعني ضمان ولائه واستمراريته في التعامل مع المؤسسة أو الشركة. عموما، الإشارة إلى التسلسل التاريخيّ لتطور صناعة خدمة العملاء، هو أمر جوهري لفهم أهمية هذا الموضوع من الناحية الاقتصادية إذا كنا نتحدث عن الاهمية المباشرة، و اهمية هذا الموضوع من الناحية القانونية إذا كنا سنتحدث من الناحية الغير مباشرة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال