الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحدثت في مقالات سابقة عن جاذبية قطاع الرعاية الصحية على خلفية الزيادة في وتيرة الاستحواذ والاندماج ما بين شركات القطاع. الأمر الذي انعكس على زيادة مكررات الربحية للشركات المدرجة، بمقابل خطط توسع المنشآت المعلنة تلبيةً للزيادة في الطلب. وبينما نشعر ان المعرفة العلمية لدى الأطباء تؤهلهم لخوض تجربة الاستثمار في المجال، إلا ان الواقع لا يدعم دائماً ذلك الافتراض.
بحسب الجمعية الطبية الأمريكية، يقدر أن أقل من ربع كليات الطب الأمريكية تقدم تدريب يتعلق بإدارة الأعمال أو المعرفة المالية. مما يشير لوجود فجوة في مدى جاهزية الأطباء للانخراط في مشاريع استثمارية، مقارنة بخريجي الكليات الإدارية. إذ يركز التعليم الطبي بشكل أساسي على التخصص، مع تضمين جزء ضئيل من المنهج -إن وجد- لإعطاء لمحة بسيطة عن العلوم الإدارية والمالية.
كما أن متطلبات ممارسة المهنة أثناء برامج التخصص، ومن بعد التخرج، تترك وقتاً ضئيلاً للانخراط في أنشطة خارج التطبيقات السريرية. مما يترك مساحة محدودة لقراءة أبحاث السوق او التعرف على المؤشرات المالية. كذلك فإن الميل لتجنب المخاطر عند الأطباء لا يدعم الخوض بالدخول والتوسع بالاستثمار. فقد أظهرت دراسة في مجلة إدارة الخاطر أن الأطباء لا يمارسون المغامرة عندما يتعلق الأمر بقرارتهم. ومع الأثر المحمود لهذه النزعة في قرارات تتعلق بتقديم بالعناية بالمرضى، إلا أنه يعتبر عائقاً في مجال الاستثمار الذي يتطلب اخذ قرارات لا تخلو من اخطار ممارسة النشاط والمنافسة.
يختار الأطباء الاستثمارات الصحية في الأغلب بناءً على الارتباط العاطفي بدلاً من الاعتبارات المالية وبمعزل عن الجدوى الاقتصادية للمشروع. على خلاف ما يتبعه المستثمرون من الاعتماد على تحليل السوق والتوقعات المالية. فالطبيب كغيره من المهنين يرغب بممارسة عمله في أفضل بيئة ممكنة. ويحلم ان ينعكس شغفه على اقتناء أفضل الأدوات وأثمن الوسائل لإنجاز عمله. وهذا حسن، لكن يجب التحرر من أي عاطفه تدفع بالممارس لتحمل تكاليف إضافية ترهق كاهل منشئته وتزيد من رأس المال بدون مبرر. إن النزعة لشراء جهاز بضعف قيمة المنتج المعياري المعتمد وبذات جودته ووظائفه، قد يؤخر -بكل بساطة- تحول العيادة إلى الربحية لعدة سنوات، ويقلص العائد على رأس المال.
إن نجاح أي مشروع يرتكز على المقدرة على تقديم خدمات نوعية ذات جودة عالية، بالإضافة لتحقيق الاستدامة في تقديم تلك الخدمات. وبينما أضحت الفعالية العلاجية من الممارس الصحي السعودي واضحة للجميع، تظل الاستدامة هاجس مستمر. فالطبيب الفذ ليس بالضرورة إداري ناجح. الإدارة في هذا السياق لا نتحصر على إدارة فريق العمل، وانما تتخطى ذلك للمقدرة على التعامل مع مجموعة من الموردين وأصحاب العلاقة بمختلف مراحل التأسيس والعمل. علاوة على الالمام بمبادئ الربحية والأساسيات المالية للميزانية والتدفقات النقدية. الأمر الذي قد يكون الفيصل ما بين استمرار او زوال المنشئة.
ما يميز المهن الصحية هو ارتباطها بقيمة إنسانية سامية. إلا إنها كغيرها من النشاطات تزدهر في أداء رسالتها بديمومة التمويل لأغراض التشغيل ومن ثم التوسع. وبينما يقدم الأطباء خدمات طبية مفصلية ورؤى اختصاصية فذة، فطبيعة الاستثمار تتطلب مجموعة أشمل من المهارات الإدارية والمالية. وفي حال عدم وجود تاريخ إداري ناجح للطبيب، او تعذر تنصيب ذوي الخبرة الإدارية وتمكينهم، فالشراكة بين المهنين الطبيين والمستثمرين ذوي الخبرة هو ما يؤطر لآفاق واعدة في الاستثمارات الصحية.
إن سوق الرعاية الصحية بحاجه إلى مستثمر طبيب، لا لطبيب مستثمر. إذ تمهد تلك النظرة للإسهام في تقديم رعاية ذات جودة وبشكل مستدام. تلك الاستدامة ستدعم بإذن الله توظيف المزيد من الأطباء، وتعزز الاستمرار في تقديم الخدمة، وتسهم بازدهار المنشآت المتوسطة والصغيرة في المجال الطبي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال