الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد أن أمضيت سنوات من العمل في الشركات الاستشارية، كاستشاري، وتعاملت معها أيضاً كعميل في الطرف المقابل (كمستفيد من تلك الخدمات الاستشارية)، أكتب هذا المقال ليتناول مجموعة من النقاط الرئيسية التي أعتقد جازماً بأنها ستكون بمثابة خارطة الطريق لمن يهمهم الأمر في نجاح المشاريع الاستشارية (أو ركائز الفشل في حال عدم الاهتمام بها):
1) بدايةً، فالعروض الفنية للمشروع التي تتقدم بها الشركات الاستشارية خلال مرحلة الطرح (سوف نحقق، وسوف نمضي، وسوف نعمل معاً، وسوف نركض سوياً، إلخ …) هي مجرد 10% من مؤشرات نجاح المشروع، لا تعول على هذه الدعاية كثيراً! حيث يعتمد النجاح الفعلي للمشروع بنسبة 90% على اختيار الفريق الاستشاري الذي سيعمل معك بعناية عند بدء المشروع. ركّز جيداً على السيرة الذاتية لمدير المشروع ومدراء مسارات المشروع (Work-stream managers) تحديداً، فهم من سيدير دفة المشروع فنياً، وأحد أهم ممكنات النجاح.
لذا، فإن مقابلة الفريق الفني قبل الاختيار النهائي للمرشحين هو حق للعميل (لا تركز كثيراً على “الشريك” أو ما يسمى الـ Partner، فهو في الغالب متواجد شكلياً فقط، حيث سيظهر في بداية المشروع في التعريف بفريق المشروع، واستعراض خبراته التي تنوعت بين كونه صانع ألعاب في مجال الاستراتيجية، ومهاجم هدّاف في الإدارة المالية، وجناح أيمن يجيد الهوائيات في التحول الرقمي، ولكنه فعلياً سيكون أحد أبرز نجوم دكة البدلاء، ولن يظهر إلا عند تسليم المخرجات التي ستؤثر على الدفعات المالية (Time to collect some money)، فلا تعتمد عليه إطلاقاً، فسرعان ما ينسى نطاق المشروع برمته بعد مرور أول أسبوع، ويركز على مشاريع أخرى يتم طرحها للمنافسة في أماكن أخرى، وتكرار ذات الديباجة مع العملاء الجدد)! ملاحظة: هناك من الـ (Partners) من هو رائع في إدارة المشاريع فنياً وإدارياً، ولكنهم عملة نادرة للأسف .. أخبرني عندما تراهم ..
2) يجب يتمتع العميل بخاصتين مهمتين للغاية؛ الأولى: الإلمام الفني العالي بنطاق عمل المشروع، ليتمكن من مناقشة جودة المخرجات، ورفع سقف الطموحات، وغير ذلك. وثانياً: يجب أن يكون لدى العميل القدرة القيادية في الإشراف على سير عمل المشروع ومتابعة ومناقشة الأداء، فلا يمكن أن ينجح مع الشركات الاستشارية العميل الملم فنياً فقط، وغير القادر على إدارة المشروع، والعكس صحيح، فمهما كان قادر إدارياً، وضعيف فنياً، فسيتم تسليم العميل في الغالب مخرجات جودتها الفنية سيئة (ولو كان الإخراج واللمسات الفنية في البوربوينت صممت بطريقة إبداعية)!
3) يجب أن لا يتعامل العميل مع الاستشاري وكأنه يملك عصا موسى، حيث يجب تقديم البيانات التي يحتاجها (مع مراعاة سرية المعلومات)، والاجتماعات التي يريدها، فبدون تشخيص الحالة، لا يمكن للاستشاري تقديم الوصفة الفنية الصحيحة التي تعالج المشكلة التي يسعى العميل في حلها في المنظمة! فهذه أحد مراحل تقييم الوضع الراهن وتحديد الفجوات، أو ما تسميه الشركات الاستشارية (Current State Assessment, CSA).
4) يجب على العميل أن يتأكد أنه وفريق عمله يعملون بشكل متوائم طول فترة تصميم المخرج (لا أن ينتظر المخرج النهائي، حتى لا يصطدم بالمفاجآت الإبداعية من الاستشاري! أكرر لا تنتظر حتى النهاية! فقد يكون نطاق العمل عن استراتيجية الإدارة المالية، ثم تكون المفاجئة بأن المحتوى يتحدث عن أثر الحرب العالمية الثانية في صعود الولايات المتحدة كقوة عظمى)!
ملاحظة هامة: عندها سيدخل العميل في دوامة المراجعات بعد تسليم المخرج النهائي، وغالباً ما يكون لدى الاستشاري القدرة في (التطفيش والمرواغة) بمن خلال تكرار تسليم المخرجات بجودة سيئة! والكثير ربما يجئ للقاعدة الخاطئة الشهيرة (يا ابن الحلال مش المشروع، وحنا بعدين نشتغل عليه، هذولي مش فاهمين، وما ودنا نضيع وقتنا)! وهذه أفضل هدية ممكن يتم تقديمها للاستشاري، ناهيك عن كونها مخالفة قانونية! (كما أنها تجعل الاستشاري يتجرأ على تكرار ذلك في مشاريع أخرى)!
5) لا يعلم الكثير أن لديه القدرة على تبديل الفريق الفني للمشروع في حال عدم نجاح الفريق على تلبية طموحات المشروع، فتجده يتعامل مع الفريق وكأن الأقدار ساقته مجبوراً على الإكمال معه. بينما كان يفترض أن يتعامل مع المشروع بشكل احترافي للغاية، فالمتعاقد معه هو الشركة الاستشارية، وليس أفراد الفريق (لذا، لا تنتظر فترة الانتقالات الشتوية للتفكير باستبدال الفريق)!!
6) تأكد من تفعيل دور الخبراء في المشروع (SMEs)، فستجدهم يملؤون صفحات العرض الفني بالسير الذاتية المميزة، وستجدهم يختفون كالسراب مع بداية المشروع، والسبب هو العميل، وليس الشركة الاستشارية، فهو الذي لم يطلب تفعيل أدوارهم في قيادة ملفات معينة في المخرجات! لا سيما المواضيع ذات التخصصات الدقيقة والتي لا يسمح الوقت فيه بأن (يتدرب معك الفريق الاستشاري)!
7) يخطئ البعض عندما يعطي الاستشاري الانطباع بأن الاستشاري هو (المهدي المنتظر)! خطأ جسيم للغاية، بل يجب أن يعلم الاستشاري من الاجتماع الأول أنه وبالرغم من كفائته المميزة، إلا أنه سيتعامل مع محترفين وكفاءات مميزة قادرة على تحدي جودة المخرجات ومناقشتها بشكل مهني! ففي ذات الوقت الذي سيقدم فيه الاستشاري إضافات فنية معينة للمنظمة، سيتعلم هو أيضاً الكثير من المعلومات التي ستصقل من مهاراته وتضيف لرصيده المعرفي خلال مراحل تصميم المخرجات! (تذكر النقطة الأولى، فالسير الذاتية لديهم ستتحدث تلقائياً بعد انتهاء المشروع معك، وتضاف إلى خبراتهم ومنجزاتهم)!
8) يجب أن يعلم العميل أن التعاقد مع الاستشاري كان لأجل التعاقد مع الشركة الاستشارية بمختلف الخبرات الموجودة فيها، وحجم البيانات المهول بها، والخبرات التراكمية التي لديها نتيجة العمل لسنوات على مشاريع مشابهة في العديد من الدول، وأن فريق العمل (بالرغم من أهميته) يعتبر حلقة الوصل بين العميل والشركة الاستشارية، ويمثل الشركة ولا يمثل شخصيته الاعتبارية! فإدراك هذه النقطة تحديداً من قبل العميل والاستشاري سترفع من جودة ومستوى الجهد المبذول من قبل الاستشاري!
9) لا تتعامل مع الاستشاري وكأن المخرج خالٍ تماماً من الأخطاء. هم بشر يخطئون كما نخطئ! فالأخطاء طبيعية، ما لم تكن جوهرية تنم عن عدم إلمام فني بالمخرج، أو أخطاء متكررة تدل على عدم الاهتمام بجودة المخرج! (لا سيما عند ترجمة المخرجات من اللغة العربية إلى الإنجليزية أو العكس)!
10) لا تغتر كثيراً عندما تسمع الجملة الشهيرة(الممارسات الرائدة) مالم توثق بمراجع علمية واضحة يتم تضمينها كجزء من المخرجات الرسمية، فكثير من الاستشاريين (للأسف) يحاول جاهداً تبرير قصوره، أو آراءه عن طريق تكرار مقولة(The best practices!) كما أنه ليس بالضرورة أن تكون كل ممارسة عالمية مناسبة لجميع المنظمات، فالأفضل دائماً هو الاطلاع على تلك الممارسات العالمية ومن ثم تصميم نموذج يتوائم مع ما تحتاجه المنظمة وفقاً لاستراتيجيتها وظروفها وخصائص الدولة التي تعمل بها ..
نقطة خروج: عندما يقابل العميل الذكي فريق عمل استشاري احترافي، فثق أن المخرجات متميزة وذات قيمة مضافة كبيرة على المنظمة!.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال