الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعُم التفاؤل حول استمرار تعافي اقتصاد العالم في عام 2024، ولكنه حذر بسبب التوجس من توسع الاضطرابات الجيوسياسية، وأيضا لموعد 60 دولة هذا العام (تمثل في مجموعها ما يوازي 60% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي) مع صناديق الاقتراع للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهذا يعني أن حكومات هذه الدول ومعها بعض الشركات والمنظمات متعددة الجنسيات، غالبا ستتبنى موقف الانتظار والترقب بشكل واسع النطاق، مما سيدفعها لتأخير قراراتها الاقتصادية الحاسمة مؤقتا.
هذا الحذر سوف يعزز حالة عدم اليقين المدعومة بالقلق من احتمالية حدوث هزة (أو هزات) غير متوقعة، تؤدي لانعكاس على الإنتاج وسلاسل الامداد والاستثمار والاستهلاك، ومع مستويات الدين العام للعديد من الدول والتي وصلت لأرقام فلكية – خاصة ذات الاقتصادات الناشئة التي تجد صعوبة في الالتزام بخدمة ديونها فضلا عن سداد أصل هذه الديون – فإن حالة عدم اليقين هذه مؤهلة أن تزداد عتمة، والبيانات التاريخية تؤكد على مبدأ مبيت التداعيات الاقتصادية خلف مثل هذا الموقف.
لذلك، تأخير القرارات الاقتصادية الحاسمة – من باب التحوط – في العديد من الدول هو الراجح في بداية العام، لاسيما أن الاقتصادات الأضخم في اوضاع لا بد من اعتبارها، فعلى سبيل المثال مازالت الولايات المتحدة وبالرغم من نجاح الكثير من المناورات المالية فيها لإطالة آجال استحقاق الديون وتثبيت أسعار الفائدة، تعاني بعض القطاعات فيها من ضغوط في ظل أسعار الفائدة المرتفعة وتراكم حالات التأخر في سداد القروض، وبالرغم من أن الواضح أن يستمر اقتصادها – الذي يتوقع نموه بنسبة 2.4% في عام 2023 – في النمو، ولكن المرجح أنه سيكون بوتيرة أبطأ.
أما منطقة اليورو، فإنها تتصارع مع نمو قريب من الصفر، مما يجهزها لكي تنزلق لفترة وجيزة إلى الركود الفني، ولكن يظل التفاؤل الحذر يطغى على الاقتصاديين بحدوث انتعاش في النصف الثاني من عام 2024، لاسيما مع توقع تخفيف السياسات النقدية وتراجع ضغوط أزمة الطاقة، مما سيؤدي إلى تنشيط الإنفاق الاستهلاكي، ومن ثمّ انتعاش النشاط الاقتصادي في أغلب دولها.
وأمام تحفز الهند نحو النمو الاقتصادي الجريء، لا يزال الاقتصاد الصيني ضبابي الصورة، فهو يعاني من تراجع في قطاع العقارات وانخفاض الثقة، مما سيؤثر على الإنفاق الاستهلاكي، وعلى الرغم من الانتعاش في قيم وأحجام الصادرات، إلا أن استدامة هذا النمو مشكوك فيه بسبب التخفيضات الملحوظة في الأسعار من قبل المُصدِّرين والتي انعكست سلبا على هوامش أرباح الشركات الصينية.
الصورة العامة تفاؤلية، فالاقتصاد العالمي يشهد تراجعا ملحوظا في التضخم، مما يعزز بشكل جماعي التجارة العالمية وإن كان في حدود اضيق من المعتاد، وبينما تحافظ البنوك المركزية على موقفها المتشدد، فإنها يمكن أن تبدأ في تخفيف وقع سياساتها النقدية في منتصف عام 2024 لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والسيطرة على التضخم، فالإشارات من بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي تومئ بأن النية معقودة لتنفيذ تخفيضات (متواضعة) في أسعار الفائدة، وهذا من شأنه أن يمثل منعطفا مهماً في عملية التعافي الاقتصادي العالمي، إلا أن الحذر الذي يمكن أن يتسبب في تأخير القرارات الاقتصادية الحاسمة في بعض الدول سيفرض نفسه في هذا العام الجديد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال