الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا يخفى على بعضكم أن نظام المعاملات المدنية هو ثالث المشاريع العدلية التي أطلقها سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله -، والتي تمثل تطويرًا للأجهزة العدلية، فبموجب المرسوم الملكي الكريم رقم (م/191) وتاريخ: 29/11/1444ه، تمت الموافقة على نظام المعاملات المدنية والذي بدأ العمل به بعد 180 يومًا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية “جريدة أم القرى”.
لقد تطرق النظام إلى العديد من المسائل، ابتداءً بالتعريف بالأشخاص والأشياء والأموال وأنواع الحقوق، وانتهاءً بقواعد فقهية كلية تطبق بما لا يعارض نصوص النظام، كما أن من المسائل المهمة التي اعتنى بها النظام التعويض عن الضرر، حيث فرّق المنظم بين التعويض عن الضرر المادي والمعنوي، وسنخص في هذه المقالة التعويض عن الضرر المعنوي، كونها حديثة عهد بالتنظيم، ولم يسبق أن تطرق لها المنظم قبل صدور نظام المعاملات المدنية، لكون الأضرار المعنوية متعددة ومتجددة، فمع تطور الزمن يمكن أن يكون هناك أضرار غير معهودة في السابق أو أن تكون هناك أضرار معهودة في السابق لكنها اشتدت في الزمن الحديث، وعلى سبيل المثال وليس الحصر الدعوى الكيدية التي تقام بقصد بغير وجه حق لتخويف وترهيب الأخرين، وكالقذف والسب، ففي السابق يكون الضرر عادةً منحصرًا على المتضرر في تلك البلدة أو ما جاورها على الأكثر، أما الآن ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي فقد يكون الضرر متعدي على ذلك الشخص على مستوى العالم بأكمله، فلو نظرنا إلى تعريف الضرر في اللغة لوجدنا أنه: مأخوذ من ضرر ويقال: ضرَّر يضرهُ ضَرًا، وتعريفه اصطلاحًا: كل أذى يلحق الشخص سواء كان في مال مُتقوم شرعًا أو عرض مصون.
وقد وضحّ المنظم آلية التعويض بالمادة 120 من النظام والتي تنص على أن “كل خطأٍ سبب ضررًا للغير يُلزم من ارتكبه بالتعويض”، فلا يكون هنالك ضرر بلا وجود خطأ، كون التعويض عن الضرر يتطلب لوجوبه ثلاثة أركان، أولها: التعدي المعبر عنه نظامًا بالخطأ، وثانيها: تحقق وقوع الضرر، وثالثها: الإفضاء المعبر عنه نظامًا بالعلاقة السببية، فإذا توفرت الأركان الثلاثة مجتمعة لزم المعتدي تعويض المعتدى عليه حيث إنها أول ما ينظر إليه القضاء بدعوى التعويض عن الضرر، فلا تقبل الدعوى دون إثبات هذه الأركان الثلاثة.
ومن ثم استطرق المنظم بالمادة 138 من النظام بفقراتها الأربعة والتي نصت على أن يشمل التعويضُ عن الفعل الضار التعويضَ عن الضرر المعنوي. وما يشمل هذا الضرر المعنوي؟ يشمل الضرر المعنوي ما يلحق الشخص الطبيعي من أذى حسيٍّ أو نفسيٍّ، نتيجة المساس بجسمه أو بحريته، أو بعرضه، أو بسمعته، أو بمركزه الاجتماعي. كما أن للمحكمة أن تقدر الضرر المعنوي الذي أصاب المتضرر وتراعي في ذلك نوع الضرر المعنوي وطبيعته وشخص المتضرر، ويكون التقدير بالنقد أو بناءً على طلب المتضرر أن تقضي بالتعويض بالمثل أو بإعادة الحال إلى ما كانت عليه. وهذا التنظيم ليس دخيلًا على الشريعة الإسلامية، فقد ثبت عن السلف التعويض عن الضرر المعنوي، حيث جاء في حاشية ابن عابدين عن ابي يوسف أنه قال في الشجة وهي جُرْح بليغ في الوجه أو الرَّأس، إذا عادت فالتحمت ولم يبق لها أثر فأن على من أضر أرش الألم وهو حكومة عدل، وما ذكره أبو يوسف هو في حقيقته تعويض مالي عن ضرر معنوي.
الجدير بالذكر أن دعوى الضرر لا تسمع بعد انقضاء ثلاثة أعوام من تاريخ علم المتضرر بوقوع الضرر وبالمسؤول عنه، ولا تسمع الدعوى بانقضاء عشرة أعوام من تاريخ وقوع الضرر، بالإضافة إلى أنه إذا كانت دعوى الضرر ناشئة عن جريمة فإنه لا يمتنع سماعها ما دامت الدعوى الجزائية لم يمتنع سماعها، وذلك حسب ما ذكر المادة 143 من ذات النظام.
ختامًا: أن التعويض عن الضرر المعنوي مرتبط بجميع أمورنا الشخصية، فلو افترضنا قيام شخص بتنفيذ على أخر بسند تنفيذي سبق وأن نُفذ وأستوفي بشكل كامل، فيحق للمنفذ ضده في هذه الحالة المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي لقاء إيقاف خدماته بغير وجه حق، بالإضافة إلى أعمالنا التجارية، فحينما يتقاعس مورد بتوريد البضاعة المتفق عليها فهذا يشكل سمعة غير صحيحة عن المنشأة الخاصة بك أنها غير ملتزمة بمواعيدها أو أن البضاعة ليست بالجودة المتفق عليها لقاء تخزين سيئ، وجميع هذه الأضرار أتت من المورد والمنشأة لا حول ولا قوة لها، وبذلك يكون التعويض عن الضرر المعنوي هنا مطلب وغاية، وعليه فأنه لا يوجد شكل معين أو أسباب محصورة للمطالبة بالتعويض عن الضرر المادي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال