الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
المشتقات المالية هي أوراق مالية متداولة أو غير متداولة تستمد قيمتها من الأصل الأساسي الذي تقوم بتغطيته ويكون فيها معدلات الرافعة المالية (الاقتراض) مرتفع وبالتالي تولد تحركات سعرية وعوائد متذبذبة بشكل هائل وهذا بالطبع يتصاحب مع زيادة في مخاطرها. المشتقات تعتبر هي المتهم الأول والمُدان الأبرز في قضية انهيار الاقتصاد الأمريكي والعالمي عام 2007-2008م. بدأت الحكاية من مطلع العام 2005م وانتهت بانهيار عظيم لأكبر مؤسسات العالم المالية وأعوام من التيه الاقتصادي الى تعافي النهوض 2010م. طالت أصابع الاتهام القادم الجديد الذي تطور تحت أيادي البنوك العملاقة وكأنها تعمل على حفر قبر انهيارها وتخيط أكفانها بأيديها.
كانت الشرارة الأولى هي عندما عملت البنوك العملاقة وقادة القطاع المصرفي على العمل على استغلال القروض العقارية الهائلة المركونة بلا فوائد في الميزانيات الخاصة بها وتحويلها الى أوراق مالية مشتقة من تلك القروض العقارية وجمعها في وعاء يتداول في السوق المالي ويطلق عليه (أوراق ماليه مدعومة بالرهن العقاري السكني Residential mortgage-backed security) وتعتمد بشكل كامل على التدفقات النقدية القادمة من الفوائد الدورية التي يدفعها المقترضين حيث تمر الدفعات النقدية الى مالكي الورقة كدفعات نقدية وعند تخلف سداد هذه الفوائد سوف ينعكس هذا على سعر الورقة وتوزيعاتها وبالتالي العائد الخاص بها.
الورقة الناهضة حديثاً بسبب عمالقة المصارف الأمريكية دفعت البنوك جميعها على زيادة تقديم القروض العقارية حتى دون النظر الى التصنيف الائتماني للمقترضين وملائتهم المالية للاستفادة من سيولة تلك الورقة وبيعها على شركة ذات غرض خاص (SPV) والتي بدورها تبيعها على المستثمرين وبذلك تتخلص البنوك من عبء هذه القروض وتنقلها من ميزانياتها المتضخمة بها الى ميزانية الشركة ذات الغرض الخاص.
تمادت البنوك في الإقراض لذوي التصنيف المنخفض على الرغم من الفوائد المرتفعة حينها والتي كانت في حدود 5.00-5.25%، لدرجة ظهور قروض من نوع NINJA (no income, no job, and no assets) حيث تُقدم للأفراد الذي لا يملكون دخل ثابت ووظيفة وأصول ثابتة لأن البنك في نهاية المطاف سوف يتخلص من هذا القرض ويبيعه في الأسواق المالية. هذه القروض العشوائية الغير مدروسة بشكل جيد صنعت فكرة أخرى لدى البنوك في أنتاج ورقة مالية مشتقة جديدة تقوم على تحويل هذه القروض الخطيرة وذات التصنيف المنخفض إلى أصول ذات تصنيف AAA وهو تصنيف يُعطى للأصول عالية الأمان والسيولة.
نظرية التحويل الرائعة تبدأ بجمع المؤسسات المالية المئات من القروض العقارية في وعاء مالي متداول حيث تتدفق الدفعات النقدية في الأوعية (Pools) – يمكن تخيل هذا التدفق النقدي كتدفق مياه من أعلى – ومن خلالها تنصب هذه التدفقات الى مجموعات مختلفة تسمى الشرائح RMBS Tranches)) حيث كل شريحة تحمل مستوى مخاطر معين وتصنيف معين وبالتالي عائد مختلف (تبدأ من شرائح ذات تصنيف AAA تتدفق لها الدفعات النقدية أولاً وإذا تم تغطية جميع دفعات هذه الشريحة فالمتبقي يذهب الى الشريحة الآخرى ذات التصنيف AA وهي أعلى مخاطر وأعلى في العوائد وهكذا). عندما يتم تغطية كل الشريحة بجميع تصنيفاتها الائتماني فيتم أخذ الشرائح ذات التصنيف المنخفض وإعادة هيكلتها كورقة مالية جديدة تمسى (Collateralized debt obligation CDO) وتصنيفها الى شرائح جديدة ذات تصنيفات ائتمانية لتعود وتعمل كما تعمل (RMBS Tranches) وعندما يتم تغطية شرائح أو شريحة من ال CDO فيتم بعدها أخذ الشرائح الائتمانية ذات التصنيف المنخفض من ال CDO لإنشاء مجموعة جديدة CDO2 والتي تعمل كما في الشرائح السابقة من جديد.
هذا التعقيد الهائل في المشتقات المالية كما هو ملاحظ جعلها تبدو وأنها أداه تداول آمنه ويمكن الاستمرار في أنتاج أوراق ماليه تغطي أي مخاطر قادمة من الأوراق المالية السابقة، حيث ظهرت RMBS Tranches)) لتغطية أي مخاطر في (RMBS) وبعدها ظهرت (CDO) لتغطية مخاطر الـ RMBS Tranches)) وأيضًا (CDO2) لتغطية مخاطر الـ (CDO). هذه النظرة التفاؤلية للمشتقات أدت الى زيادة الثقة بها والاندفاع عليها دون عمل التحليلات المالية اللازمة لكل ورقة بغض النظر عن كمية الزخم المصاحب لها. المشتقات المالية قد يروق أن يُطلق عليها ” المُدان البريء ” فهي أكبر من تضرر بالنقد بعد الأزمة المالية، ولكنها لم تكن السبب الرئيسي في انهيار العالم حينها، ولكن سوء استخدامها هو من قام بتشوية ” الورقة الضحية “.
من الجدير بالذكر أن أبرز العوامل التي كانت سبب أزمة الرهن العقاري 2008م هي ضعف قوانين الائتمان والإقراض والتشريع المالي المناسب للمشتقات المالية وتأخر التدخل الحكومي الأمريكي الذي وصل متأخر بعد تفاقم الأحداث وعمل بضخ 700 مليار دولار في البنوك لإنعاش ما تبقى من الشتات بعد انهيار العملاق بنك ليمان برذرBank) Lehman Brothers) في منتصف سبتمبر 2008م، هذا التأخر في الإنقاذ جاء من الرائع هنري بولسون وزير الخزانة الأمريكي آنذاك حيث كان يقول بأن انقاذ البنوك والمؤسسات المتعذرة سوف يحفز المؤسسات الأخرى على أخذ المزيد من المخاطر لأن في النهاية سوف يتم انتشالها من الحكومة في حال سقوطها وهذا المثال الأبرز لنظرية (Moral Hazard) الشهيرة في الاقتصاد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال