الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تلعب المؤسسات المالية دوراً هاماً في نمو الاقتصاد الوطني، ولكن يتبلور في ظل تلك المنفعة الكبيرة خطرٌ انحراف تلك المؤسسات عن قواعد العمل السليم والذي قد يكون عن دون قصد: كالإهمال، وعدم بذل الحرص والعناية الواجبة عند مباشرة اعمالها، أو عن طريق الممارسات الغير أخلاقية مثل التلاعب في الأسواق، ومحاولة الوصول الي المعلومات الداخلية للاستفادة منها، ولذلك تحرص الدول على وضع آليات عمل لتلك المؤسسات وتنظيم مختلف أوجه نشاطها.
ولكن نظراً لأن كل تلك الأنظمة والآليات هي أنظمة وقواعد وضعية من قبل البشر ولذلك تحمل دائماً أوجه قصور ونقص مما أدي ببعض التشريعات ومنها النظام السعودي الي وضع مجموعة من اللوائح والمبادئ العامة الملزمة لتحكم ممارسة المؤسسات المالية لعملها، ولتكون بمثابة الهدي التي تسير عليه وتلتزم به في مواجهة الكافة من الجهات الرقابية والمتعاملين معها، وأوجبت على جهات الفصل القضائي العمل بموجبها وتطبيقها على الواقع.
ومن أمثلة ذلك ما نصت عليه (لائحة الأشخاص المرخص لهم) الصادرة عن هيئة السوق المالية والمعدلة في تاريخ 22 أغسطس 2022 بموجب القرار رقم 1-94-2022 ليتغير اسمها (للائحة مؤسسات السوق) حيث جاء في المادة الخامسة منها التزامات عامة علي مؤسسات السوق المالية وضابطاً لمعايير السلوك، وهنا يثور التساؤل عن مدي تطبيق تلك المبادئ على الشركات والمؤسسات المالية في الواقع، وهنا نستعرض قرار حديث من لجنة الاستئناف في منازعات الأوراق المالية رقم 2409/ ل.س/ 2022 في دعوي مرفوعة امامها من مشترك ضد مدير صندوق استثمار عقاري يطلب فيها التعويض المالي عن مالحقه من خسارة:
تتلخص وقائعها في ادعاء المشترك أنه قد تحمل أضراراً بالغة جراء إهمال مدير الصندوق وتقصيره وسوء إدارته للصندوق، مما أدي إلى تعثره وتحمل المشترك للخسائر والأضرار المدعي بها، ولكن المثير للاهتمام في تلك الدعوي أن لجنة الاستئناف استندت في تسبيب قرارها، بالإضافة الي المخالفات التي ارتكبتها الشركة مديرة الصندوق، الي المبادئ والواجبات العامة المفروضة علي الشركة المدعي عليها والتي نصت عليها لائحة مؤسسات السوق من متطلبات العناية والحرص وفعالية الإدارة والرقابة وحماية أصول العملاء ومراعاة مصالحهم.
وكانت أسباب قرار لجنة الاستئناف قد جاءت مؤيدة لقرار لجنة الفصل الإبتدائية من ثبوت خطأ مدير الصندوق، ومخالفته الالتزام الذي يقع على عاتقه بصفته مديراً للصندوق من إعداد القوائم المالية، وفعالية الإدارة والرقابة والمتمثلة في عدم متابعته أداء الشركة و المطور والمشغل العقاري للصندوق، وعدم اتخاذه تدابير علاجية في مواجهة فسخ عقود تأجير المحطات محل الاستثمار من ملاك الأعيان المؤجرة أو ملاك منافعها الأصليين بما يخدم مصلحة المشتركين، بالإضافة الى سداد حوالي 85% من راس مال الصندوق مسبقاً عند التوقيع بدلاً من سدادها على دفعات وفق ماهو متعارف، وتحت إشراف هندسي مستقل مما حال دون إمكانية اتخاذ إجراءات فعالة لمعالجة الخلل في أداء المشغل، حيث رأت اللجنة أنه بمجموعها تكونت مخالفات صريحة للائحة صناديق الاستثمار، ونشرة شروط وأحكام الصندوق، وقد أرجعت اللجنة سببها في الأصل الي مخالفة المادة الخامسة من لائحة مؤسسات السوق وما حوت مبادئها من حرص وعناية كان عليها اتباعها لتجنب نشوء تلك المخالفات.
وتكمن أهمية ذلك القرار في ترسيخ الحماية القانونية للمتعاملين مع المؤسسات المالية، وتنبيه تلك المؤسسات الى الحرص الدائم على الالتزام بالمبادئ العامة لنظام مؤسسات السوق، وبذل العناية والحرص المطلوبين في معاملاتهم وإدراك أنه مجرد مخالفة المبادئ العامة قد تعرضهم للمسائلة القانونية والتعويض حتي وإن لم يتم إثبات مخالفة صريحة للنظام في مواجهتهم، ولكننا نرى وجوب مراعاة عدم التشدد في مسائلة المؤسسات المالية عن طريق المبادئ العامة لكي لا يتسبب ذلك في إعاقة عملية الاستثمار حيث ان التخوف الزائد قد يعوق تلك المؤسسات من مباشرة أعمالها مما يستوجب معه الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.
ومن الجدير بالذكر أن قرار لجنة الفصل المستأنف عليه امام لجنة الاستئناف قد انتهي الى فسخ العلاقة التعاقدية بين المشترك ومدير الصندوق وتعويض المشترك عن الباقي من قيمة اشتراكه بعد خصم الأرباح التي تسلمها خلال فترة اشتراكه بالصندوق، ونري أن ذلك التعويض جاء ليتماشى مع الأثر القانوني للفسخ وهو إرجاع المتعاقدين الي وضعهم قبل التعاقد، وجواز التعويض في حالة استحالة ذلك وهنا، نشير بذلك الي اختلاف الأثر القانوني للفسخ عن الإنهاء الذي يقتصر دوره علي وقف استمرار (نفاذ) العلاقة التعاقدية بين الأطراف دون الغاء المعاملات التي تمت بينهم قبل تاريخ الانهاء وهو الأمر الذي نري أنه فات على لجنة الاستئناف حيث انتقدت قرار لجنة الفصل بفسخ العقد مرتئية: أنه انتهي نظاماً قبل قيد الدعوى، واعتبرت انه لا وجه لفسخ علاقة تعاقدية منتهية بالفعل وبالتالي استنكرت عدم الحكم بتعويض اكبر للمشترك من قبل لجنة الفصل وذلك لتعويضه عن ما فاته من كسب وما لحقه من خسارة، دون التنبه الى ان السبب وراء الحكم بفسخ العقد، من وجهة نظرنا، هو إحداث الأثر القانوني له من إرجاع المتعاقدين الي الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد مما يتفق مع مبلغ التعويض المحكوم به سعياً من لجنة الفصل لإحداث ذلك الأثر.
ومع مادار في هذا الحكم من آراء بين المدعي والمدعى عليها وبين لجنة الفصل ولجنة الإستئناف، إلا أن مايهم هو أن عمل مدراء الصناديق يحمل الكثير من المسؤولية والمسائلة، ويلفت النظر إلى وجوب بذل العناية اللازمة في تسيير الأعمال بما يتوافق بين الجانب النظري والواقع العملي، وفق أعلى درجات الإحتراف، بعيدا عن لحظات الإبتهاج وشعور نمو الأرباح وبريق توقيع مذكرة الشروط التي تشبه شهل العسل بين الأطراف، قبل أن تبدأ مرحلة التدقيق والتعليق، فمن الأكيد أن هذا القطاع يستوجب المزيد من الحرص والعناية الفائقة على جميع المستويات ولأسباب يطول حصرها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال