الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن اللغة ذات بُعد اقتصادي منسي، فلا يولي الاقتصاديون عناية كافية للمتغير اللغوي في نماذجهم الاقتصادية بسبب غياب المعايير الكمية التي يمكن من خلالها التعامل مع هذا المتغير ضمن نموذجهم الاقتصادي، ونحن هنا لا نتحدث عن تعلم لغة أو لغات أخرى ولا عن الحديث بها ولا حتى استخدامها فهو أمر محمود لا نناقشه، فالحديث هنا عن اعتماد لغات غير اللغة العربية في التزامات تعاقدية ذات أثر مالي واقتصادي على أطراف التعاقد وعلى غيرهما.
إذا كان العقد شريعة المتعاقدين، فإن اللغة عمود هذه الشريعة، فهي أساس بناء العقد والإلتزام، وبها تُفسر المعاني وبيان مدلولات العقد، وإن كل عقد أو ما في حكمه يكون مقر انعقاده المملكة العربية السعودية، أو بين شخصيتين طبيعية أو اعتبارية سعودية أو أحد أطرافه سعودي، ولا يكون مكتوباً باللغة العربية أو أن تكون العربية لغة فيه معتبرة ومقدمة على اللغة المقابلة، فإن ذلك وبلا شك ذو أثر اقتصادي سلبي، فعلى سبيل المثال غالباً ما يكون محل الفصل في النزاع عند الاختلاف في العقود المدونة بلغة غير عربية خارج المملكة، وهو نقيض مستهدف جذب مقرات الشركات العالمية إلى المملكة، ونقيض وضع المحفزات لذلك، وينعكس بشكل مباشر وغير مباشر على المحتوى المحلي، وعلى تعزيز فرص المنشآت الصغيرة والمتوسطة خاصة منشآت التحكيم والمحاماة والاستشارات القانونية، إن 11% من الشركات الأوروبية الصغيرة والمتوسطة الحجم تتأثر سلباً بسبب اللغة، فضلا عن احتمالية الغبن أو التدليس أو اختلاف الفهم بسبب اللغة.
لقد طرح فلوريان كولماس في كتاب (اللغة والاقتصاد) نظرية غريبة لقياس متوسط الناتج القومي الإجمالي مع تعدد اللغات في بعض الدول، وأثر التعدد السلبي على الناتج القومي، ثم قال: “القول إن اللغة عبارة عن “رصيد” يجب ألا يُفهم منه أن تعدد اللغات أمر مرتبط بالثراء الاجتماعي، ولكن الارتباط العكسي هو الذي يطرح نفسه، إن البلاد المجزأة لغوياً بشكل كبير بلاد فقيرة دائماً”، ثم قال: “إن سويسرا هي الاستثناء، في التعدد اللغوي الذي يظهر في أشكال مختلفة كثيرة وهو لا يتواكب مع الرخاء إلا عندما يتعلق بلغات خاصة معينة، بينما يرتبط هذا التعدد عادة بمستوى منخفض من التنمية الاقتصادية، وبشكل خاص في البلاد التي تفتقر للغة مشتركة مسيطرة لا تكون معرفتها مقصورة على صفوة قليلة فحسب، بل تكون مستخدمة بوصفها الأداة الأكثر أهمية لتنظيم العلاقات السياسية والتجارية”
لقد سبق أن صدرت قرارات وتعاميم عديدة من مجلس الوزراء تنص على ذلك، ومن ذلك تعميم بليغ لضرورة استخدام اللغة العربية في تحرير المراسلات والعقود التي تتم مع الشركات والمؤسسات برقم (3/ح/15351) وتاريخ20/6/1400هـ ينص على (نظراً لما لوحظ من استمرار شيوع ظاهرة استخدام اللغات الأجنبية في تحرير العقود ومرفقاتها، وفي المراسلات التي تتم بين الجهات الحكومية والمؤسسات العامة والشركات المملوكة للدولة، وبين الشركات والمؤسسات التي تتم بين الجهات الحكومية والمؤسسات الأجنبية بالرغم من أن الشركات والمؤسسات الأجنبية وفروعها غالباً ما تكون مصاغة بطريقة تَخدم مصلحة الطرف الأجنبي عند تفسيرها وترجمتها إلى اللغة العربية ، ولأن الواجب استعمال اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للمملكة، فيقضي أن تلتزم جميع الجهات الحكومية والمؤسسات العامة والشركات المملوكة للدولة باستعمال اللغة العربية في مراسلاتها وفي تحرير العقود ومرفقاتها ووثائق المختلفة التي تتم بين هذه الجهات والشركات والمؤسسات الأجنبية، وهذا لا يَمنع من ترجمتها إلى اللغة التي يتعرف عليها الطرف الثاني للعقد، فأكملوا ما يلزم بموجبه، وقد أعطيت جميع الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات العامة نسخة من هذا الاعتماد وإبلاغ الشركات المرتبطة بها لانفاذه).
لم تَعد اللغة مجرد أداة تواصل أو مجرد كلمات يُتلاعب في تركيبها، بل هي اليوم تعبير عن ثقافة وهوية، وليس ترجمتها مجرد مقابلة لغة بلغة، فإن الأعراف والمفاهيم والمعايير تَحملها التصورات اللغوية في تركيب المواد والبنود مما يَصعب ترجمته، باللغة تُكتب وتحفظ الحقوق، ومن خلالها تُفهم، وبناء عليها يُقضى ويُحكم، يقول المستشار الألماني الأسبق ويلي براندت: “إذا أردتُ أن أبيعَك بضاعتي يجب أن أتحدث لغتك، وإذا أردتَ أن تبيعني بضاعتَك فعليكَ أن تتحدث بالألمانية”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال